18 ديسمبر، 2024 7:39 م

القدس بين سوق المزايدات وتجارة الشعارات!

القدس بين سوق المزايدات وتجارة الشعارات!

ابتليت مجموعة الدول المتخلفة سياسياً بأنماط من أنظمة حكم وأدواتها السياسية المتمثلة بالأحزاب أو الأفراد وأذرعهما من الجماعات المسلحة والميليشيات العقائدية خارج إطار الدولة ومؤسساتها، وقد ظهرت بشكل جلي هذه الأنماط بُعيد إسقاط الهياكل السابقة لتلك الدول بحجة كونها أنظمة دكتاتورية على أيدي الدول الكبرى، التي أسست معظمها قبل مائة عام تقريباً في اتفاقيات فيما بينها بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، وأبرز تلك الدول هي سوريا والعراق، التي تعرضت إحداهما إلى عملية إسقاط هيكل نظامها السياسي المتمثل بصدام حسين وحزبه وعسكره وأجهزة مخابراته وأمنه، والثانية أبقت على هيكل حكمها مقلم الأظافر، وتبدو الصورة أكثر وضوحاً لو عبرنا الحدود العراقية السورية والتي لا تكاد تشعر بوجودها وذلك بفضل (الروح الجهادية) للميليشيات الشغالة ليل نهار ومن الجهتين بالجهاد التهريبي لتحقيق ما عجز عنه الرئيس الأسبق صدام حسين في إقامة دولة الوحدة قومياً، لكنه فشل بسبب تشبث طيب الثرى الأسد الكبير بكرسي الوحدة، إذن إذا ما عبرنا إلى الشقيقة سوريا حيث تكتظ بأنواع وأشكال وألوان الميليشيات وعلى مختلف القياسات والمذاهب والطرق والاجتهادات من أقصى يسار الشيعة إلى أقصى يمين السنة ناهيك عن مخلفات القاعدة وداعش، حيث سترى ما لم تراه العين وتسمعه الأذن من شعارات وأسواق للنخاسة السياسية والمذهبية والقومية وحتى اليسارية المتطرفة وألوانها التي تنافس ألوان الدول الأفريقية الزاهية، خاصةً في مناطق الإدارة الذاتية الحائرة بين أحضان أمريكا وإيران ودمشق وقنديل!
ولعل أبرز بضائع سوق المزايدات وأكثرها رواجاً عند العامة في هذه الدول هي البضائع ذات الاكسسوارات الدينية والقومية، وما يتعلق بها من نكهات أخرى مضافة عليها، خاصةً ما يتعلق بفلسطين وعاصمتها الأبدية القدس التي أصبحت ومنذ أربعينيات القرن الماضي ابرز البضائع وأكثرها استخداماً للشعارات والإعلانات وعناوين الشوارع والطرق والجيوش، وليس بعيداً والحمد لله جيش القدس الذي أسسه النظام السابق من متطوعين اجباريين، بلغت أعدادهم قرابة السبعة ملايين مجاهد لتحرير القدس، حصل ذلك بعد أن اعتبرت إيران وجمهوريتها الإسلامية كربلاء والنجف في ثمانينيات القرن الماضي طريقها إلى القدس، ونحمد الله أن التجربتين العراقية في (جيش القدس) والإيرانية في شق (طريق القدس) تُستكمل اليوم في (يوم القدس العالمي) ومهرجاناته واستعراضاته العسكرية وميليشياته الولائية جداً، حيث ما تزال تقاوم وتقاتل وتناضل وتجاهد الكيان الصهيوني من على منابر الجوامع والحسينيات، وعبر مهرجانات في مدن وعواصم تبعد آلاف الكيلومترات عن إسرائيل، من صنعاء الحوثيين إلى لبنان حزب الله مروراً بالعراق الولائي وسوريا الأسد، دون أن يصل هذا الكيان إلا صدى تلك الخطابات النارية وتصفيقات وصرخات آلاف المحتفلين في ساحات بغداد وبيروت وطهران!
سوق المزايدات هذا وتجارته بالشعارات هو الجامع الرئيسي والثابت الرابط لكل من الأنظمة الشمولية عربيا واسلاميا، مضاف اليها أذرعها العابرة للحدود مثل القاعدة وتنظيم الدولة وما فرخوه من منظمات للنصرة وامثالها، إضافة الى السوق المركزي للبازارات السياسية وميليشياتها التي تُشكل اللا دولة في كل من اليمن ولبنان والعراق وسوريا حيث يجتمعون جميعهمُ في توجه واحد وثقافة شعاراتية واحدة نجحت في تبليط طرقا مختلفة وصولا الى القدس بعد سنوات ضوئية!
[email protected]