حدثني أحد اصدقائي ، يعمل مراسلاً لإحدى الوكالات الإخبارية ، عن تقرير قام بهِ لأخذ انطباعات وأراء الناس ، ومدى ترحيبهم واهتمامهم بموضوع الإنتخابات ، من أجل التغيير وعدم إتاحة الفرصة الثالثة لسراق العراق بأن يختزلوا ثرواتهُ لمآربهم الشخصية.
قال لي صديقي : وانا اسير لأبحث عن من هم مسؤولين عن أحداث هذا التغيير ومن هم بحاجة الى أن يحظوا بأهتمام الحكومة وجدت رجلاً يجلس على صخرةٍ صغيرةٍ امامهُ قطعة قماش مترهلة دُهِشتُ مما كان يبيعهُ كتب ادبية ودواوين شعر وكتيبات قصص وروايات جال في تفكيري عدة تساؤلات، هل يدرك هذا الرجل حجم الكنوز التي يبيعها؟ هل يعرف عنها شيئاً؟ هل قرأ شيئاً منها؟ وهل يعرف القراءة والكتابة؟ ام يمتهن بيعها ليسد رمقهُ فقط؟!
وما أن كنت حائراً بتساؤلاتي حتى سمعت صوتاً قريباً، أيها الشاب أن كان لك سؤالاً، تقدم لأجيبك عنهُ، فجلستُ بجانبهِ وسالتهُ: أجد عندك كتاب عن الادب اللا ثوري؟ فَبُهِرتُ بـإجابتهِ ما الذي تريد معرفتهُ عن الادب اللا ثوري، حكمة ميشكن في رواية الابله، أزمة راسكولنيكوف في الجريمة والعقاب، طهارة أليوشا وطيش ديمتري في الاخوة كرامازوف؟
وأكمل حديثهُ انهُ قرأ كل هذهِ الكتب وعلى دراية تامة بكل ما تحتويهِ من مواضيع ومعلومات ذات قيمة ثقافية عالية، فكذا يجب ان يكون الاديب.
وبعد ما اجابني عن كل التساؤلات التي جالت في تفكيري، دون أن يسمعها مني، سألتهُ عن رأيه بالانتخابات، وهل سيشارك ويدلي بصوتهِ أم لا؟ احسست بالحزن الذي يتملكهُ حين قال: لقد خُدعنا مرتين ولن نكرر نفس الامر فَلِمَ أُتعبُ نفسي والانتخابات تحسم قبل التصويت وما بعدها لا يعد سوى غطاءً لحل النزاعات ومحاصصة المناصب والحقائب الوزارية! فقلت له: الا يجب أن نغيرهم؟ الا يجب ان نجد من يخدمنا لا يستغلنا؟ ولنبعد هذهِ الافكار السلبية في عدم قدرتنا على التغيير! فأسكتني بأجابتهِ: عشرُ سنوات ولم أجد من يساعدني على اعطائي طرفاً صناعياً، يمكنني من الوقوف لإعالة نفسي وعائلتي!
اصابني الاحباط بعد ما سمعتهُ من كلام الرجل الاديب ومضيت لأرى رأياً أخر فدخلت إحدى مراكز تحديث سجل الناخبين وطلبت رؤية المسؤول في ذلك المركز فأخبروني بأنهُ لم يحظر بعد وكان الوقت قد تجاوز الحادية عشر صباحآ! وبعد مضي ما يقارب الساعة، وصل المسؤول، دخلت لألتقي بهِ وسألتهُ حول سلبية رأي المواطنين وامتناعهم عن المشاركة بالانتخابات؟ فقال: إن المواطن عندما يفشل بأداء عمله، يفتعل الضجة ويثيرها ليغطي ذلك الفشل، وعندما ينجح فأنهُ يهمش زملاءهُ ولكنهُ يغضب عندما يجد رجالات الحكومة يشاطرونهُ الفعل نفسه، وامتناع بعض المواطنين عن المشاركة بالتصويت ليس جديداً على مجتمعٍ يقضي ايامهُ بتكرار الكلام بلا فائدة واثارة الفتن عبر انتقاد المسؤولين لظهورهم التلفزيوني في وسائل الاعلام والفضائيات والتكلم عن منجزاتهم التي لا يعلم المواطن معاناة الدوائر المختصة للوصول الى هكذا إنجازات تعود بفائدة كبيرة على المجتمع.
أثناء استمرار المسؤول بحديثهِ رأيت مدى تهميش دور المواطنين وإعتبارهم شريحة ينبغي تواجدها لتصبح شماعةً يعلق عليها المسؤول فشلهُ.
خرجت من الدائرة اجر اذيال خيبة الامل مما سمعتهُ، ويئستُ من وجود رأي ايجابي يدعو للتفاؤل، ويحث على المشاركة بالانتخابات، فقررت انهاء التقرير، والعودة للمنزل.
وبعد صحوتي من قيلولة الظهيرة، قمت بفتح حسابي الشخصي على موقع التواصل الإجتماعي (FacebooK) لأرى ما وصلني من إشعارات، فحدثني احد اصدقائي، عراقي يسكن في دولة الامارات، وساقنا الحديث، الى أن تطرقنا الى موضوع الانتخابات فوجدت ان لهُ رأيٌ جديد يختلف عن اراء الاخرين، حيث انهُ يرى ألمواطنون والمرشحون هم من يتحمل مسؤولية نجاح او فشل الحكومة فكل مرشح لديهِ برنامج انتخابي، وعلى المواطنين معرفة اي البرامج تعود بفائدة على المجتمع، وانتخاب المرشح على اساس برنامجهُ الانتخابي، وليس لحسابات مذهبية وقبلية وتبعية, وخير مصداق على ذلك انتخابات حكومة طهران فترة الدعاية الانتخابية لديهم شهر واحد فقط وقبل موعد الانتخابات بعشرة ايام يخصص للمرشحين وقت للظهور التلفزيوني وشرح برامجهم الانتخابية دون التطرق الى الكيانات او الكتل السياسية التابعين لها، ويتم انتخاب المرشح لبرنامجهِ الانتخابية الذي يحتاجهُ البلد، والحكومة التي تخلف سلفها لا تشرع من نقطة الصفر ولا تتوقف عند سلبيات الحكومة السابقة، مستغلةُ قصورها في التشهير والتسقيط السياسي، كما هو الحال في العراق،وانما تعمل على حل المشاكل المترسبة واعداد خطط تنموية جديدة للإرتقاء بمستوى البلد.
استنساخ التجارب الناجحة ليس بالأمر المعيب .. لكن من المخجل ان نتراجع الى الوراء في الوقت الذي تتقدم به بلاد الفقراء!