خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
يوجد في علم السياسة مصطلح باسم: “الرواية السياسية”، وفي هذا الإطار تحل تصورات الراوي محل الوقائع، بحيث تكتسب معنى في محيط الرواية وتنظم السلوكيات السياسية والاجتماعية.
والحقيقة أننا في هذه المرحلة من صياغته الرواية نفهم الوقائع ونكون بصدد بلورتها. ويبدو أن “مباحثات فيينا” تقف في هذه المرحلة أيضًا. بمعنى أن لكل من الطرفين رواياته عن ملف المباحثات تتشكل وفق مصالح ورؤى وضروريات كل طرف. من ثم لإننا نتابع بروز نوع من حرب الرويات حول ما يحدث في “فيينا”.
والسؤال: ما هي أسباب التعارض في الروايات ؟.. بحسب موقع (الدبلوماسية الإيرانية) المقرب من “وزارة الخارجية”.
تحت ضغوط..
تؤكد “إيران” باستمرار على عدم تآكل المفاوضات؛ وتسعى بطرح هذه الرواية إلى إجبار الطرف الأميركي للدخول سريعًا في ملف إلغاء العقوبات سريعًا واتخاذ خطوات ملموسة وواضحة، بحيث تضع الطرف الأميركي، بطرح مثل هذه الروايات وانعكاساتها الإعلامية؛ تخت الضغط.
من جهة أخرى، يضع فريق المفاوضات، “إيران”، تحت ضغوط داخلية تستهدف الاستمرار في المباحثات، ويسعى بالطبع في المجالات العامة للحد من حجم هذه الضغوط بطرح روايته، بحيث تستمر المباحثات قدر الإمكان وتتقارب وجهات نظر جميع الأطراف ويتقلص حجم الفجوة.
أغراض متنوعة لأطراف متعددة..
إن المفاوضات النووية الإيرانية مع الدول الست الكبرى من هذا النوع، ووفق نظرية لعبة التوقعات، فالتوصل إلى اتفاق أمر غامض للغاية. فلكل من هذه الدول مطالب وتسعى إلى صنع قبعة من هذا الشعر.
من جهة أخرى، تحرص “السعودية” و”إسرائيل”، وغيرهما، للمداخلة وتبعث عمليًا على توسيع نطاق المناقشات وتحويل الموضوع إلى قضية فوق إقليمية وشبه عالمية.
من حيث الموضوع أيضًا تتطلع “أميركا” و”أووربا”؛ إلى تجاوز المناقشات النووية والحديث عن القدرات النووية الإيرانية وقضايا حقوق الإنسان.
من ثم فالكلام سهل وكل طرف يريد زيادة عدد أطراف اللعبة وتنوع الموضوعات، فإنه لا يُريد الوصول عمليًا إلى اتفاق وإنما تمديد القضية.
نجاحات إيرانية محدودة..
ولا مفر بهذا الوصف؛ من تصور أن “مباحثات فيينا” بدأت بقرار كبار الشخصيات في النظام، وهناك تحديات أكبر من المتوقع، تلقي بظلالها على هذه المباحثات. واستمرار العقوبات، والعزلة السياسية، والأزمات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها تستدعي تدابير جديدة وفتح معبر الحوار هو الأسلوب الأذكى.
في حين أنه، وخلال المباحثات المكثفة التي إنطلقت بداية رمضان المبارك، نجحت “إيران” في تحقيق بعض مطالبها من مثل الاتفاق على إلغاء العقوبات المصرفية والنفطية والملاحية. مع لم تتضح بعد ماهية الطريقة التي يعتزم بها الطرف الأميركي رفع هذه العقوبات. وهل هو على استعداد لإلغاء هذه العقوبات أم وقف الآثار المترتبة عليها فقط.
على غرار إدارة “ترامب”، التي بحثت في إمكانية إجراء تعاملات إنسانية مع “البنك المركزي الإيراني” عبر القناة السويسرية. في الوقت نفسه لا يبدي الأميركيون استعدادًا لإلغاء العقوبات التي تعتبر ملائمة لـ”الاتفاق النووي”، (أي عقوبات 2017 – 2018 المفروضة على “الحرس الثوري” وبعض المؤسسات الإيرانية، وكذلك إدراج “الحرس الثوري” ضمن القائمة الإرهابية).
وبالنظر إلى الوضع القائم، من المستبعد أن يصل الطرفين إلى اتفاق، خلال مهلة التعاون الإيراني مع “منظمة الطاقة الدولية”.
ومن منظور الفريق الأميركي؛ أن الوقت المتبقي قصيرًا جدًا، مع الأخذ في الاعتبار للموضوعات الأساسية والمهمة، ومن المحتمل أن يتم التقدم بمقترح تاريخ آخر. مع هذا هناك إثنين من السيناريوهات المحتملة.. الأول: استبدال الاتفاق النهائي بآخر مؤقت. الثاني: تكليف “رفائيل غروسي”، بمهمة السفر إلى “طهران” والاتفاق على تمديد مهلة التعاون الإيراني مع الوكالة.
مع هذا؛ يبدو أن “إيران” نفذت جانبها من التعهدات وأنها سوف تضع شروطًا لـ”أميركا” الخارجة على القانون. علمًا أن السياسيات المحسومة لـ”الجمهورية الإيرانية” غير قابلة للتفاوض والمساومات؛ ولا يمكن تحت أي مبرر إجراء تعديل على هذه السياسة. من ثم يبدو أن أهم مشكلة في المرحلة الراهنة، ستكون التعجل في إنهاء المباحثات والتأثير بالبروباغندا الأميركية.