خاص: حاورته- سماح عادل
“محمد نجيب محمد علي” شاعر وكاتب سوداني، من مواليد “أرقو” السودان، عام 1953، حصل على درجة الليسانس من قسم الدراسات الفلسفية بجامعة القاهرة. وتُرجمت بعض أعماله إلى اللغة الإنجليزية، تغنى بقصائده مغنون سودانيون في أعمال مسجلة بالإذاعة والتلفزيون، عمل صحفيّاً, ومشرفاً على صفحات أدبية, ورئيساً لقسم التحقيقات في صحف: (الأضواء, والجريدة, والأيام, ومجلة الإذاعة والتلفزيون), كما عمل مدرساً للفلسفة بمدارس اليمن, ثم مديراً لمصنع أحذية الخيرات بأم درمان. وشارك في مهرجان المربد ببغداد 1987. ويعمل الآن مديرا لمكتب صحيفة الوطن القطرية ومراسل ثقافي للجزيرة نت.
من أعماله:
ـ تعاويذ على شرفات الليل، ديوان شعر، 1971.
ـ ضد الإحباط، 1974.
إلى الحوار:
** عملت في أعمال قاسية ومجهدة. أحك لنا؟
– هي الحياة يا سيدتي، تدور بك وتدور بها لتكتمل سالبا وموجبا. وليس لك خيار خارجها طالما أنك تعيش بداخلها. كان أول ما أصابني منها قصة حب صامتة حين تحدثت عنها أقسم والدي أنها لن تكون. كنت حينها مسكينا ومراهقا صغيرا ما يزال طالبا بالمدرسة ليس لي مصروف سوى ما تجود به يد أبي علي. أدركت حينها أن ثمن وجبة الفطور المدرسي لن يدرأ عني صرخات قلبي ويوقفها، ففكرت وقدرت مثلما يفعل الصغار حين تعجز صرخاتهم عن تحقيق رغباتهم، فصرت أخرج كل يوم بعد نهاية الدوام المدرسي إلى السوق لأعمل حمالا حتى امتلأ جيب قميصي بدريهمات كنت أسمع رنينها فأضحك منتشيا ومبسوطا بكل أجر أناله مما حملته على رأسي. هل تصدقي أنني جمعت مهر أول عروس لي من عملي ذلك.
كان ذلك بداية تمردي على واقع جعلني حمالا في سوق الله أكبر رغم أنني ابن أب يمتلك من الكنوز الكثير، فقط لأنه جعل حبيبتي الأولى تتزوج بغيري، ثم من بعدها ركبت على زوارق عدة مرة أسبح فوق موجة عالية ومرة أخرى أسبح على موج الرمل، وبين كل ذلك كنت أحاول أن أحمي النوازع التي تحاصرني برضاء تام.
وكانت قراءة الفلسفة قد أخذت كل تفكيري، وما عاد يهمني أي وظيفة أعمل فيها طالما أنها تكفي حاجتي، مرة كنت سائق عربة أجرة ومرة أخرى سائق توكتوك وثالثة أستاذا لمادة الفلسفة بمدارس اليمن، ثم صحفيا في مواقع عديدة. والآن وقد شعت شمس أول خريف العمر وأرسلت أشعتها البيضاء لتبني بيوتها في أصابع خصلات الشعر الأسود التي حملت ما حملت من أثقال، تطمئن روحي بما جنيت وسعيت أملا فى غد لا يسرق أمسي إنما يحتفل به. أنا في كمال الرضا وما تزال في الروح رغبات تمشي بأقدامها كيفما تشتهي.
** وما سبب تنقلك بين البلدان وبين المهن المختلفة؟
– السفر عشقي الذي لا ينتهي، ولا يدفعني للسفر سوى السفر دائما يجعلني مشتاقا له، هو اكتشاف العوالم التي لا تحصي، أينما رسمت خطواتي أثرها وجدت شارعا، ونحن في سفر لا ينتهي. دائما يأخذنا الشوق للهناك، للذي لم نره، هنالك سحر خفي في الأمكنة والأزمنة، العالم عبارة عن قصيدة مهما فعلت لن تبلغ بيتها الأول ولا الأخير رغم أنك ستبلغه. كلنا لا ندري أننا نعيش في كوكب معلق في الفضاء، يسبح بين أمواج عاتية، والشعر هو الأعمدة التي نمسك بها لنرى أين نحن. وما تعدد المهن التي عملت بها وأعمل إلا هي محاولات لأعبر دون أن يلحقني سن المعاش ودون أن أحال للصالح العام.
أنا لست أؤمن بذلك، ولذلك لم أعمل بوظيفة بالحكومة لأن ذلك مضيعة للحياة، ولم أنتم لحزب حتى لا أتحول لرقم في السجلات الحزبية، أنا شاعر يا سيدتي والشعر هو تمام الحرية وتمام الإنسانية وتمام الحياة.
** كتبت ما بين شعر التفعيلة وقصيدة النثر شعرا عذبا بشهادة النقاد.. ماذا يعني الشعر بالنسبة لك؟
– شكرا للعذوبة التي جاءت منك، الشعر في ظني هو رزق من الله يولد به الشعراء ويعيشون به، هو الصفعة الرحيمة على جسد الروح، لا فكاك منه لا فكاك وهو الخلاص. ليس هو الكلام الموزون المقفى وليس هو الكلام غير الموزون المقفى، هو ذلك الشيء الذي لا يستطيع شاعر أن يجد له تعريفا لو كان شاعرا، ربما يضع له النقاد أكثر من تعريف، نقرأ ذلك، لكننا لا نعترف بالنقاد ورغم ذلك نعترف. الشعر هو الحياة يا سيدتي هل من أحد يستطيع تعريف الحياة، أنا لا أعرف.
** كان لك تأثير كبير في تطور الأغنية السودانية، حدثنا عن كتابتك للأغاني وكيف عرفت ووصلت إلى الجمهور؟
– ربما كان بعض هم جيلنا في السبعينات من القرن الماضي أن نرسم بصماتنا الإبداعية الجديدة كما نراها في كل ضروب الإبداع ومنها الغناء، كان هدفنا أن نتجاوز ما وجدناه من إرث ضخم لنضيف له، لذا جاءت المحاولات للتجديد والتي كانت تحتاج لشجاعة هائلة في غناء يحمل سماتنا وأحلامنا، وفى الرسم بالطريقة التي نراها ونحسها وبالألوان التي نختارها. كان الغناء حينها معتقلا في إطار الكتابة التقليد والصناعة، لذا كان علينا أن نصنع إطارا جديدا يواكب مشاعرنا المجنونة وقصصنا المتمردة. لقد صنعنا حبيبات مجنونات حتى نحبهم بجنون، فعلنا ذلك، كتبت حينها العديد من الأعمال الغنائية بالشكل والرؤية التي أراها، بعضها رفض من قبل لجان النصوص بالإذاعة ولكن شجاعة المغني الذي قام بأدائها منحتها محبة الجمهور، وأجبرت الإذاعة علي تسجيلها.
أذكر من هؤلاء المبدعين الأستاذ “الجيلاني الواثق” وهو خريج المعهد العالي للموسيقي بالقاهرة، كان له فضل أن تجد أغلب أغنياتي من يطربون لها في القاهرة وفي السودان، وهناك أيضا الأستاذ “أحمد شاويش ومجذوب أونسة وسيف الجامعة والدكتور ياسر مبيوع” وغيرهم كثيرون. الكتابة بالعامية دائما تقربنا للجمهور كثيرا هي حبل الوصل الذي يعرفك به الآخرون ليقرؤون شعرك الفصيح بعدها.
** عملت في مجال الصحافة وقدمت ملاحق ثقافية في السودان وباقي بلدان الشرق. حدثنا عن تاريخك في الصحافة؟
– من خلال تجاربي أرى أن الصحافة كانت هي الوظيفة الأنسب بالنسبة لي لأنها تربطك بالعالم وبالإنسان وكل ما يحدث، وهي جزء مكمل لمهنة الكتابة والإبداع بصفة عامة. أول علاقة لي بالصحافة كانت عملي في مجلة الإذاعة والتلفزيون في ثمانينات القرن الماضي مشرفا على القسم الثقافي، وكانت تلك أخصب فترات العمر التي تعلمت فيها أصول العمل الصحفي من أستاذي “عبد الله جلاب”، ومنها انتقلت للعمل بمجلة الشباب والرياضة ثم صحيفة الأضواء، ومديرا لتحرير اليوم التالي ثم صحيفة الشاهر وألوان وصحف ومجلات أخرى.
وعملت أيضا مراسلا ثقافيا لموقع الجزيرة نت، ومديرا لمكتب الوطن القطرية، ومحررا ثقافيا بموقع سوداناو، والآن أعمل رئيس تحرير لموقع كليك توبرس. أراني تنقلت في العديد من المواقع الصحفية بين العديد من الصحف والمجلات. وقد صدر لي كتابان بعنوان (حوارات في تدابير الراهن الثقافي من الخرطوم والقاهرة) وهما مجموعة من الحوارات التي أجريتها مع كتاب كبار من الوطن العربي، حول الراهن الثقافي، سبق أن نشرت بالعديد من المواقع، وهناك أجزاء أخري ستصدر لاحقا.
** في رأيك هل تعاني الصحافة الثقافية في السودان وباقي بلدان الشرق من مشكلات وما هي؟
– دون شك هناك مشكلات، يبدو لي أن أول المعضلات في الصحف بصفة عامة أنها لا تولي المحرر الثقافي مكانته التي يستحق، وتنظر له باعتباره فائض عن حاجتها، فنرى دائما أن أجورهم هي الأقل، ثم نرى أيضا أن الصحف خاصة الصحف غير المتخصصة بالثقافة، أعني الصحف اليومية ترى أن الثقافة متغولة عليها، علما بأن الساسة أساسا لا يحبون الثقافة لأنها تكشف ما خفي وتصنع الثورات إلخ. ووالله بدون ثقافة لا توجد تنمية ولا تطور ولا بناء ولا سياسة ولا اجتماع ولا اقتصاد.
نحن نحتاج حقا إلى صحف ومجلات متخصصة تمنح الثقافة حقها لتتحول إلى خبز ثقافي يومي يتناوله الناس بحب، نحن نحتاج إلى استراتيجيات ثقافية وخطط بناء ثقافية بكل عالمنا العربي لنبني الغد المأمول. بدون الثقافة لن يتحقق الأمن ولا الوعي ولا ولا ولا، نحتاج إلى ثورة ثقافية شاملة وإلى مطبوعات شعبية ثقافية تصل للجميع.
** ترجمت قصائدك إلى اللغة الإنجليزية. كيف تخدم الترجمة إلى لغات أخرى الكاتب في رأيك؟
– نحن نكتب باللغة العربية، واللغة العربية لها جمالها الذي لا يحد، ولغة الإبداع التي يكتب بها الكاتب الشاعر أو غيره هي التي تشكل المائدة الكاملة الدسم. والترجمة هي واحدة من أدوات التواصل مع القارئ الآخر التي يحتاجها الكاتب لوصول صوته، رغم أن الترجمة لا تشي بكل شيء في النص وجماله لكنها السبيل المتاح لأن الذي يقرأك ليس عربيا. ولا ضير في ذلك ربما تغري الترجمة القارئ الآخر لأن يتعلم اللغة العربية.
أعتقد أن الترجمة مجهود جيد وأداة للتواصل الإنساني مع النصوص، وجائزة نوبل مثلا لم تقرأ نجيب محفوظ باللغة العربية إنما قرأته بلغتها ولو لم تفعل ذلك لما منحته جائزة نوبل، وأيضا الطيب صالح قرأ باللغات الأخرى لذا صنفت روايته “موسم الهجرة إلى الشمال” من أجمل مائة كتاب وهكذا. الترجمة تلعب دورا لا غني عنه في التعريف بإبداع عالمنا العربي رغم ما ذكرت.
** هل سعيت لعمل لغة شعرية خاصة بك وكيف كان ذلك؟
– دون شك سعيت في ذلك وغصت عميقا في مدارات التجريب لاكتشاف عالمي الخاص، وحاولت المزاوجة بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر في فضاء مفتوح يجمع كل الأجناس الأدبية. هل نجحت في ذلك أم لم؟. لا أدري ذلك ما يقوله النقاد ولكنني دائما أؤمن بأن التجريب والتجاوز هما مفتاحا الكتابة الآتية للحداثة وما بعدها.
** في رأيك هل تغير حال الثقافة في السودان بعد ثورة شعبية كبيرة، وكيف ذلك؟
– كل الثورات التي تحدث في العالم تأتي نتيجة إبداع وثقافة، الثورات من أعمدة المعرفة والثقافة. ولولا الثقافة لظل القتلة واللصوص يحكمون العالم دون وازع أو ضمير. تأملي واقع العالم يقول الكثير، ودون شك أيضا نجاح الثورة يعد إنجازا ثقافيا، والحرية التي تتحقق من خلال الثورة هي من أبواب الإبداع، كلما اتسعت مساحة الحرية سقط المسدس وأضاءت الكلمة والبناء والحضارة. في السودان الآن يتشكل واقع ثقافي وإنساني جديد، ولادة أخرى للوطن لا تشي بصرخات ولا بيوت أشباح ولا حبال للإعدام، واقع ينادي بالحوار والسلام ويعلو بالكلمة والعدل. هي خطوات أولى بدأت والكل يأمل أن تكتمل رغم كل المهددات التي تلوح بين الفينة والأخري، نحن يا سيدتي نحتاج لإستراتيجية ثقافية تبني لنا طموحنا وأحلامنا والثقافة هي السبيل لتحقيق كل ذلك.
** في رأيك ما أسباب المناطقية التي يعاني منها الأدب في بلدان الشرق، بمعني صعوبة أن ينتقل الأدب من موطنه إلى البلدان المجاورة وهل يعاني الأدب السوداني من تلك المشكلة؟
– الأدب هو لغة الوجدان الإنساني، هو الفضاء المفتوح الذي يحتوي كل النجوم والكواكب والمجرات، وعالم الإبداع عالم لا تحده حدود ولا خريطة يؤثر ويتأثر. وفى ظني أن كل تسمية تدعو لأدلجة الإبداع أو حجره داخل منطقة جغرافية محددة تقتله، الإبداع هو سمة الحياة لا الموت، نحن نقرأ للأدباء الذين نشئوا في الغرب كما نقرأ للأدباء الذين نشئوا في الشرق أو الجنوب أو الشمال، الإبداع يتجاوز المكان حتى ولو استفاد منه.
أعتقد أن النقاد لعبوا دورا كبيرا في رسم هذه الخريطة المبتورة وهم يروجون لها، في السودان يا سيدتي يعد الآن الطيب صالح مثلا صاحب رواية هي من أجمل روايات العالم حسب التصنيف السابق، وهنا تجاوز نجيب محفوظ مصر ليصبح أديبا عالميا بنيله لجائزة نوبل، العالم ليس سوى قرية صغيرة كما يقول “توم بين”.
** أبدعت في الغزل.. كيف هي المرأة في شعرك؟
– المرأة هي روح كل ما أكتب، هي صرخات القلب ولافتات الشارع، من غيرها لن يكون هناك شعر ولا إبداع. تخيلي يا سيدتي العالم من دون امرأة كيف سيكون، المرأة روح الحياة، ومجد الروح، أنا من دونها لاشيء.
** ما هي أحوال النشر والنقد الأدبي في السودان؟
– يوما ما كانوا يقولون أن بيروت تكتب والقاهرة تطبع والخرطوم تقرأ، الآن الخرطوم تكتب وتقرأ وتطبع، اتسعت دائرة النشر كثيرا ودائرة الكتابة والقراءة أيضا. أما النقد فلم يمتلك زمام أمره بعد، الكتابة تقدمت عليه كثيرا، ونحن في سبعينات القرن الماضي كنا نقول أننا جيل بلا نقاد، وذلك ما دفع المبدعون أن يكتبوا عن أعمال بعضهم. يا سيدتي نحن عرفنا “الطيب صالح” حين كتب عنه نقاد بيروت ورجاء النقاش. حتى أن روايته “موسم الهجرة إلى الشمال” كانت ممنوعة في السودان بأمر الساسة وغياب النقاد. كل الشكر لك وكل المحبة.
قصيدتين ل”محمد نجيب محمد علي”..
أناشيد الأسئلة
أَبْحَثُ عَنْ مَعْنَى الْمَعْنَى
عَنْ شَيْءٍ يَتَأَطَّرُ فِي صَدَفِ اللُّغَةِ وَصَوْتِ الْكَلِمَات
عَنْ زَوْبَعَةٍ صَافِيَةٍ كَالْمَاء
اَللَّيْلَةَ لَمْ تَغْمَضْ عَيْنَايْ
كُنْتُ غَرِيبًا عَنْهَا وَقَرِيبًا مِنِّي
كُنْتُ أَرَى شَكْلَ ضَبَابِ الصَّمْت
أَفْتَعِلُ مُشَاجَرَةً ضِدِّي
كَيْ أَشْكُو لِي.
اَللَّوْنُ الْأَسْوَدُ يُغْرِينِي بِالنُّزْهَةِ فِي مُدُنِ الْأَحْلَام
اَللَّوْنُ الْأَبْيَضُ لَا يَقْرَبُنِي
لَسْتُ أَنَا إِلَّا طِفْلاً فِي السِّتِّين
طِفْلاً يَعْشَقُ خَرْبَشَةَ الْقِطَط
وَيَرْقُصُ بَيْنَ فَرَاشَاتِ الْعَتَمَة
يَتَلَصَّصُ فِي أَجْرَاسِ الْأَوْهَام
هَلْ كُنْتُ أَنَا مَلِكاً يَوْماً..
هَلْ كُنْتُ أَنَا شَعْباً يَنْتَفِضُ عَلَيّ
مَاذَا يَا هَذَا يَزْحَفُ فِي قَلْبِي وَيُزَاحِمُنِي
فِي غُرْبَةِ رُوحِي
يَجْعَلُنِي وَحْدِي أَهْرُبُ مِنِّي
أَقْفِزُ مِنْ نَافِذَةِ الْأَيَّامِ الْمُغْلَقَةِ الْأَسْوَار
هَلْ مِنْ أَحَدٍ يَنْظُرُنِي غَيْرِي
لَا شَيْءَ يَرَانِي!
لَا شَيْءَ سِوَايْ.
ظِلِّي يَخْتَبِئُ بِأَضْلَاعِي
يَتَسَكَّعُ فِي أَوْرِدَتِي وَيُصَافِحُنِي
يَبْحَثُ عَنْ زَاوِيَةٍ خَالِيَةٍ فِي قَلْبِي لِيَنَام
يَا ظِلِّي
كُنْ أُنْثَى.. وَاحْمِلْ عَنِّي وِزْرَكَ إِنِّي مفتون،
وَاخْرُجْ وَابْحَثْ عَنْ مَنْ يَحْتَاجُ لِظِلٍّ
فَأَنَا ابْنُ سَوَادِ اللَّيْلِ الْأَسْوَد!
إِمْرَأَتِي لَا تَعْرِفُنِي..
وَأَنَا أَيْضاً..
إِمْرَأَتِي لَمْ تُخْلَقْ مِنْ ضِلْعِي الْأَيْسَر
خُلِقَتْ مِنْ فَوْضَى الْفَوْضَى
مِنْ آخِرِ نَبْضٍ فِي ذَاكِرَتِي
لَا أَدْرِي حَقّاً مَاذَا أَفْعَل!
لَا أَعْرِفُ شَيْئاً.. لَا.
لَكِنِّي أَهْرُبُ مِنِّي..
أُفْلِتُ مِنْ كَفِّي وَأَفِرُّ بَعِيداً
أَتَلَصَّصُ فِي غَابَاتِ اللَّيْل
بَحْثاً عَنِّي!!
______________
وردة
وَوَقَفْتُ أَنْظُرُهَا وَقَلْبِي يَهْمِسُ
مَا أَجْمَلَ الْوَرْدَز الَّذِي يَتَنَفَّسُ
عِطْرٌ كَعِطْرِكِ مَا لَمَسْتُ مَثِيلَهُ
كَلَّا، وَأَنَّى لِي وَكَيْفَ سَأَلْمَسُ
هَذَا حَرِيرٌ مِنْ حَرِيرٍ مِنْ رُؤَى
وَهْجٌ خَيَالٌ لَا يُرَى أَوْ يُلْمَسُ
بَحْرُ الْمَحَاسِنِ تُهْتُ فِي أَرْجَائِهِ
بَيْنَ الرُّعُودِ وَفِي الْمَدَى أَتَحَسَّسُ
مَنْ أَنْتِ قُولِي يَا فَتَاةُ وَانْظُرِي
أَنِّي أَطِيرُ وَلَيْتَ أَنِّي أَجْلِسُ
النَّهْدُ زَقْزَقَةُ النَّسِيمِ تُثِيرُهُ
فَيَثُورُ مُشْتَعِلاً فَكَيْفَ سَيُحْبَسُ
كَمْ قَدْ تَدَافَعَ فِي جُنُوحٍ كَافِرٍ
لَا يَنْثَنِي بَلْ يَسْتَزِيدُ وَيَرْفُسُ
وَالْخَصْرُ مِنْهَا دَوْزَنَاتُ قَصِيدَةٍ
كَالْمَاءِ فِي كَفِّ النَّدَى يَتَهَسْهَسُ
شَلَّالُ إِبْدَاعٍ وَنَبْضُ حَدِيقَةٍ
تَزْهُو بِهَا كُلُّ الثّمَارِ وَتَأْنَسُ