خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
إقرار التهدئة في “العراق” مسألة صعبة. فقد كانت عملية توفير الأمان مسؤولية قوات الاحتلال الأميركية، وحاليًا يصارع “العراق” ضد فرض وجود هذه القوات، بالتوازي مع الصراعات الداخلية، وفشل الأحزاب، وفساد الساسة، وانعدام الكهرباء، وقلة المياه.
وعكس التوقعات السابقة، فقد فشلت حكومة “مصطفى الكاظمي”، حتى الآن، في السيطرة على الأزمات العراقية. ووفق تصريحات “مفوضية حقوق الإنسان” العراقية، فقد راح أكثر من 600 شخص ضحية العمليات الإرهابية، العام الماضي. فالإرهاب سبب رئيس في مصرع حوالي 5% من الوفيات السنوية العراقية. بحسب صحيفة (ابتكار) الإيرانية.
احتدام الأزمة العراقية..
الأوضاع الأمنية العراقية محتدمة، لكنها ليست مسألة جديدة. ذلك أن حكومة “الكاظمي” وصلت إلى السلطة، قبل نحو عام ونصف؛ بغرض السيطرة على هذه الأوضاع.
ووصول شخصية تكنوقراط وصارمة نسبيًا إلى السلطة في “بغداد”، أفضى إلى تصور بعض المحللين عودة العقلانية إلى المشهد السياسي العراقي. لكن هذه التصورات أثبتت فشلها. وسعت حكومة “الكاظمي” للتقارب مع الأحزاب المختلفة، وكذلك الدول الناشطة في المشهد السياسي العراقي، تمخض عن حالة من التوازن والتعامل، لكن هذا الأمر لم يحقق الكثير من الإنجازات.
وقد كان يميل لحل الخلافات مع “السعودية”، والموازنة بين القوى الموجودة في المشهد العراقي، لكن بعض هذه الخطوات تسبب في تشاؤم الفصائل والأحزاب وزاد من صعوبة الأجواء عكس المتوقع.
وقد بدأت في “العراق”، منذ فترة؛ الاغتيالات المتوالية. وتتبادل الفصائل السياسية الاتهامات بالتورط في اغتيال النشطاء المدنيين والصحافيين؛ بل واعتقال القيادي بـ (الحشد الشعبي)، “قاسم مصلح”، بدعوى التورط في هذه العلميات، قبل الإفراج عنه بسبب عدم وجود أدلة.
مع هذا تستمر انتقادات صحف المعارضة، للحكومة والنشطاء وضباط المخابرات. ووجود القوات الأميركية في “العراق” يُزيد من صعوبة الأوضاع.
وبينما تسعى الكثير من الفصائل السياسية العراقية إلى طرد هذه القوات، فإن الحكومة لا تميل إلى ذلك. وكان “البرلمان العراقي” قد صوّت، عقب اغتيال الجنرال “قاسم سليماني”، قائد (فيلق القدس)، على طرد القوات الأميركية من البلاد؛ وهو ما لم يحدث حتى الآن.
من جهة أخرى، فإن وجود هذه القوات دفع الفصائل المعارضة إلى قصف “المنطقة الخضراء”. هذا في الوقت الذي أعلنت فيه وسائل إعلام أميركية عن اتفاق بين الجانبين، العراقي والأميركي، على تجديد توطين القوات الأميركية في البلاد.
ضغوط حكومة “الكاظمي” على قوات المقاومة..
أعلنت قوات المقاومة في “العراق” مخالفة الوجود الأميركي للقانون، فكان رد حكومة “الكاظمي” القبض على قيادات (الحشد الشعبي).
وآخر مثال على ذلك؛ القبض على “قاسم مصلح”، وطالبت الفصائل الشيعية بإقالة، “أحمد أبورغيف”، هيئة مكافحة الفساد.
ومؤخرًا؛ اتهم تحالف (الفتح)، رئيس الوزراء، “مصطفى الكاظمي”، بالديكتاتورية في إطار رد فعل فصائل المقاومة على الإجراءات الحكومية، التي لجأت إلى اعتقال قيادات (الحشد الشعبي) بدلًا من متابعة العمليات الإرهابية الأخيرة التي حصدت أرواح ثلاثون شخصًا.
بدوره اقترح “حيدر العبادي”، رئيس الوزراء الأسبق، خضوع فصائل المقاومة لإشراف رئيس الوزراء. وهو من الشخصيات التي تتهم (الحشد الشعبي)، بالبحث عن أهداف انتخابية.
في المقابل؛ تعتقد فصائل (الحشد الشعبي)؛ أن “الكاظمي”، يسعى بأي شكل لتأجيل الانتخابات.
وفي ظل الاضطرابات العراقية، فإن إفتعال المشكلات والفجوات بين الفصائل السياسية قد يؤدي إلى بقاء حكومة “الكاظمي”، في السلطة فترة أطول؛ وتأجيل الانتخابات حتى استعادة الأمن.
ويعتقد أنصار هذه النظرية؛ أن الصدام مع (الحشد الشعبي) ومخططات الحكومة للضغط على فصائل المقاومة من جهة، واتهام الحشد بإفتعال الاضطرابات الأخيرة من جهة أخرى، هو بمثابة خطة حكومية للصيد في المياه العكرة.
و”الولايات المتحدة”، التي تعرضت للهجوم في “الأنبار” و(عين الأسد)، تفضل بقاء السلطة في “بغداد” بين يدي من لا يعترض على وجودهم العسكري.
والوضع في “العراق”، مع الأخذ في الاعتبارات للسياسات الفعلية؛ قد يكون أصعب من هذا. فالحكومة غير حاسمة بخصوص تأمين النشطاء وتسعى للانتقام من فصائل المعارضة، وتأجيل الانتخابات.
في ظل هذه الظروف؛ لا يبدو أن الهجوم على القواعد الأميركية قد يتوقف وربما تكثف الحكومة الضغوط على فصائل المقاومة. في الوقت نفسه مازال (داعش) ينشط على الحدود العراقية، مع احتمال زيادة النفوذ الداعشي في “العراق” مع اقتراب موعد الانتخابات وزيادة مستويات التوتر الداخلي.