في البدء ، أعتذر جدا عن خطأي في الأية القرآنية في نهاية حلقتي الأولى وهي (إنما يخشى اللهَ) ، لا (إنما يخاف اللهَ) ، لهذا إقتضى التنويه .
كنا طلابا في المتوسطة ، مبهورين بسعة “ثقافة” نظرائنا من الشيوعيين وجرأتهم على السلطة التي حاربتهم بلا هوادة رغم صغر سنهم ، كانت قاعدتنا في الحياة ، أن كل من يحارب الباطل يكون على حق ، لهذا كنا نراهم على حق لأن السلطة (الباطلة) مذ ذاك ، كانت تحاربهم ، كانوا يتشدقون بعبارة جاهزة هي “ألطبيعة هي مَن خَلَقَ الإنسان” ، عنوان ثوري كبير على أعمارنا ، لهذا كانت تصيبنا بالكثير من الشلل الفكري والسطحية ، كنا منقادين كمراهقين إلى كل ما يمد نزعة التمرّد ، نعتبرها نوع من التنفيس عن ثقل المواد الدراسية “المفروضة” علينا وسطوة مدرسينا وذوينا ، حسب مبدأ (كل ممنوع مرغوب) ، باحثين عن كل ما هو من السهل تأويله ، صرنا ننظر للدين على أنه قيد نتلهف لتحطيمه ! ، إلى درجة أننا لم نسأل ما الذي خلق الطبيعة ، ومن أين إستمدت (ذكائها) الذي يفوق كثيرا ذكاء مخلوقاتها لأنها صنيعتها ! ، وكانت إنجازات (داروين) ، صاحب نظرية النشوء والإرتقاء و الإنتخاب الطبيعي ،هو السلاح الماضي بيد هؤلاء ، وكنا نتعجب ونُعجب بجرأتهم في ذات الوقت ، كوننا شببنا على الديانات وأدبياتها ، وأعترف أننا كنا كالببغاوات في فهمنا للأديان ، دون أن نعلم ، أن الوعي الديني والروحاني وحتى الحكمة ، لا تقف عند عمر معين مهما طال ، وطال بنا الزمن ، وعرّجنا على كل الأيديولوجيات والأفكار يمينا وشمالا ، وضعية كانت أم سماوية ، تشذ خطواتنا عن الطريق تارة ، نعتقد بأننا على المسار الصحيح تارة أخرى ، إرتشفنا الكثير من كؤوس (هايزنبيرغ) ، لكن هذا الرجل كان على حق ، ففي كل كأس ، كنا نجد (الخالق) ينظر لنا معاتبا ! وفقط من كان ذو حظ عظيم ، مَن كان يجد خالقه في كأسه (أبكر) من أقرانه ، ولسان حال الخالق يقول (أنت مخلوق ثمين راقٍ ، أثمن ما في الوجود ، أنت أعز وأروع ما خلقت ، أنت محبوب أبدَعَته يديّ ، أنا من باهى به الملائكة ، فعش حياتك بقدر ثمنك وقدْرِك ورُقيك) ، بل أن الكثير من الأديان تعتقد أن الله خلقنا على صورته إعتزازا منه بنا (وإن كنا كمسلمين لا نعتقد بذلك ، إذ (ليس كمثله شيء)) ، ونفخ فينا شيئا من روحه وذاته الإلهية ، وبنفس الوقت (إبتلانا) بالوجود ، وبث فينا وعيا ، فأسأنا إستخدامه مما سبب كل الآلام والصراعات كسكين في الخاصرة ، فلماذا تتشابه كل مخلوقات الله بإمتلاكها لعينين وأذنين وفم وأطراف وجعل أجسام مخلوقاته متناظرة طوليا ؟ ، لماذا لا نقول أن السبب هو وحدانية الصانع ، وأن (تطورها) من خلق لخلق (وهذا لا يتعارض مع مفهوم الخلق في الدين) دلالة على وحدانية الخالق ، حتى وصل الإنسان إلى أحسن تقويم ؟ ، يقول المفكر المصري (مصطفى محمود) ، أن الأنسان يسلك سُلّم التطور لكل المخلوقات ، ففي البدء ، كائن وحيد الخلية ، ثم متعدد الخلايا ، ثم إلى مخلوق مائي كالأسماك له غلاصم بدائية ، ثم ما يشبه البرمائيات بعد أن يتكون لديه ذيل ، ينسحب ذلك الذيل تدريجيا لتتطور لديه أجهزته الهضمية والعصبية والعظمية والتنفسية ، فيخرج إنسانا سويا ، هذا المخلوق في رحم أمه – والكلام لمصطفى محمود- إختزل ملايين السنين من التطور في تسعة أشهر فقط ، ثم لماذا الإنسان وحده يمتلك حضارة قديمة ، بينما لا تمتلكها الكائنات الأخرى الرئيسية كالقرود التي خُلِقَتْ قبل الإنسان بدليل القرآن ؟ أليست الحضارة دليلا على التطوّر هي الأخرى ؟ نعم هنالك إنسان قديم (لا ينفيه الدين) ، لكنه غير آدمي وهنا نقطة الخلاف كونه كان متخلفا وعنيفا ومنقاد لغرائزه (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك) ، وقد عجز كل علماء الإنسان (الأنثروبولوجي) والمحاثات عن تفسير سر ظهور الإنسان الحديث فجأة منذ مدة وجيزة لا تتجاوز الآلاف من الأعوام بالنسبة لعمر الأرض الذي تجاوز 4مليارات ونصف المليار من العام ، بل هنالك العديد من الحلقات التي لم يتم العثور عليها تلك التي تصل بيننا وبين الإنسان القديم .