ينتفض الأمام الحسين بن علي “ع” سنة61 هجرية ضد الحاكم المستبد يزيد بن معاوية بن ابي سفيان ، ويقود ثورة من اقلية من انصاره ممن ثبتوا على الرسالة و الولاء له ولأبيه وجده النبي الأكرم محمد “ص”.
استشهاد الأمام الحسين واصحابه وابنائه واخوته شكل مفارقة وعلامة استفهام كبرى في مجرى التاريخ العربي الأسلامي ، وعمق اشكالية فكرية –اجتماعية – اخلاقية لم تزل تشغل الأزمنة الحديثة وانظمتها السياسية .
السؤال الذي طرحه الحسين في صراعه ضد حكومة يزيد ينطوي على جملة شروط او مطاليب وابرزها هي ؛
*سؤال الحرية الذي ينبغي ان يتمتع بها الجميع وعدم استلاب البيعة لحاكم ظالم .
*الظلم والعبودية التي يتعرض لها الناس في دور استعادي لعهد الجاهلية الذي ساد قبل اسلام جده الرسول محمد بن عبد الله (ص).
*عدم صلاحية الحاكم الفاسد يزيد بن معاوية بحسب المعايير الأسلامية {مبدئيا ، وقانونيا ، وسلوكيا} التي سارت عليها السنة النبوية والعهد الرشيدي .
تلك الأفكار التي اشتغل عليها تيار الرفض الحسيني لم تحقق قبول وقناعة سوى عند النخب الأخلاقية والرسالية القليلة الباقية ، والسبب في ذلك انفتاح عالم وحياة الصحراء العربية على مكاسب مالية وشخصية وصور جديد للنعيم والأثراء بسبب تطور الأمبراطورية الأسلامية .
كانت صلابة الأيمان بالأفكار التي طرحها خطاب الأمام الحسين ، تنبثق من قوة شخصيته الأيمانية وعمق تأثيرها بالآخرين ، وهي تشكل منعطفا رسالياً لاستكمال الأثر الدلالي وتحولاته للرسالة الأسلامية الأولى وهي تدخل منعطف الصراع من اجل السلطة واخلاقياتها ، ومن هنا اعطت حقيقته في قبول فكرة الموت من أجلها معنى الثورة البيضاء ، وتعريف اجرائي مدفوع الثمن بالدماء من اجل الوصول الى سلطة الحق ، وهنا التجلي الأخلاقي والمواقف البنائية التي تحلى بها شهيد الثورة واصحابه وآل بيته .
لم يكن الحسين واصحابه ظاهرة عاطفية بل منظومة فكرية ، سلوكية جاءت لتؤسس ولادة جديدة لتعريف السلطة الحاكمة ، وتمق شروطها التي رسم قاعدتها الرسول والقادة الذين تعاقبوا على قيادة الأمة .
مقتل الحسين وفشل ثورته لم يكتب نهاية لها ، بل بقيت الأفكار التي نادى بها لتكون هاجسا لثورة دائمة يقتدي بها الثوار في كل بقاع الأرض ، وهنا تمثيل واقعي للتأسيس الثوري النقي .
السائرون الى الحسين يحملون له عاطفة معطرة بالحب والولاء ، لاشك في ذلك ، وتلك المسيرة صارت ترافقها طقوس وواجبات عرضية ، مثل المجالس الحسينية ومواكب العزاء ، واللطم وضرب الظهور بالزناجيل او شق الرؤوس بالقامات وغيرها من البدع الغريبة التي يرفضها المنهج الحسيني الحقيقي ، للأسف ان البعض يجدها واجبة ، او قيل عنها مستحبة وفق تخريجات بعض المستفيدين منها .
الشيء الغريب والمحير بالموضوع والذي لم يجد موقفا نقديا صريحا من مراجع الحوزة الكبار ، وعلماء الدين والفقهاء ورجال الفكر والتاريخ ، انهم يلتزمون الصمت والمداهنة ، وهم يشاهدون بأن هذه العادات اصبحت بديلة عن الدين والفكر الحسيني ..!؟
بل صارت هي الدين وقد تركت خلف ظهرها الأفكار والمعاني والمواقف التي ثار من أجلها مولانا الحسين واستشهد في سبيلها .
السائرون الى الحسين بحاجة الى تأثيث محبتهم بقليل من الوعي بحقائق التاريخ ، وتلك النظرية التي ارادها الأمام الشهيد ان تنقذهم من الفقر والجهل والإستعباد قديما وحديثا .
المتفحص في الطقوس والعادات والممارسات التي ترافق ذكرى عاشوراء ومقتل الأمام ، يجدها لاتأخذ من قضية الحسين سوى القشرة الخارجية اوالأثر البكائي اللاطم الحزين وانهار الدموع ، والهدر بولائم الطعام ، والطبخ على نحو استعراضي ، لايخضع لرؤية في مكافحة فقر ولا اسعاف محتاج ، بل هو هو مسعى موجه لأنتاج دين جديد بعيد تماما عن منطلقات الثورة الحسينية العظيمة .
التوظيف السياسي دخل لهذه الظاهرة المقدسة وزادها تشويها ، وافرغها من فطرتها وحسها العاطفي ودلالاتها الدينية البريئة ..، وفي هذا يجد المنتمي للروح الحسينية ان فكر الحسين وقضيته صارت تتعرض للإغتيال ليس في زمن يزيد وحسب ، انما يغتالها الجهل مرة ، وتغتالها مقاصد المتاجرين بالقضية الحسينية مرتين ، ويغتالها السياسي مرات .
من هنا لابد من رأي جريء وموقف صريح في اعطاء قضية الحسين بعدها الواقعي ، وتحريرها من هذه العوالق الأسطورية الغريبة التي تحاول ان تطمس اثرها الراهن .
[email protected]