23 نوفمبر، 2024 1:59 م
Search
Close this search box.

البابهْ والذبابهْ

جاء في كتاب افواه الزمن للكاتب ادواردو غاليانو انه وفي القرن الثاني عشر، عندما كان الماء مجانيا مثل الهواء، التقى البابا والذبابة عند حافة النافورة، البابا هو ادريان الرابع، الحبر الاعظم الانكليزي الوحيد في تاريخ الفاتيكان، عاش حياة شديدة الاضطراب بحروبه المتواصلة ضد وليم الشرير وفردريك برباروجا، اما عن حياة الذبابة، فلم تُعرف احداث تستحق الذكر.
بمعجزة الهية، وبقدرية القدر، التقت دروبهما عند نافورة الماء في ساحة قرية(اغناني) في ظهيرة يوم صيفي من عام 1159،وعندما فتح الاب المقدس الظمآن فمه  ليتلقى دفقة الماء، دخلت الحشرة المجنحة في حلقه، اندست خطأ في ذلك المكان الذي لم يكن مشوقا باي حال، لكنها لم تستطع الخروج، ولم تستطع اصابع البابا اخراجها، وفي المعركة، مات كلاهما، البابا المختنق، مات بالذبابة، والذبابة الحبيسة ماتت بالبابا، لم تكن الذبابة بحجم البابا لتتمكن من قتله، لكن هذه القياسات قد تسقط في احيان كثيرة، وكلنا يحفظ عن ظهر قلب بعوضة النمرود التي دخلت في انفه، ولم تكن حرب صحراء الانبار ولاحرب الانبار المدينة حربا طائفية كما اراد لها بعض الكتاب ونظّر جاهدا بهذا الاتجاه، من الذين رأوا في حرب الحكومة العراقية ستراتيجيتهم التي يجب ان لايحيدوا عنها، حتى صار الوطن هو المالكي، وصار المالكي هو الوطن، وهذا قياس مغلوط، فكل المؤشرات تقول ان المالكي لن يصمد لولاية ثالثة مهما كانت النتائج التي تتمخض عنها حرب الانبار والتي لاتمتلك وجها طائفيا واحدا، فما وجه الطائفية في جلب قوات من البصرة والعمارة والكوت وبغداد لمقاتلة حركة داعش التكفيرية والدفاع عن الانبار، وماوجه الطائفية في الصور التي تمثل مجموعة من شباب الانبار وهم يحملون جنديا مصابا على الاكتاف لنقله الى المستشفى، وهذا الجندي قد جرح دفاعا عن الانبار وهو يقاتل داعش الحركة الدموية، لا ادري كيف يتسنى لكاتب كبير ان يضع مصلحته ومصلحة وسيلته الاعلامية فوق مصلحة الوطن، وينظّر باتجاه عكس اتجاه الريح التي ربما اقتلعت الاخضر واليابس، لا احد في جميع البلدان يستطيع ان يصرح مجرد تصريح بسيط او يلمح بمجرد تلميح بسيط في دفاعه عن القاعدة وحركة داعش المنبثقة عنها، الجميع متفق على ان القاعدة وذيولها حركات عنصرية تكفيرية تافهة، فهي لاتستثني احدا من مشروع القتل الذي تؤسس له منذ زمان طويل، وهي تقتل السني والشيعي والصابئي والمسيحي والايزيدي، والتركماني والعربي والكردي، لانها تعتبر ان الجميع قد كفروا، وهي اي القاعدة قد جاءت لتنقذ الناس من الضلالة، لتهدد ببرك من الدم.
 جميعنا يعلم ان صاحب اي مشروع تطويري او مشروع للحكم يبدأ به بكسب الناس الى صفه، الا هذه الحركة فهي جاهدة بالتبشير بقتل الجميع، مشروعها الدموي لايستثني احدا، ولا ادري لماذا مرت ببالي قصيدة الشاعر الكبير مظفر النواب (البراءة)، التي قطعت دابر تنازل الشيوعيين في ستينيات القرن المنصرم عن مبادئهم، والبراءة ورقة يوقع عليها الشيوعي فيخرج من السجن، فانبرى الشاعر الكبير ليجعل البراءة سبة على من انتهجها فقال:
(يبني يوليدي البراءة اتظل مدى الايام عفنهْ
يبني لاتسلم شرفنهْ
تدري يبني ابكل براءة
كل شهيد امن الشعب ينعاد دفنهْ)
ونحن هنا نذكر الكاتب الكبير وسواه ، انها براءة ايها الرفيق، يامن تناديت وناديت باسم الوطن كثيرا، ان الوطن الآن امام محنة كبيرة، فلاتزيد من محنته، واجعلها براءة اخيرة في ميزان ايامك الاخيرة، واياك ان تكون مثل البابا التي قتلته الذبابة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات