اعمل محاسب في شركة لتجارة السيراميك، بعد عام من تخرجي بشهادة بكالوريوس من الجامعة التكنولوجية، إصرار على عدم الاستسلام، تزوجت وانا في المرحلة الاخيرة من الكلية، هنا انتقلت الى مسؤولية أكبر، من مسؤولية فقدان والدي والذي حملني عبء المسؤولية وانا في سن الأربعة عشر عاماً، صراع البقاء واصرار النجاح، كان وقودا كافي للاستمرار، وفي احدى صباحات تموز المشمسة، ودرجات الحرارة الحارقة، انطلقت للعمل، استقل تلك العجلة القديمة، فقد اجتاز عمرها الثلاثين وما زالت تسير بي حتى وصلت الى مقر الشركة، لم اكن اتابع الاخبار كثيراً، فالعمل تتجاوز ساعاته ال١٦ ساعة أحيانا، كان اليوم التالي بعد إعلان فتوى الجهاد الكفائي، واخبار سقوط ثلث العراق، تنتشر بسرعة، بغداد محاصرة، الرعب والخوف طرق كل القلوب، احتلال بغداد بات وشيكا، سامراء وكربلاء والنجف، تم تهديدها بشكل رسمي، وبث مشاهد من التهديدات على لسان الدواعش، اتصل بي ابن خالي، وهو يعمل في العتبة العلوية المطهرة، هناك تشكيل أفواج للدفاع عن العتبات المقدسة في العراق، هل انت موافق، دون تأخير في الرد، كان الجواب نعم سجل أسمي، بعد أيام من ذاك الإتصال، قال أحضر لي جوازك، سيتدربون خارج العراق، بسبب عدم وجود معسكرات تكفي لزخم الشباب، انطلقنا بعد شهر الى معسكر كرمنشاه، في الجمهورية الإسلامية، حيث نقلتنا عجلات الخاصة بالعتبة العلوية الى حدود مهران، كان هناك عجلات الجيش بانتظارنا في الجانب الإيراني، اخر اتصال لي مع عائلتي، وصورة طفلتي بعمر ثلاثة أشهر، تم تسليم الهواتف في الحدود، لدواعي أمنية، تحركة الباصات ليلاً الى معسكر التدريب، فجراً تم تسليمنا التجهيزات العسكرية، مع بنادق كلاشنيكوف، منزوعة الإبرة، كان تعدادنا يتجاوز ألفي شخص، بين شيب وشباب، معظمنا لم يمسك سلاح في حياته فضلاً عن استخدامها، كانت هذه تجربتي الأولى لتفكيك وتركيب البندقية، كما هو معتاد في الدرس الاول للتدريب العسكري، بعد إتقان هذه الخطوة، التدريب البدني هو التالي، من مسير ولياقة بدنية حتى الإجهاد والضغط، مازلت تلك الكلمات ترن في اذني(عرق التدريب، يقلل من دماء المعركة) بحق كانت دورة عالية المستوى، من حيث التقنين والانضباط والمعلومات، يوم بعد اخر تزداد العزيمة، ويتحول الإحباط الى عزيمة وإصرار، للانصاف كان تعامل المدربين باخلاق عالية، واجمل ما كنا نسمع هو أيها المجاهدون، ولم ينادونا بغيرها، كانت الأرض جبلية بين تلك السفوح يكثر النباتات الشوكية، الزحف عليها يترك دماء تسيل، من ساعديك، لكن عزيمتنا اكبر واصرارنا أعلى، مع زيادة ساعات التدريب لتتجاوز ال١٦ ساعة يوميا، مع واجبات ليلية، عشنا حرب حقيقة، صار لزاما أن ندخل مرحلة حرب الشوارع، والقتال بين الأزقة، فحروب المدن أكثر تعقيدا من الحروب النظامية، هنا بدأ استخدام الرصاص الحقيقي، عشرين اطلاقة لكل فرد، وهدف أمامك بثلاث أبعاد، واربعة أوضاع، حصلت درجة ممتاز 90 لجميع الأهداف، كأنها مبارزة لإثبات قوتك، كنت لأول مرة اشم فيها رائحة البارود عن قرب، و أذاني تنصت لصوت الاطلاقة، حتى اعتدنا الرائحة والأصوات، تناولنا العشاء، في مطعم المعسكر، أخبرنا بواجب ليلي سننفذه، بين الجبال، كان كمين عسكري، قد أعد له مسبقاً، وبينما نحن نسير في ظلام الليل الدامس، من الصعوبة أن ترى يدك، بين شخص وأخر ثلاثة أمتار، بخطين متوازيين، انفجرت على الجانب الأيمن، عبوة ناسفة حتى شعرنا بحرارة لهيبها، ثم انفجرت اخرى على الجانب الأيسر، من خلال التدريب في هكذا موقف نأخذ وضعية الانبطاح الكامل، فتح نار على جانبي الجبل، برصاص حي مذنب، جعل من الليل نهارا، لنعيش جبهة مواجهة حقيقية، خرجنا منها بمستوى عالي من القوة، واكتساب للمهارات والخبرة، لنحمي وطننا ومقدساتنا، بعد انتهاء أيام التدريب، عدنا الى أرض الوطن، بروح معنوية عالية، تحمل الانتصار شعارا والشهادة توفيقا، كانت تجربة غيرت مني الكثير واعطتني أكثر، ومنذ ذاك اليوم وأنا أقسمت أن أعلن قلمي مجاهدا، معبء برصاص الحق والنصر والدفاع عن تلك الدماء التي قد اوفق يوماً لأكون معهم شهيدا، هيهات منا الذلة، لبيك ياحسين، سيخلدها الأجيال، ويفزع لصوت سيد النجف، كل غيور يرتدي عباءة الشرف، شيب وشباب، لم تسع لهم المنايا تسابقوا على ذهاب الأنفسِ، رأية رفعها سيد السيستاني دام ظله، طرز عليها لبيك يا مهدي، لن تنكسر حتى ظهور القائم، السلام على من أفتى، السلام على من لبى السلام على أمهات الشهداء، السلام على أيتامهم، السلام على دمائهم الزكية، طوبى لكم من عاقبة حسنة، يافخرنا يامن لا أحد يحب العراق مثلكم.. أنتم الوطن الحقيقي الذي يجب أن نعيش بظله وبخيره ونتناقل صوره للأجيال، وطن أشرق بشمس تضحياتكم، لا يحجبها غربال التشويه، مهما تعالت أصوات النشاز، للباطل صولة، وللحق دولة.