27 ديسمبر، 2024 6:23 ص

الله يرحم أيام زمان …ويا شباب ارحمونا..!

الله يرحم أيام زمان …ويا شباب ارحمونا..!

القصة أو الأحجية أو- السالفة- في زمن أهلنا الطيبين كانت قصة مرورية تستند في بعض جوانبها إلى الخيال والى بعض الحقائق أحيانا أخرى كقصص الجبابرة والحياة والموت والفقر والغنى والخير والشر و قصص أخرى, إلا أنها وفي مقاييس عصرنا الحاضر عصر الخصخصة والكوكبة والعولمة والشفافية ومصطلحات العصر الانتخابي الجديد في ظل الديمقراطية التي جاءتنا على ظهر الدبابات ونتيجة إفرازات الوضع الأمني المتردي وكثرة الازدحام المرورية ومنع التجوال أحيانا أدى إلى شبه انقطاع العلاقات الاجتماعية وحقوق الجار والصديق والأقارب فقد تغيرت طبائع المجتمع من الرأفة والرحمة والتواد والمحبة إلى قطيعة وبرتوكولات في المناسبات لا غير وتغيرت مع هذه المفاهيم التي ذكرناها طبيعة (التعلولات )- الأمسيات – وأصبحت علاقات المصلحة الخاصة تسود أفراد المجتمع  بسبب كثرة الأموال بطرق شرعية أو بطرق غير شرعية وهي الأغلب ولا يمكن مقارنتها بأمسيات الماضي, وربما كان الماضي رغم بساطته أفضل بكثير من عصرنا الحالي رغم التطور الكوني الهائل وتنامي الوعي وظهور منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأخرى ذات الصلة.
كان – البال – صافيا والمجتمع بخير والبيئة غير ملوثة بالقاذورات الطائفية والفتنة نائمة وكانت الجدة والأب والأم يقصون القصص والحكايات مثل- إلف ليلة وليلة- سيرة عنتر وعبلة – أبو زيد الهلالي – علاء الدين والمصباح السحري – علي بابا والأربعين حرامي – السندباد وغيرها من القصص  ومنها نشأت فكرة (الحكواتي ) أو القصاص ويسمى- قصخون – حيث كان الحكواتي يجيد سرد الحكايات والحركات البهلوانية وتغير صوته من منخفض إلى جهوري عالي وبالعكس أحيانا وهي تثير وتجلب انتباه السامعين في المقاهي والأماكن الشعبية العامة  القديمة.
ومن ماضينا الأصيل نتذكر أن بيئتنا كانت بيئة مزارعين ولدينا ارض صالحة للزرع والحمد لله وأتذكر كيف كان بيت جدي وهو بيت طيني مبني من (الطين والتبن ) وسقوفه من الخشب وسعف النخيل وحصران القصب والبردي ويحتوي على باحة كبيرة واسعة مملوءة بالمحاصيل الزراعية كالماش والسمسم والهرطمان والعدس وأنواع البقوليات الأخرى وفيه غرف كبيرة تسمى (الدامات او السوابيط ) لأنواع الطيور والأغنام والبقر وكان أهلنا يحيطون بمنقلة الجمر وشاي أبو الهبل والقهوة العربية وهناك السماور الذي كانت تستخدمه أكثر العوائل البغدادية وفي المدن المتحضرة ونحن ننصت بأدب وصمت لسماع أخبار السلف والديوان والحارة أو كما يسموها(العكد أو الدربونة ) وكنا نسمع أصوات الباعة من –شعر بنات والحلاوة -والمصقول- وبائع الباقلاء ونسمع أصوات ذوو المهن اليدوية الجوالة كحداد السكاكين وخياط الفر فوري وبائع القماش الدوار ومركب الأسنان وغيرهم,وكنا نشرب الماء الصافي من المشربة الفخارية (الجرة ) وماء (الحب- بكسر الباء) تحت – قيمرية وسيباط العنب –  كرمة العنب في حديقة المنزل كما هي الآن في بعض الدول وكانت جدتي تصنع لنا (الخميعة ) وهي أكلة من الثريد والحليب ألبقري الحار والسمن الحيواني (دهن الحر ) والتي تسمى حاليا في قناة الفتافيت –أكلة أم  علي – وكان الغداء من السياح  وهو خبز طحين الرز الذي يسمى (الطابك ) مع طيور –الخضيري مع الماش والرز–الأكلة اللذيذة وحيث الخبز الحار في كل الأوقات –الصباح- الظهيرة – المغرب –حيث- الكنه- التي كانت تستخدم الرحى أو المجر شه لطحن الحبوب والمجرشة تغنى  بها  الشاعر والصحفي المرحوم الملا عبود الكرخي.
 ولازلت  أتذكر عندما كان طلبة القرية يختمون القران حيث يطلون علينا مع معلميهم والملا وقد لبسوا ملابس التخرج –الملابس البيضاء- التي تدل على الطهارة والنقاء وعلى أنهم ختموا القران الكريم وحفظوا بعضا من آياته مرددين الأناشيد والأهازيج الدارجة آنذاك (شوشلية  يا رمانه- شدة ياورد- الله مصبحكم بالخير – آني الذيب  آكلكم – بلاد العرب أوطاني ) ويقوم جدي بإعطائهم بعض النقود المعدنية التي فقدت في العراق ولا زالت تتداول في اكثر بلدان العالم تحضرا مثل الفلس والفلسين والعانة والقران –أي عشرين فلس – والدرهم ….الخ, وكانت ميزانية ألدوله فقيرة جدا إذا ما قورنت في زمن النفط والتي تبلغ التريلونات وكانت شوارعنا نظيفة تزهو بالبهجة والمناظر الخلابة من المزروعات والأشجار والأنهر الصغيرة والقناطر الخشبية وكنا نسافر إلى بغداد من جميع (الألوية) أي المحافظات وكانت 14 لواءا في العراق ونتمتع بالإخبار الضوئية لوكالة الإنباء العراقية في الباب الشرقي ونأكل السمك المسكوف في شارع أبو نؤاس ونتمتع بالأفلام السينمائية في سينما روكسي وغرناطة والسندباد  واطلس وغيرها..وكنا نتبضع البضائع الأجنبية بالدينار العراقي من المجمع التسويقي بشارع الرشيد والذي كان يسمى (اورزدي باك ) ونصعد مصلحة نقل الركاب ذات الطابقين (الأمانة ) التي تجول بك بغداد في عشر دقائق دون سيطرات أو ازدحام وبأجور قدرها خمسة فلوس والله يرحم أيام زمان ويلعن هذا الزمن الحقير الذي لا طعم ولا لون ولا رائحة فيه سوى رائحة الفساد والإرهاب والفتن .
أما عادات- وتعلولات- وأمسيات بعض شبابنا التعبانين جدا في زمن العلم والتقدم والتكنولوجيا فتتضمن والعياذ بالله والتي لا طعم فيها في زمن العولمة -وشفافية -السياسيين وتناحرهم ,هي افتقاد الضحكة الحلوة والإصغاء لحديث الكبار أو الأهل وتراهم مهمومين ومنسجمين لا يعلمون بخبر أو حدث في بلادهم سوى انه ترى اغلب إفراد العائلة الواحدة ما عدا – الشياب – لا حتى يعرفون رئيس البلاد الغائب منذ سنة ونيف ولا يعرفون النظام هل هو جمهوري أو ملكي منشغلين بالكومبيوتر –اللابتوب – وأجهزة الجوال الذكية حيث لا يسمعون حتى رنة جرس الباب لان أفكارهم وأصابعهم وعيونهم وآذانهم تعمل طوال الليل حتى – مطلع الفجر – وجوههم شاحبة لا يأكلون إلا القليل من النساتل  والمقرمش وبعض العصائر والجكليت أو الجبس ..عظامهم خاوية أجسامهم نحيفة لا يقوون على العمل تنتابهم أمراض المفاصل وأمراض العصر (البواسير ) كفى الله البرلمانيين شرها بسبب الجلوس لساعات طويلة جدا بعيدين عن ممارسة الرياضة والمشي أو الهرولة حتى وصل الأمر لجيرانك الذي تسلم عليه ولا يرد عليك بسبب انشغاله في الجوال أما الشارع العراقي (بائع الخضراوات. عابر الطريق- شرطي المرور- إفراد السيطرات – سائقي السيارات بأنواعها-وحتى أحيانا بعض الأطباء وإثناء ممارسة العمليات أو الفحص الطبي -) تراهم الكل منشغلين بلعبة في الجوال أو بإرسال رسائل نصية أو بمكالمات غير ضرورية وإنما لمجرد اللهو وقالوا وقلنا حيث أن البعض لا يعرف استخدام الجوالات الحديثة الذكية ولكنه يتبجح – ويكشخ –بأنه يقتني جوالا أما آخرين يحملون ثلاث جوالات أي لديهم ست خطوط احدها للحبيبة السرية والآخر للأهل والثالث للنصب والاحتيال والرابع للسهرات الليليلة  والبقية لأغراض أخرى لا نستطيع ذكرها وتخديش رأي القاري الكريم, فهو سلاح ذو حديين فتبا لحد السوء في الكمبيوتر والجوال وتبا للعولمة التي يسيئون استخدامها حيث أن اغلب الشباب لا يستخدم الأسلوب الحضاري والأخلاقي والعلمي والتربوي لهذه التكنلوجيا الخطيرة.
فيا أبناء هذا الجيل عليكم أن تتحلوا بالأخلاق والعلم أولا وان تستخدموا التكنلوجيا  في خدمة أهلكم وعراقكم المنكوب وان تتسلحوا بالعلم والفضيلة وتتزودوا بخصال الأدب والأخلاق يحدوكم العمل والجد والمثابرة والإخلاص لكي تشقوا طريقكم في الحياة السليمة…وان تبتعدوا في إثارة النعرات الطائفية والسباب والشتم التي هي ليس من أخلاق أهل الرافدين وأبناء حمورابي  والحضارة التي علمت الإنسان  على الأخلاق والأدب والتربية والقيم. ويا مترفي الفيس بوك والعولمة ارحمونا يرحمكم الله…..!!