“سيف القدس”.. ذلك العنوان الزاخر بالمعاني والدلالات العميقة، الذي اطلق على المواجهة الشاملة لابناء الشعب الفلسطيني مع الكيان الصهيوني الغاصب، كشف عن حقائق كثيرة وكبيرة، واماط اللثام عن خفايا ربما بقيت بعيدة عن دوائر الرصد والتشخيص لفترات طويلة، وسلط الضوء على اوهام لااساس لها ولا وجود الا في مخيلات المخادعين والمخدوعين.
اسرائيل الكيان الذي لايقهر ولايهزم، كما كان البعض يدعي ويروج ويتوهم، باتت بعد اقل من اسبوعين من المواجهة تترنح تحت وقع صواريخ المقاومة، وتحت وطأة ضغوطات وازمات اقتصادية حادة، وتصدعات اجتماعية خطيرة، وصرخات شعبية ونخبوية تدعو الى وضع حد لحماقات وتخبط الساسة الماسكين بزمام الامور. واكثر من ذلك، بينما تعمل الولايات المتحدة واطراف التطبيع المذل جاهدة لحفظ ماء وجه الكيان الغاصب، راح الاف الناس يخرجون في شوارع واشنطن ونيويورك ولندن وباريس والعديد من العواصم والمدن الغربية والعربية والاقليمية تنديدا بجرائم الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.
ترسانة الاسلحة الضخمة التي يمتلكها الكيان الصهيوني، والدعم الاسناد الدولي الكبير الذي يحظى به، وانهزامية بعض الانظمة العربية وخضوعها له، والاعلام الواسع المروج لسياساته والصامت عن جرائمه، كل ذلك لم يكف لا ليحقق الانتصار، وانما لم يكف حتى ليتجنب الهزيمة والانكسار.
ويبدو ان وزير الدفاع الاسرائيلي السابق افيغدور ليبرمان كان واضحا وصريحا وواقعيا، حينما تساءل بقلق وتذمر واستياء، قائلا (إذا كان الوضع هكذا أمام حماس فكيف سيكون وضع إسرائيل الحقيقي مقابل حزب الله وإيران؟).
وقبل ليبرمان، تحدث ساسة وعسكريين وكتاب ومفكرين في الكيان الغاصب عن مخاطر ما يجري.. كل هذا والمطبعين العرب واصلوا الليل بالنهار لانقاذ نتنياهو وكيانه الاجرامي من المصير الاسود الذي ينتظره.
وهذه المرة، رغم ان الحراك السياسي والدبلوماسي الواسع، افضى الى عقد هدنة محكومة بأشتراطات المقاومة، الا ان ذلك لايعني ان كل شيء قد انتهى، وان مرحلة مابعد انتهاك حرمة المسجد الاقصى من قبل الجيش الصهيوني في التاسع من شهر ايار-مايو الجاري، لن تكون كمرحلة ما قبل الانتهاك.
هذه المرة، لايبدو ان الأمور ستنتهي مثلما اعتاد الكيان الصهيوني الغاصب, بل إنه لن يكون بإمكانه أن يقرر انهاء المواجهة بالكامل، كما بدأها هو بنفسه حينما انتهك حرمة المسجد الأقصى. فالمقاومة الفلسطينية ليست كما كانت في الماضي من حيث القوة والحضور والتأثير، والايام القلائل الماضية أثبتت أنها رقم صعب جدا، وأنها هي من ستوجه مسارات ومخرجات المواجهة، لاسيما وأنها تعد جزءا من محور المقاومة، وعنوانها بارزا وشاخصا فيه، وهذا ما ينبغي أن يدركه الكيان الغاصب ومن يدعمه ويسانده ويتعاطف معه.
ويوما بعد آخر .. كلما ازدادت وتنامت قوة وشعبية المقاومة الفلسطينية، انحدر الكيان الغاصب وتعمقت أزماته،. والشواهد على ذلك ليست بالقليلة، وهنا فأن رئيس اركان الجيش الصهيوني الجنرال افيف كوخافي يقر ويعترف بقوة المقاومة، حينما يخبر رئيسه نتنياهو بـ”نفاد الحلول وتضاؤل الخيارات أمام كيانه في التعامل مع المقاومة المتحفزة والمتصاعدة والمتوسعة مع مرور الوقت”، ناهيك عما كتبته صحيفة (هااريتس) الاسرائيلية، بـ”إن الأحداث الأخيرة وحدّت الفلسطينيين، وأظهرت أن الجيل الجديد أثبت أنه لن يقبل بالإذلال والخضوع”.
في الواقع، بينما اثبتت الاحداث الاخيرة قوة المقاومة الفلسطينية ووحدة كل فئات الشعب معها، كشفت بشكل اكبر عن النزعة الدموية الاجرامية للكيان الصهيوني، الى جانب ضعفه وخوائه وهشاشته، فذلك الكيان مارس جرائمه ضد الشعب الفلسطيني المظلوم بوقاحة، وانتهك أبسط القوانين والمعاهدات الدولية وتعامل بكل ظلم وغطرسة، وان عنصرية هذا الكيان باتت هذه الأيام واضحة لكل العالم، وان هجماته على المواطنين الفلسطينيين تعد جرائم ضد الإنسانية، وانه لا يمكن تجاهل الإرهاب الشامل المفروض على الشعب الفلسطيني، وماحدث في فلسطين المحتلة هو بمثابة جرائم منظمة ضد الانسانية وانتهاك صارخ لقوانين الأمم المتحدة، والصمت أمام الإرهاب الإسرائيلي يعني تشجيعا لوحشية واجرام الصهاينة.
ولاشك ان الهدنة المشروطة، سواء نجحت او فشلت، وبصرف النظر عن سقفها الزمني، فأنها في واقع الامر رسمت مسارات واضحة، واشرت الى معطيات مهمة، من بينها، ان المقاومة الفلسطينية ستكون طرفا اساسيا ومحوريا في المفاوضات القادمة وبما يصب في خدمة عموم ابناء الشعب الفلسطيني وليس قطاع غزة فحسب، وهذا يستتبعه تحولا استراتيجيا فى التعامل مع قطاع غزة داخليا وإقليميا. ولاشك ان سكان القطاع والمدن الفلسيطينية الاخرى، سيلمسون تحسنا في اوضاعهم الاقتصادية.
يقابل ذلك، المزيد من التصدع وفقدان الثقة في الشارع الاسرائيلي بزعاماته السياسية والحزبية، وتفاقم الازمة السياسية الخانقة التي لم تفلح اربع انتخابات في حلحلتها واخراجها من عنق الزجاجة، ناهيك عن الازمات الاقتصادية والاجتماعية والامنية الحادة.
والاكثر من ذلك كله، ان الانتصار الفلسطيني، مثل انتصارا تأريخيا لمحور المقاومة في اطاره الواسع والشامل، وهزيمة للقوى الاستكبارية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية وقوى التطبيع، وبالتالي فأن ذلك الانتصار اسس لمعادلات جديدة لم تعد في صالح الكيان الصهيوني بالمرة.
بعبارة اخرى، اثبتت معركة “سيف القدس” انها اصدق انباء من الخطب!.
————————–
*كاتب وصحافي عراقي