18 ديسمبر، 2024 11:20 م

الموارد المائية في المنطقة العربية.. حوض النيل وحوضا دجلة وافرات

الموارد المائية في المنطقة العربية.. حوض النيل وحوضا دجلة وافرات

الى الان، لم تتوصل الدول الثلاث مصر والسودان واثيوبيا؛ الى اتفاق ملزم قانونيا، كما تريدان، كل من مصر والسودان، كدولتين مصب مع اثيوبيا، حول سد النهضة وبالتحديد حول الملء الثاني للسد في الاسابيع المقبلة او في الشهرين المقبلين. المفاوضات استمرت لأكثر من سنة من دون التوصل الى اتفاق كما بينا. في الحقيقية ان هناك اتفاق مصري اثيوبي في عام 2015، والذي سمي في حينها؛ اعلان مباديء، لكن اثيوبيا كما تقول مصر لم تلتزم ببنود او مبادىء هذا الاعلان. على ما يبدوا ان المفاوضات انتهت الى طريق مسدود، أو هي اي المفاوضات في الطريق اليه في الوقت القريب. أذ، لم يلوح حتى اللحظة اي اشارة مشجعة على قرب الوصول الى اتفاق بين دولتي المصب و دولة المنبع. ان المتضرر الاكبر من سد النهضة الاثيوبي وبالذات حين لا يكون هناك اتفاق ملزم قانونيا، هي مصر التي تعتمد على مياه النيل بصورة تكاد ان تكون كلية او قل كلية، لذا، يعتبر او تعتبر مياه النيل شريان الحياة لها والمساس بحصتها وبالذات عندما يكون هذا المساس كبيرا ومؤثرا، ومقلقا لمشاريع اثيوبيا القادمة حول منبع النيل، وبدرجة اقل كثيرا بالنسبة الى السودان حاليا ولكنه ايضا مقلقا، على صعيد المستقبل. على هذا الاساس الدولتان تريدان اتفاقا ملزم وقانوني، وهو ما تتهرب منه اثيوبيا بصورة واضحة وتريد من خلال ملهاة المفاوضات ان تفرض سياسة الامر الواقع، مما يجبر دولتي المصب على القبول به او الرضوخ له مرغمتين. حاولت كل من مصر والسودان معا توسيع المفاوضات، بنقلها، الى دائرة اكبر واكثر تأثيرا، اي من اشراف الاتحاد الافريقي( كونغو الديمقراطية)، الى مسار اخر، يضم الاتحاد الافريقي، والولايات المتحدة، والاتحاد الاوربي، والامم المتحدة، لكن اثيوبيا رفضت هذا المقترح، واصرت ان تبقى المفاوضات في اطار الاتحاد الافريقي. المهم في نهاية المطاف نعتقد ان هذه المفاوضات وصلت او انها سوف تنتهي الى طريق مسدود. مياه النيل كما اشرنا الى ذلك في السطور السابقة تشكل حياة او موت لمصر. الرئيس المصري، وهو يخاطب الشعب المصري، طمئنهم؛ بان لا احد في العالم بقادر ان يأخذ قطرة ماء من مياه النيل، وهي حصة مصر. هنا لابد لنا من طرح السؤال التالي؛ ما هو السبيل لكسر هذا الجمود في المفاوضات او الاوضح، ما هو الطريق لإجبار الجانب الاثيوبي على القبول بمفاوضات جادة وحقيقية؛ لإخراج اتفاقية قانونية ملزمة، ودائميه، لحفظ حقوق دولتي المصب وبالذات حقوق مصر من مياه النيل. التصلب في الموقف الاثيوبي واضح جدا، وهي تصر على الملء الثاني للسد، سواء كان هناك اتفاق ام لم يكن، في تحدي واضح لمصر والسودان معا. حاولت مصر في الفترة السابقة؛ الاستعانة بالولايات المتحدة، لجهة الضغط على الحكومة الاثيوبية للموافقة على ابرام اتفاقا ملزم وقانوني، لكن الولايات المتحدة فشلت في ارغام الحكومة الاثيوبية على الموافقة على اتفاق من هذا القبيل، وربما، وهذا نعتقد هو الصحيح؛ لم تضغط الولايات المتحدة بصورة جدية وحاسمة على الجانب الاثيوبي.. عليه، ما هو الطريق امام كل من مصر والسودان، لإيجاد معالجة تحمي حقوقهما، عندما تكون جميع خيرات الحل الدبلوماسي قد اخفقت في اجبار الحكومة الاثيوبية؛ للتوقيع على الاتفاق سابق الذكر، والذي تصر عليه كل من مصر والسودان. هل تلجأ كل من مصر والسودان الى الحل العسكري؟ من السابق لأوانه التنبؤ بهذا الحل او ترجيح كفته، على الرغم من الاستعدادات العسكرية غير المسبوقة، تنسيقا ومناورات بين مصر والسودان. نعود الى الخطوة القادمة؛ لإجبار اثيوبيا للتوقيع على اتفاق قانوني وملزم، هل هي خطوة عسكرية، عندما تفشل جميع الجهود الدبلوماسية، كما اسلفنا القول فيه، وكيف تكون هذه الخطوة العسكرية، هل هي القيام بتدمير السد او تدمير المحطات الكهربائية. نعتقد اذا ما تم اللجوء الى الخيار العسكري، فأن الخطوتين السابقتان، من المستبعد جدا ان لم نقل مستحيلة، لسببين، اولا؛ سوف يترتب عليها ادانة دولية وبالتالي تعتبر عدوانا، وما يتبع هذا من مسائلة دولية وبالنتيجة؛ مطالبة الشركات المنفذة للسد بالتعويضات. بكل تأكيد ان عند الرئيس المصري، محمد السيسي، اوراق ضغط؛ لإجبار الجانب الاثيوبي، على تسوية تضمن حقوق جميع الاطراف. لكن ماهي تلك الاوراق، هل هي الاوراق العسكرية، أم تحويل ملف السد الى مجلس الامن الدولي، بمساعدة الولايات المتحدة الامريكية. نعتقد ان استخدام الورقة العسكرية امر بعيد الاحتمال جدا ان لم نقل امر مستحيلا، ولا تلجأ اليه الحكومتان المصرية والسودانية وبالذات السودانية، اي انه احتمال غير وراد. أما المناورات العسكرية فهي لا تخرج عن هز عصى التهديد في وجه التعنت الاثيوبي، للنزول من منصة تصلبها العالية. في السياق؛ ان اهم تهديد في الوقت الحاضر، وفي المستقبل، هو الموارد المائية، للدول العربية وحصريا؛ مصر والسودان بدرجة اقل كثيرا، والعراق وسوريا. ان هذه الدول العربية لم تستطع الوصول الى اتفاق مع دول المنبع، اثيوبيا وتركيا وايران بحسب القانون الدولي الذي ينظم العلاقة بين دول المنبع ودول المصب. لأنها لم تستخدم ما لديها من اوراق ضغط، سواء ما كان منها، لجهة المعايير التي يفرضها القانون الدولي، من حصص عادلة من مياه الانهار المشتركة، او ما هو متوفر لدى هذه الدول من اوراق ضغط في الحقل الاقتصادي، وغير هذا الحقل الكثير، من بينها العلاقة مع الدول العظمى والكبرى، وحتى الشركات المنفذة. ليس الآن، لكن حين بدأ التفكير والعمل والتنفيذ لهذه السدود العملاقة، سواء على منبعي دجلة والفرات، او على منبع النيل. كان بالإمكان اجبار دول المنبع من خلال هذه الضغوط الجدية، على الدول الكبرى وشركاتها، وعلى حكومات دول المنبع، على التوقيع على اتفاقية تقاسم المياه، قبل البدء بالتنفيذ. لكن المؤسف ان اي من الدول العربية الاربع لم تقم بمسؤوليتها الوطنية في الحين الملائم للحركة والضغط على الدول وشركتها المنفذة وعلى حكومات دول المنبع. نعود الى مشكلة الغبن الذي تتعرض له الدول العربية سابقة الاشارة لها، بحرمانها من حصصها من المياه في الانهار المشتركة او الاصح التقليل منها بدرجة كبيرة جدا، ومؤثرة على الزراعة والحياة؛ ان القول ان هذه الانهار، هي انهار عابرة للحدود كما تقول تركيا وايران؛ انه قول يجافي الحقائق على الارض، او ان القول؛ ان دولة المنبع لها حق سيادي في كيفية استثمار مياهها، كما تقول اثيوبيا، قول مخالف للمعايير الدولية في التقسيم العادل لمياه الانهار المشتركة. أن سد النهضة من الممكن ايجاد معالجة له، او ان الفرصة لاتزال ممكنة جدا؛ في ايجاد اتفاق ملزم وقانوني بين اثيوبيا وكل من مصر والسودان، ولا نقصد طريق المفاوضات فهي في الطريق الى او انها سوف تصل الى الطريق المسدود، لكن من الجانب الثاني؛ ان عوامل وعناصر الضغط سواء الاقليمية منها او الدولية، تعمل لصالح مصر والسودان، لأن كليهما تتمتعان بعلاقات جيدة جدا، في فضيهما الاقليمي والدولي.. المشكلة العويصة هي في العراق وسوريا، فأن الدولتين ليس في حوزتيهما؛ عوامل وعناصر ضغط على الجانب التركي والايراني، لأن موقفيهما ضعيف جدا، اضافة الى ان حكومتيهما لا تتحركان في هذا الاتجاه، حركة جدية وفاعلة. كل ما هنالك اصوات واحتجاجات لا قيمة لها، لجهة التأثير على الجانبين التركي والايراني. اي انهما لا تستثمران اوراق الضغط التي في حوزيتيهما، وهي كثيرة جدا وذات تأثير فعال ان تم استخدامها بقوة وجدية، سواء بتفعيل القانون الدولي في هذا المجال، او في استثمار العوامل الاقتصادية، في العلاقة مع دولتي المنبع او في الفضاء العربي والاقليمي والدولي. ان مشكلة المياه في الدول العربية الاربع، سوف تكون في المستقبل، مشكلة خطيرة على الحياة والزراعة والصناعة، اذا لم يتم ايجاد معالجة جدية وملزمة وقانونية، لمسألة التوزيع العادل للمياه في الانهار المشتركة.. ان هذه المشكلة لو كانت في مكان اخر من المعمورة؛ لتم من زمان ايجاد اتفاق ملزم وقانوني لها. لكن، على ما يظهر ان دول المنطقة العربية، لا تعيش على ظهر كوكب بل تعيش في كوكب اخر، بفعل عدم وجود موقف صلب وقانوني في انتزاع حقوق شعوبها التي فرضتها المعايير الدولية في ايجاد تسوية عادلة ومنصفة؛ في تقاسم المياه للأنهار المشتركة..