يعتبر بناء الدولة وارساء اسس النظام، من اولويات مهام ومسؤوليات القائد الاعلى او القائد الاول في اي بلد، سواء كان هذا القائد رئيسا للوزراء او للجمهورية، وفي غاية الاهمية ان يبدا اولا ببناء مؤسسته الحكومية ومركز قرارها وتنظيمها بانضباط عال كونها تمثل العصب الاساس الذي ينفذ توجهات الدولة، لمواجهة التحديات وحل وتفكيك الازمات والتعامل معها بشجاعة و بحنكة ومهنية سياسية، خاصة في ظل الظروف و الازمات المعقدة التي قد تمر في البلد، وبخاصة ان المواطن اليوم يبحث عن قائد ودولة تؤمن له سبل العيش الامن بعز وكرامة تدفعه للاعتزاز بمواطنته بدون شعارات وعنواين تفرق ولا تجمع.
ومانريد قوله هنا، هو ان يتحمل رئيس الوزراء مسؤولية بناء شرايين الدولة وجهازها التنفيذي الناجح بالنهج والتخطيط العلمي المهني المدروس ليتخلص بعض الشيئ من الترهل الكبير الحاصل في ادارة البلد ومؤسساته المركزية و المهمة بما فيها الوزارات السيادية مثل الخارجية والمالية والامن والدفاع ، وبخاصة في بلد مثل العراق الذي تمتلك كل المقومات والمؤهلات التي تساعد قادته المخلصين الوطنين على اعادة بناءه من جديد و بارادة حقيقية قوية ليستعيد هيبته ومكانته اقليميا ودوليا، وهذا ليس بالصعب عندما تحضر ارادة الاصلاح والتغير بقوه ووعي وطني عالي و خاصة بعد ان ترهلت وضعفت بعض المؤسسات بسبب غياب التنظيم المسؤول عن بناء كل شيئ في مقدمتها بناء الدولة .
نحن اليوم امام تحديات وصراعات وحروب من كل الانواع، وفي مقدمتها الامنية والاقتصادية، وبالذات بعد ان دخلت ضمن عباءة الدولة ومؤسساتها ومرتكزاتها المهمة والحساسة عناصر غير كفؤة وفاسدة ، ولابد من اعادة الانضباط العالي للمؤسسات التي تحرك الدولة، والمقصود هنا بدقة لابد من ادارة ومعالجة الهبوط والتراجع الحاصل في نشاط الدولة بذكاء ومهنية لان معالجة ذلك اصعب من البناء و ادارة الصعود، كون مشكلة تراجع بناء الدولة وسقوط هيبتها يرجع بالاساس الى عدم بناء الاطر المؤسساتية الصالحة والملائمة التي تساعد على انتشال الدولة من واقعها المتآكل الذي جعلها في تراجع وانحسار مستمر.
هنالك عرف سياسي في كل دول العالم، يطلق عليه (المطبخ السياسي) وهو حلقة محورية ومهمة ومركزية مصغرة جدا لأدارة الوضع الاقتصادي والامني والخارجي والداخلي والاجتماعي في اي بلد، وهذا المطبخ بطبيعته لابد ان يكون اختصاصي وحي وفاعل لأتخاذ اي قرار وليناقش كل يوم ما حدث بالامس ومردوداته وانعكاساته وماسيحدث في الغد نتيجة ذلك ، ويقوم اعضاء المطبخ هذا بابلاغ رئيس مجلس الوزراء كل يوم بالمتغيرات وفي جميع المهام ومن خلال تقارير تعد من قبل كل مسؤول عن هذه الاجهزة ليطلع عليها رئيس مجلس الوزراء و لياتي التوجيه على اثر ذلك للوزراء لتصحيح او تعديل او خلق وبلورة اي قرار ورأي تجاه هذه القضية او تلك، وكذلك للوقوف على مستوى التنفيذ ونسبة الالتزام بتلك القرارات، لتكون هناك مساءلة حقيقية وموثقة على اثر ذلك.
الاجتماعات السياسية التنفيذية والتخطيطية ذات قيمة عالية،وتعد صمام امان واسهام فاعل وكبير في النهوض بجميع المستويات، و في مقدمتها الاستجابة للمطالب والرغبات الواقعية والحقيقة للناس، لا الزائفة التي يتبجح بها الذيول و المنتفعين والمستغلين والمتصيدين بالماء العكر وراكبي الامواج، وهذا يعتمد على مهنية وثقافة وتجربة المسؤول الناجح والكفوء وصاحب الخبرة والاختصاص ومنع تجريفه من قبل العناصر الفسادة من اجل الحفاظ على احكام صمام امان بناء الدولة وسلامتها والحفاظ على هيبتها، وهذا يجرنا للحديث عن ضرورة الاهتمام في اختيار المسؤوليين بدقة من اجل النجاح في بناء الدولة والحفاظ على هيبتها، لان المنتفعين والمستفيدين كثر في سلطاتها وفي اعلى مناصبها، وهم اساس الدمار والخراب، والكل في العراق اليوم يدرك ويعرف ان مشاكلانا وكوارثنا ومعاناتنا واحتياجاتنا كبيرة وكثيرة، وسوف يبتلعنا الوقت اذا لم ننهض ونتحزم لانقاذ الوطن والناس، لان الزمن لا ينتظر، والمشاكل ايضا لا تنتظر وهذا يحتم على القائد في اي موقع اختيار اناس من خارج كابينة الحكم والمسؤولين التقليديين وهذا الاجراء هو من مسؤولية قائد الدولة ولابد هنا ان يتصف بالشجاعة والاقدام والجرأة لتغيير اي ضعيف في كابينته التنفيذية، دون الاذعان لأي مجاملة وذلك لمواجهة التحديات وحل المشاكل للنهوض بالبلد ،و لنتحدث بشجاعة اكثر ونقول ان بناء الوطن والدولة واحداث التغيير والاصلاح ومحاربة الفساد ومحاصرته والقيام بعملية تنظيم الحكم وتصحيح مسارات العملية السياسية، بحاجة الى مغامرة وطنية عقلانية حكيمة وشجاعة، لأختيار الافضل والانسب لكل منصب، ولا بأس باعتماد الشباب المتميز الواعي والناضج والمواكب لكل تطور في كل هذه العمليات والفعاليات الوطنية خاصة في الحكم والسياسية، والابقاء على من شاخ وهرم من الذين يتحلون بالنزاهة والسجل الابيض ونجحوا في ممارسة اعمالهم،والابقاء عليهم كمستشارين فقط بعيدا عن الحكم.
المواطن اليوم يريد ان يرى مشروعا حقيقيا لبناء الدولة، والكل يتسائل.. هل يستطيع من يمتلك دفة الحكم القدرة الفاعلة لهكذا انجازات؟؟ وخاصة ان العراق مقبل على انتخابات ولابد من حمايتها وسط تحديات ومعضلات سياسية واقتصادية وامنية وامام طبقة سياسية حاكمة باحزابها وحواشيها تفرض سيطرتها على الساحة والقرار السياسي، وهناك ثمة تساؤل آخر، من يمنع كل هذه الاوضاع وظروفها وفاعليتها من التلاعب والتدخل في نتائج هذه الانتخابات؟؟ للحيلولة دون العودة الى مايصفه المثل الشعبي ( نفس الطاس ونفس الحمام ) ؟؟.
الناس تنظر الى الواقع والنتائج وهم يشعرون ان الحكام ينظرون اليهم كأرقام انتخابيه فقط، اذا لابد ان يستحضر قائد الموقع الاول في الدولة ارادته وعزيمته في بناء الوطن والدولة ليكتمل ببناء المجتمع لمنع مصادرة الدولة من اي كائن، اذ لا تغير ولا امل في بناء الدولة اذا بقي الواقع على ذات الحال، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لا يمتلك العصا السحرية للتغير الجذري في ليلة وضحاها بسبب الميراث الثقيل بتراكمات من الفشل والفساد وسوء الادارات، ومن هنا نعود الى ما بدءنا من حديث عن ما يحتاجه القائد من شجاعة واقدام وارادة واعية وتصميم وقوة وبدون خوف او تراجع او مهادنة لفرض بناء الدولة وتحقيق الرغبات والاحتياجات الحقيقية للمواطن التي تعتبرمنجز كبير يهدف الى ردم الفجوات والخنادق الفاصلة بين الدولة والمجتمع بعد ان يأس المواطن وبأشمئزاز من المنجزات (الورقية) التي يستعرض فيها المسؤول عضلاته ويستمع الناس لجعجعة بلا طحين!!!.