11 فبراير، 2025 11:28 م

العزلة والكتابة (5): نهر الثقافة يواصل جريانه رغم العوائق التي تعترض طريقه

العزلة والكتابة (5): نهر الثقافة يواصل جريانه رغم العوائق التي تعترض طريقه

 

خاص: إعداد- سماح عادل

كان كابوس ظهور فيروس “كوفيد19” مرعبا لكثيرين، خاصة الذين يتوقعون الأسوأ دوما، ويخافون المصائب قبل وقوعها، والعزلة التي تسبب فيها ربما لم تؤثر على الناس الذين يحبون العزلة من الأساس، وربما تسببت في مضاعفة الكآبة لدى الذين لا يطيقون العزلة، لكن كان الخوف من الإصابة بالمرض هو الأشد وطأة على الجميع. وبالنسبة للثقافة هناك من الكتاب من اعتقد أنها لن تتأثر وأن التكيف والبحث عن بدائل من مميزات الثقافة المرنة، لكن حزن آخرون على غياب التفاعل الحي بينه وبين الجمهور.

لذا كان لنا هذا التحقيق الصحفي الذي يجمع آراء الكتاب والكاتبات حول تأثير العزلة العالمية بسبب الفيروس عليهم، وقد وجهنا لهم الأسئلة التالية:

– كيف كان تأثير ظهور فيروس “كوفيد ١٩”والعزلة التي صاحبته لمدة عام ونصف على الكتابة لديك؟

– هل أثرت العزلة على حركة الثقافة وعلى نشر وتوزيع الكتب خاصة مع قلة الفاعليات الثقافية من معارض كتب وندوات؟

– ما هي البدائل التي لجأ إليها الكتاب للتواصل والتفاعل في مجال الثقافة؟.

نهر الثقافة يواصل جريانه..

يقول الكاتب العراقي “يوسف أبو الفوز”: “تبتسم شريكة حياتي “شادمان”، حين يتحدث الآخرين عن كون الكورونا أو ما يسمى فايروس كوفيد19، أجبرهم على البقاء في بيوتهم، وتقول بأنها تعيش “أجواء الكورونا” من سنوات طويلة جدا، وهي تغمزني بهذا، لكوني إنسان كما يقولون “بيوتي”، فرغم أني لي علاقات واسعة من الأصدقاء والمعارف وأحب الاختلاط بهم وأحب السفر، لكني من النوع الذي يشعر بالراحة أكثر حين أكون في بيتي لوحدي، بين أوراقي وكتبي وشاشة الكومبيوتر.

حتى أني مرات عديدة شجعت “شادمان” للسفر بمفردها لزيارة أهلها وأقاربها في العراق أو أمريكا. أذكر هذه التفاصيل لأبين كوني لم أتفاجأ كثيرا بأجواء العزلة التي فرضتها جائحة كورونا، فقد تعودتها حتى من أيام العزوبية. وعموما أرى أن العزلة أعطت للجميع  كما أظن  فرصة للتكيف مع أسلوب حياة جديدة وحتى مراجعة أولويات ما. أصبح لدى الكثيرين المزيد من الوقت للقراءة والبحث، مشاهدة الأفلام، ممارسة الرياضة، ووقتا أكثر مع العائلة، أي كان للعزلة مردود إيجابي ساهم بشكل أو آخر في زيادة فعالية الكتابة والإبداع عند الكثير من الكتاب والفنانين. شخصيا أنهيت كتابة رواية ستصدر قريبا في بغداد، بقيت أعمل عليها لسنوات طويلة، وعجلت عزلة الكورونا من إنجازها، ومنشغل حاليا مع مشاريع جديدة أتمنى إنجازها بفترات قريبة قادمة”.

وعن تأثير العزلة على حركة الثقافة يقول: “إن أثار العزلة بسبب الكورونا، ومعها القيود على السفر، كان لها تأثير على عقد الفعاليات الثقافية، التي فيها تلامس ولقاءات مباشرة، كالندوات ومعارض الكتب، وهذا بشكل أو بآخر ترك تأثيره على النشاط الثقافي من الجانب الاقتصادي أيضا، وعلى حركة الثقافة كذلك، في تبادل الخبرات ونمو الأفكار، لكن الشيء الجيد أن الإنسان، قادر على التأقلم وابتكار البدائل، فبدأت تظهر إلى جانب الندوات والمحاضرات على منصات التواصل الاجتماعي (الزوم مثلا)، حفلات توقيع الكتب، معارض تشكيلية، ناهيك عن الحفلات الموسيقية والغنائية.

وربما نجد في هذا جوانب إيجابية إذ تساعد في الكشف عن قدرات ونمو خبرات ما كان لها أن تظهر لولا العزلة بسبب الكورونا. ولا يمكن لنهر الثقافة الحقيقية أن يتوقف، رغم كل الحصارات والعوائق فهو يحفر لنفسه طريقا في الصخر ولابد أن يغذي شجرة الحياة”.

وعن البدائل التي لجأ إليها الكتاب يقول: “ذكرت في معرض الإجابات على الأسئلة السابقة، توجه المثقفين للنشاطات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتقديم محاضرات، ندوات، معارض، حفلات موسيقية وتوقيع كتب، والشيء الجميل، أنك تكون في بيتك وتتابع كل هذا. تكون حرا، ترتدي ما يعجبك من ملابس وتتناول قهوتك وحتى وجبة خفيفة من الطعام، وأنت تتابع محاضرا يتحدث من بيته في ألمانيا أو السويد ويمكنك مناقشته بحرية، ويمكنك المغادرة بهدوء وبدون إحراج إن لم يعجبك المواصلة. وشخصيا أصبحت طرفا في بعض من هذه النشاطات سواء بدعوتي كضيف متحدث أو لإدارة الجلسة والنتائج لحد الآن تسير بشكل إيجابي وطيب، وأتوقع أن مثل هذه النشاطات ستكسب المزيد من الناس كمتابعين”.

القدرة على التكيف..

ويقول الشاعر المصري “مؤمن سمير”: “بمجرد ظهور أخبار عن انتشار وباء جديد وغامض ارتبكت وتلفتُّ حولي وكأنما أدعو أحبتي ليسرعوا إلى جواري ربما ليس بأي غرض إلا طمأنتي أنا الذي استدرجتني أحاسيس الوحدة وقتها بشكل أسرع وأكثر توتراً وأقل رحمة. وحيث أنني شخص متشائم بطبعي وأنتظر الأسوأ وإذا جاء الأفضل أتعجب، حزنتُ بسبب هذه الكارثة مقدماً قبل أن أفقد أناساً أعرفهم بسببها أو قبل معاينة آلام الأحبة بشكل مباشر. ولكن كعادة كل شخص ليس اجتماعياً بالأساس والمنشأ، لم أتحدث كثيراً مع أحد في الأمر ولا كنتُ أقرأ في تفاصيله ولكني كنت أحزن فقط وأكتب فقط”.

ويضيف: “لقد فُرضت العزلة التامة على الكثيرين جداً حول العالم لكن طبيعة عملي الذي من طبيعته البنيوية عدم التوقف مطلقاً، جعلت أيام غيابي تزيد قليلاً جداً عن المعتاد، وبالطبع مثلت إجراءات الأمان التي كنا نتبعها وإحساس المخاطرة عند النزول، ضغطاً نفسياً وخوفاً متشعباً لكني في النهاية استثمرت الوقت الذي مُنح لي في مراجعة مخطوطات مؤجلة والملاحظ أنني كنت أضطر بعد الكتابة إلى التخفيف عند تبييض الأعمال ومراجعتها نظراً لكمية الموت والسَوَاد التي انسربت تلقائياً إلى الكتابة”..

ويواصل: “أما بالنسبة للثقافة فكانت صدمتها أكثر حدة لأنها تعمل بالأساس على توصيل رسالتها للبشر بوسائلها المتعددة والقريبة، فكيف الحال بوضع يفرض منع الندوات والأمسيات والمؤتمرات ومعارض الكتب إلخ، فكان لا بد من نقل النشاط بالكامل للواقع الافتراضي ودعوة الناس إليه كصورة وحيدة لممارسة الأنشطة، صورة آمنة بالأحرى، حتى وإن افتقدت الألَق الطبيعي الجميل لاجتماع البشر وتبادلهم الأنفاس والأفكار والإبداعات بشكل لصيق ومباشر وهكذا اعتمدنا تماماً على ندوات وأمسيات الأونلاين ومن ثَمَّ وسعت دور النشر من اعتمادها على منصات البيع الإلكتروني وهكذا.

إن الإنسان كائن متراوح بين الضعف والقوة لكنه في كل الأحوال كائن متكيف ومبدع وخلاق ويفرض عليه حب الحياة الذي جبل عليه ألا يستسلم حتى اللحظة الأخيرة”..

تأثير طفيف على الثقافة..

وتقول الكاتبة اللبنانية “فاطمة منصور”: “صحيح أن فيروس كورونا أحدث زلزالا في العالم فتداعت أركانه صحيا واقتصاديا واجتماعيا. وكان طبيعيا أن يترك بصماته على الثقافة باعتبارها مرآة للأوضاع تلك، إلا أن هذا العارض الطارئ في تقديري لن يطاول الثقافة بمستوى تأثيره في المجالات الأخرى، فالثقافة المعاصرة موسومة بالواقع الاقتصادي، ما أفقدها نزعتها الإنسانية والجمالية في أكثر من مكان.

وعليه. فقد يقتصر تأثير الكورونا على التحول باتجاه خطاب انفعالي آني لن يبلغ عمقا ثقافيا من شأنه أن يزعزع الكيان الثقافي الحالي ويبتدع وجهة جديدة للحداثة. فإن كانت الثورة الصناعية قد شرعت الأبواب نحو حداثة الثقافة فإن ثورة التكنولوجيا قد أغنت الحداثة مضمونا ولم توثر شكلا. أما كورونا فمن شأنه أن يمر رغم خطورته، قبل أن يحدث ما يلفت الانتباه في البنية الثقافية المشكلة”.

وتضيف: “إننا كثيرا ما نصاب بالزكام”الكريب” فترتفع حرارتنا، ونصاب بالسعال وربما بالتهاب رئوي، فكان ذلك يعالج بشكل طبيعيّ، وبلا عقد. إنما اليوم، فالعوارض تلك تجعلك تشكّ بأنه الكورونا. وما عليك إلا أن تعرض نفسك في مستشفى معتمد من قبل الوزارة للتأكد من سلامتك من الفيروس الخبيث، وتنتظر النتيجة انتظار محكوم بالإعدام حتى تحين ساعة إخبارك بنتيجتك، ويا لها ساعات، مضنية! خلالها تعضّ على أحاسيس رهيبة، أبرزها إحساسك بأن تكون قد نقلت المرض إلى أولادك، أو أهلك، فأيّ ذنب اقترفت رغما عنك.

ويمرّ وقت الحجر بطيئا جدا، مضنيا جدا. تحاول خلاله أن تنأى عن الوساوس بشيء مفيد، تمسك كتابا، أو تجلس أمام اللابتوب متواصلا مع صديقة، أو صديق فتتبادلان الشكوى من السجن ورتابة الحياة. وويل لك إن تعرضت صحيا لحدث مريب، كما حصل معي تحديدا، حيث أصبت بما اعتقدته نوعا من الكريب، لكنه جاءني قاسيا فاعتبرت ذلك نتيجة لأدماني التدخين. تفاقمت حالتي، لكن لم يخطر في بالي قط أن أكون مصابة “بالكورونا” بقيت أقاوم كالعادة، بعلاجات بدائية، فكثيرا ما كنت أعاني ضيق النفس، وحدّة السعال، إلى أن فقدت الوعي مرتين وفقا لما عرفت من بناتي.

ولحسن الحظ أنني عوفيت وطويت تلك الصفحة المؤلمة. حتى إذا تفشى الوباء وبدأ الحديث عن عوارضه، رحت أستعيد تلك المرحلة حتى رأى فيها الأطباء حالة “كورونا” يبدو أنها عبرت بمقاومة من مناعتي الشخصية. أشكر الله أنني لم أدرك مخاطر ما كنت فيه فنجوت من تداعياته”.

افتقاد التفاعل الحي..

ويقول الكاتب الفلسطيني “سليم النفار”: “لا شك بأنَّ جائحة “كورونا” تركت آثاراً واضحة، على نسق حياتنا الشخصية والأدبية والثقافية، فقد حرمتنا التدابير الصحية الواجبة في سياق الانتشار السريع للوباء، من اللقاءات الوجاهية مع جمهورنا، تلك اللقاءات التي تخلق حالة تفاعل جميلة، وغنية بمنعكساتها بين الكاتب ومُتلقيه.

لم يكن من السهولة أنْ يقنعَ الشاعر، الذي اعتاد على مقابلة جمهوره، وتحسس نبضات تفاعله معه، أن يلجأ إلى العوالم الافتراضية في تعددها المختلف للتواصل من خلالها، مُكتفياً بصورة أو صوتٍ، ربّما لا يستطيع بثّ الموجات الكهرومغناطيسية التي غالباً ما تتمتع بها اللقاءات الوجاهية.

ولكنَّ ضرورة كوفيد19 جعلتنا نحاول التكيّف مع الوضع الاستثنائي ولو إلى حين، لأنّه ليس مفيداً الابتعاد عن جمهورك ومتابعيك، وعليه لابدَّ من اجتراح الوسائل التي تجعلك متواصلاً، وغير منقطع عن عموم المشهد الثقافي”.

وفي ذات الاتجاه تركت الجائحة آثاراً إضافية، متعلقة بتنقلنا خارج البلاد، واللقاءات الثقافية مع المثقفين من الشعوب الأخرى، وما تتركه تلك اللقاءات من آثارٍ إيجابية من حيث التواصل، والاطلاع على التجارب الأخرى بشكل حيّ”.

ويواصل: “ولا نستطيع أن نغفل الأثر الأكثر سلبية والمتمثل بوقف معارض الكتاب، لما تمثله من الواسطة الأكثر جدوى في تواصلنا مع الجمهور الواسع في عدة أماكن من العالم، ولكن على الرغم من هذه التأثيرات السلبية المختلفة سواء في الخاص أو العام للمشهد، فأنا على المستوى الشخصي، وإنْ حُرمت من متعة اللقاء بجمهوري الذي أعتدت اللقاء معه، من خلال أمسيات الشعر والموسيقا، فقد تمكنت من التواصل عبر وسائل التواصل الحديثة، وكثفت جهدي في قراءات مختلفة وأنجزت رواية جديدة، كنت قد بدأت فيها ما قبل الجائحة بأشهر قليلة…

ولكنَّ هذا التكيّف مع معطيات الحالة الوبائية، لا يعني بأننا نستطيع البقاء في هذه الآليات الجامدة، التي تسرق وهج الروح واحتياجاتنا للسلوك الذي وسم حياتنا الثقافية السابقة للجائحة اللعينة، فإنّ دوام هذه الحالة سوف ينتج لغةً مختلفة وعلاقات مختلفة أيضاً، أعتقد بأنّها ستكون أكثر برودةً، وأكثر ابتعاداً عن توهجات النفوس التي لا تُحسُّ إلا عبر اللقاءات الوجاهية”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة