خاص: إعداد- سماح عادل
رغم أن عزلة الفيروس قد ملئت الروح، وبعثت الكآبة في نفوس البعض، إلا أن التغلب عليها كان ضروريا، والعودة إلى الكتابة والقراءة والتعاطي مع الزملاء من الكتاب والأدباء، وهنا أصبح الكتاب الالكتروني ملجأ ومنقذا وحلا يسر إمكانية التفاعل بين الأدباء والنقاد، وقاوم حالة الفراغ الكبيرة التي تسبب فيها ظهور الفيروس اللعين. ولم يتوقف الحراك الثقافي وإنما اتخذ أشكالا أكثر موائمة للظروف..
لذا كان لنا هذا التحقيق الصحفي الذي يجمع آراء الكتاب والكاتبات حول تأثير العزلة العالمية بسبب الفيروس عليهم، وقد وجهنا لهم الأسئلة التالية:
– كيف كان تأثير ظهور فيروس “كوفيد ١٩”والعزلة التي صاحبته لمدة عام ونصف على الكتابة لديك؟
– هل أثرت العزلة على حركة الثقافة وعلى نشر وتوزيع الكتب خاصة مع قلة الفاعليات الثقافية من معارض كتب وندوات؟
– ما هي البدائل التي لجأ إليها الكتاب للتواصل والتفاعل في مجال الثقافة؟.
العزلة ملئت الروح..
يقول الكاتب السوداني “محمد الطيب”: “بحكم طبيعة عملي الأساسي في المجال الصحي كانت فترة كورونا فترة ضغط على مستوى العمل أكبر من المعتاد، وبالعكس كان روتين العمل أكثر قسوة وضغط، ولكن على المستوى الاجتماعي والنفسي ظلت العزلة موجودة، فما أن تغلق باب شقتك حتى تملأ العزلة روحك، وتعيشها بكل تفاصيلها مع أخبار الإغلاق في شتى بقاع العالم وتفشي الوباء، ثم تأتي الساعات الطويلة بعد انتهاء العمل والحركة المحدودة وليالي الأرق الطويلة لتسلمك إلى قدرك الحتمي وهو الكتابة، وهكذا كان أكملت عملاً كنت في منتصفه قبل ظهور الجائحة ثم كتبت عملين متتاليين أعتبرهما من أفضل ما كتبت في تجربتي كروائي، وإن لم ينشرا بعد وهما “تاسوع الريح الأخير”، و”أسطورة نيرجاميس ومأزق رسام البورتريه”، يضاف إلى ذلك كم مهول من القراءات المنوعة في الأدب والتأريخ والفلسفة وإن كانت الأخيرة هي الأقل حظاً ربما لأنها تخلف عندي القليل من الاكتئاب والغوص في داخل النفس وخلق ديالكتيك ذاتي يبعثرني كثيراً”.
وعن تأثير العزلة ثقافيا يقول: “كان لغياب معارض الكتاب وإغلاق الكثير من المكتبات في البلدان العربية أثر كبير في سوق الكتاب بشكل عام، وعرض دور النشر ونوافذ البيع لأزمة مالية خانقة، وهذا أدى لقلة الإنتاج الورقي بشكل عام، ولكن من الجيد رؤية المجال يتعافى بشكل كلي بعد عودة المعارض مرة أخرى ورؤية المكتبات تشرع أبوابها وتستقبل القراء وتعود إليها الحياة”.
وعن البدائل يقول: “كان هناك نشاطا محموما على مستوى الوسائط الاجتماعية وعبر منصة الزووم لعدد كبير من الفعاليات التي جمعت المهتمين بالهم الثقافي من شتى البلدان العربية، ومتابعتي لتلك الفعاليات في فترة الكورونا عرفتني بالكثير من الجيد في الحراك الثقافي العربي غطاه ركام التسويق للرديء مما ساعدني في قراءات أكثر فاعلية وجدوى”.
عزلة نفسية..
وتقول الكاتبة العراقية “شيماء نجم عبد الله”: “في الحقيقة كان للفيروس تأثير سلبي في بداية ظهوره، حيث جعل اهتمامي كله منصب نحو التفكير في كيفية الوقاية من هذا الفيروس وترك باقي الاهتمامات، وخصوصا في فترة الحظر الذي جمد فينا القدرات العقلية والفنية, مما أدى إلى توقف الكثير من النشاطات الأدبية واتجاهها نحو الحديث عن الفيروس وعدد الإصابات به، إضافة إلى أني أصبت به وشعرت بكآبة شديدة بسببه مما أبعدتني قليلا عن كل شيء حولي, أما فيما بعد ذلك حاولت الخروج من هذه الحالة وعدت إلى المشاركة عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي ساعدتني بعض الشيء على الخروج من عزلتي النفسية, وتمكنت من انجاز قصص للأطفال وقصص قصيرة”.
وعن تأثير العزلة على حركة الثقافة يقول: “في البدء نعم أثرت على حركة الثقافة وجمدت أغلب الفعاليات من ندوات ومعارض، ولكن مع مرور الوقت تأقلمنا مع الوضع وأصبحت أغلب الندوات الثقافية عبر مواقع التواصل الاجتماعية، إضافة إلى وجود خدمات التوصيل التي ساعدت كثيرا في توصيل الكتب وتسهيل عملية الشراء، وإن كانت قليلة في حركتها وليس كما كانت قبل ظهور الفيروس، ولكنها ساعدت بعض الشيء على كسر العزلة والتخلص من الوضع الخانق الذي مر به العالم أجمع”.
وعن البدائل التي لجأ إليها الكتاب للتواصل: “كما أسلفت سابقا إن البدائل التي لجأ إليها الكتاب هي مواقع التواصل الاجتماعي حيث منهم من تمكن من استغلال الوقت لتجميع كتاباته وإكمال أعماله الأدبية ونشرها عبر مواقع الفيس بوك والانستغرام والتليكرام، وأيضا في المكتبات الالكترونية التي تساعد الكاتب والقارئ في إيجاد الكتب بكل سهولة، وأيضا المجلات والصحف الأدبية الالكترونية، والمسابقات الأدبية الالكترونية، ساعدت كثيرا في استمرارية الثقافة وعدم توقفها عند حد معين، بل ساعدت في اكتشاف كتاب ونقاد ومؤلفين جدد وتقاربهم وتعارفهم على بعض”.
المنقذ والبديل الوحيد..
ويقول الكاتب العراقي: “نواف خلف السنجاري”: “العزلة أو (الحجر الإجباري) الذي فرضه علينا فيروس (كوفيد 19) لمدة طويلة، أعطاني فرصة ووقت كثير للقراءة والكتابة، فقبل (كورونا) كانت مشاغلي وارتباطاتي كثيرة، بحيث لا تسمح لي بوقت فراغ كافي للمطالعة أو الكتابة.
لقد استفدتُ من هذه (العزلة) لقراءة الكثير من الكتب المؤجلة، واستطعتُ أن أرتّب العديد من مسودات كتبي غير المكتملة، كما أنني أنهيت روايتي (4 وسبعون) في هذه الفترة. ورغم الاحتياطات التي اتخذتها إلا أنني أصبتُ بهذا الفيروس اللعين قبل شهر، وكأن هذا الفيروس أراد أن ينتقم مني لأنني استغليتُ المدة الزمنية (للحجر) لصالحي.!!”
ويضيف: “بالتأكيد أثرت العزلة سلباً على الحراك الثقافي، وأدت إلى توقف وشلل جميع النشاطات الثقافية من لقاءات وندوات وأمسيات شعرية وقصصية، وعطّلت إقامة معارض الكتب والفن التشكيلي وغيرها.
ورغم أن أغلب الكتّاب (وأنا من ضمنهم) استطعنا أن نطبع كتبنا، إلاّ أن (الحجر الصحي) أثّر تأثيراً كبيراً على توزيع هذه الكتب، وبالتالي إعاقة وصولها إلى القارئ، أو الناقد وحرمانه من قراءتها وإبداء رأيه النقدي فيها”.
ويؤكد: “لقد كانت مواقع التواصل الاجتماعي، بكل مسمياتها، على الإنترنت هي المنقذ والبديل الوحيد، حسب رأيي الشخصي، الذي لجأ إليه أغلب الكتّاب.
لقد أتاحت مواقع التواصل على شبكة الانترنت فرصة استلام وقراءة الكثير من الكتب التي أرسلها لي مؤلفيها من محافظات العراق، وكذلك من الخارج على هيئة pdf وبدوري أرسلت أنا أيضاً بعض كتبي التي صدرت حديثاً إلى أصدقائي في شتى بقاع العالم. وهذا النشاط البسيط كان بمثابة الحصاة الصغيرة التي حرّكت البركة الثقافية الساكنة والراكدة، فشاهدنا وقرأنا العديد من المقالات النقدية على شاشات موبايلاتنا دون الحاجة إلى اللقاءات التي أصبحت صعبة من جراء الحجر الصحي، أو إرسال الكتب الورقية”..
نسيان احتراقات الكتابة..
ويقول الكاتب العراقي “حميد الزاملي”: “فجأة ومن دون مقدمات صرت أخاف الاقتراب من جميع الأشياء التي كنت أحبها… كتبي، أوراقي، حاسبتي، الأصدقاء، بل أكثر من ذلك، أصبحت الكمامة والمعقمات هاجسي الأكبر، وشيئا فشيئا تعودت على مسايرة الأمور، نسيت احتراقات الكتابة والكتب، تباينت مشاعري، لم أعد ذلك المدمن الذي لا يفارق الكتابة والكتب”.
ويضيف: “بالتأكيد كان تأثير العزلة كبيرا، هربت الأفكار والخيالات والأحلام حينها، أنا أدرك قيمة الكتابة والفعاليات الثقافية وكيف هي مهمة جدا في صناعة الأفكار والكتب”.
وعن البدائل يقول: “رويدا رويدا أصبحت أفكر بطريقة أخرى، ربما استسلمت أول الأمر للأقدار وحكمة الرب لكنني وبنفس الوقت عدت للكتب واهتممت بالقراءات النوعية، لم يكن دافع الكتابة عندي بمستواه المعهود، اختفى الملهم الذي كان يدفعني للكتابة من حيث لا أشعر، ربما هي الصدمة الكبيرة التي لم يتوقعها أحد، لكنها حدثت ومازالت تبعاتها مستمرة، البعض من الكتاب تفوق على نفسه ومارس الأشياء عبر شبكات التواصل الاجتماعي، من جهتي لبيت دعوة اتحاد الأدباء وكنت في ساعتين منفصلتين من البث على منصة اتحاد أدباء العراق مثل غيري من الأدباء، اعجبتني فكرة البث الإلكتروني واستطاع الاتحاد الوصول والتواصل من خلالها تحت شعار”اتحادك في بيتك” وهكذا عاودنا نشاطاتنا وتواصلنا”.