كنت صغيرا اجلس الى اوقات متأخرة حتى الساعة التاسعة مساءا لاستمع الى حكايات جدي او جدتي او كلاهما وروايات ابي وامي والمعاناة في زمنهم وايام الحاضر حيث الحديث يكون بالألغاز ان كان الشيء متعلقا بالرئيس او بتشبيه بحاكيات دليلة ودمنة ان كانت على ازلام النظام السابق فنعمة التعبير عن الرأي كانت محرمة وان فهم ما يقال لتشتت العائلة الى اوصال فمنهم من سيقبع في السجون ومنهم تحت التراب هذا ما كان الحال عليه.
مرت السنين وصرت اعرف الالغاز كلها وحتى الغاز الجيران والاصدقاء وحتى الغاز الناس كلها وفي يوم كنت اجلس بعربتي الصغيرة في شارع السوق قرب حائط المدارس ابيع بها الطماطم او كما سموها في السوق العراقية ( الحسناء) وبجانبي عربة بيع الباذنجان وكما سمي ايضا (الوحش) تيمنا بمسلسل الحسناء والوحش في نهاية ثمانينات القرن المنصرم، وكانت هناك ايضا عربة تبيع البصل وكان صاحبها معلم حيث كان الراتب في وقتها الراتب ثلاثة الالاف دينار لا يسد يوم واحد من تلك الايام في الحصار. وكانت البلدية تمنع الباعة المتجولينوقد حضرت البلدية التي تمنعنا من الجلوس في الارصفة لبيع بضاعتنا وقبل الوصول الينا كانت طريقها على المعلم الذي امتعض من الامر جدا واسودت الدنيا في عيناه فقام صارخا ( طاحظ صدام الويل لصدام اللهم العن صدام) والكثير من الكلمات التي جعلت الشارع يفضى حتى من المتبضعين واغلقت المحال بلحظتها وهربت البلدية واتذكر جدا ذلك الموقف حيث كنت ابن الثمانية عشر ربيعا بعدما فرغ الشارع اصابت المعلم هستيريا الضحك وانا جامد في مكاني خائف على عربتي وبضاعتي التي هي رزقي الوحيد وكل رأس مالي لا يهمني ما تكلم به المعلم لكن ذلك المارد الذي خرج من المعلم الطيب الودود بطبعه الخلوق بابتسامته رغم البؤس والذي ساعدني دائما في عربتي الصغيرة حيث لم يعلمني فقط العلم في المدرسة لكنه حتى علمني كيف اتعامل مع الناس بلطف في عربة الطماطم لأساعد اهلي واخوتي في تلك الايام العصيبة.
في الوقت الحاضر ورغم كل التطورات على الساحة العراقية والتي طالما اتعبتني في القراءات للواقع من حيث جمع الاضداد تلقى فيها القاتل والعادل وتلقى فيها بلد نفطي وشعب فقير وتلقى فيها الديمقراطية تسير نحو الحزب الواحد وفيها تلقى الديمقراطية تطبق على الفقير وفيها تجد الفوارق الطبقية. لكن ما يشغلني ان الصحافة والاعلام تتجه وبشكل خطير جدا من سيء الى اسوء حيث لا نجد الصحافة كما تمنيناها وكما هي مطلوبة فنجدها تغطي خبر المسؤول فقط سيحاربني كل الصحفيين والاعلامين لكن اقولها وبصدق انهم اصبحوا بوقا فقط لهم ولا يذكرون الفقير الا للحصول على المادة ولا يغطي الخبر الا لأجل المادة ولا يكتب الا من اجل المادة فقط، لا تقولوا لي هناك اناس وطنين ومهنين فهم لا يعدون بالأصابع ان وجدوا بالإضافة الى الابتزاز المتبادل من الصحافة والسياسي كلاهما. انا لم اكتب على التعليم لان التعليم اصبح ضعيف جدا بالعراق ولم اكتب عن الصحة لأنها لا توجد في العراق لكني كتبت عن الفساد الحاصل في الاعلام والصحافة وذلك لخطورته لأننابدونهما لا شيء لا نستطيع ان نبني العراق بدونهما لا نستطيع ان نوصل افكارنا لمحاربة الفساد.
ان صراع السياسي والمواطن في العراق صراع يدخله فجوة كبيرة والمسبب الرئيسي بها الاعلامي والصحافي بشكل عام وذلك لنقله الى حالات توليد الصراع. ان القانون والتعليم هما الاساس القوي لكل دولة لكنهما محكومتان بمنهاج اما الصحافة والاعلام هما المقومان الرئيسي حيث الواجب الرئيسي هو تغطية الصراع وتوضيحه مع الحل فهما الرابط بين السياسي والحكومة والشعب. ان الروتين القاتل في اروقة الحكومة لا تجعل من المسؤول ان ينتبه لمعاناة الشعب وذلك لكثرة الوصولين هناك والغش بحيث تأليه المسؤول وان العراق بخير داخل الخضراء فقط وكما نراها في بعض القنوات الفضائية وان الشعب بخير لكن العراق مشتعلا بنيران الانفجارات والتصعيد الطائفي ونرى المسؤول يخبئ الحقائق خوفا على ثلة من السياسيين ويتناسى العراق بأكمله الذي اكثر منهم بثلاثين ملون. على الصحافة والاعلام ان تستقل وان كانت تاخذ تمويلها من الدولة فهو حق لها مشروع فلا تنسى ان تمويلها من اموال الشعب وليس من اموال الحكومة.
لا اعرف كيف تترابط هذه الافكار لكن ما اود اقوله وبكل صراحة ان العراق ملك للشعب وليس للأحزاب وان الشعب قد وعى الان فاعتقد كفى صمتا من الصحافة والاعلام ولتستقل بعراقيتها فانا قدمت تارة الاعلام على الصحافة لأنني وجدت بعض القنوات تنطق بالحقيقة لكنها ليس لبناء العراق ولم اجد الصحافة تغطي مسؤوليتها. عذرا لكل أساتذتي والصحافة العراقية والاعلام العراقي. لكن هذا ما بقلب مواطن بسيط.
وفي31-8 و 5-10 وفي 26-10 وجدت معلمي بائع البصل فقال انا معك في مظاهرات الغاء تقاعد البرلمان في الديوانية وجدت الرجل يهتف معي وانا اصرخ بالميكرفون ( كلهم حرامية، باكو بيتنه كلهم حرامية، فقال لي عبارة لأرددها ايضا “نهبونه نهب كلهم حرامية / من هسه وقبل كلهم حرامية”) فتحية لذلك الرجل منذ زمن الحسناء والوحش الى زمن الحرامية الذي علمني ومنذ ذلك اليوم ان احفظ قصيدة وتريات ليلة للشاعر مظفر النواب وان اعرف احمد مطر في لافتاته وان يروني الجواهري في بغداد. فسلام لك منذ اليوم الاول للهذيان والى اليوم الاول الذي سيقط فيه الظلم والطغيان.
يا طير البرق القادم من جنات النخل بأحلامي!
يا حامل وحي الغسق الغامض في الشرق
على ظلمة أيامي
احمل لبلادي
حين ينام الناس سلامي
****
للخط الكوفي يتم صلاة الصبح
بافريز جوامعها
لشوارعها
للصبر
لعلي يتوضأ بالسيف قبيل الفجر
أنبيك عليا!
ما زلنا نتوضأ بالذل ونمسح بالخرقة حد السيف
ما زلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف
ما زالت عورة بن العاص معاصرة
وتقبح وجه التاريخ
ما زال كتاب الله يعلق بالرمح العربية!
ما زال أبو سفيان بلحيته الصفراء,
يؤلب باسم اللات
العصبيات القبلية
ما زالت شورى التجار ترى عثمان خليفتها
وتراك زعيم السوقية!
لو جئت اليوم
لحاربك الداعون إليك
وسموك شيوعية
يقولون شورى
ألا سوءة
أي شورى وقد قسم الأمر بين أقارب عثمان في ليلة
ولم يتركوا للجياع ذبابة
ناشط مدني
[email protected]