خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في صورة واضحة لتقاسم الأدوار، إلا أنها خطوة أثارت جدلاً واسعًا داخل “تركيا”، خاصة بين أوساط المعارضة، أعلن زعيم حزب “الحركة القومية” التركي، “دولت بهتشلي”، الثلاثاء الماضي؛ عن إعداد مقترح لدستور تركي جديد مكون من 100 مادة.
فيما قال الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، الأربعاء، إن: “الدستور الجديد؛ سيبنى على القفزات التاريخية التي حققناها في تركيا، وخاصة نظام الحكم الرئاسي”.
يأتي ذلك، عقب إعلان “إردوغان”، الإثنين الماضي، أن الوقت ربما قد حان من أجل مناقشة دستور جديد لـ”تركيا”.
وأكد “إردوغان” ضرورة أن: “تكون صياغة الدستور شفافة، وأن يعرض لتقدير الشعب”.
وأوضح “إردوغان”؛ أن الحكومة ستبدأ في اتخاذ الخطوات اللازمة في البرلمان بخصوص القضايا التشريعية، وفي الرئاسة بخصوص القضايا الإدارية.
وقال “باهتشلي”، في مؤتمر صحافي عقده في مقر الحزب بالعاصمة، “أنقرة”: “أتممنا مرحلة التجهيز لمقترحنا بشأن دستور جديد مكون من 100 مادة، وبات من الواجب الوطني، بعد الآن، الاتفاق وإعداد دستور جديد للبلاد”.
ويعتزم التحالف الحاكم؛ المؤلف من حزبي: (العدالة والتنمية)، بزعامة الرئيس “رجب طيب إردوغان”، و(الحركة القومية)، طرح المشروع على بقية أحزاب المعارضة لمناقشته وإمكانية إضفاء بعض التعديلات عليه، قبل عرضه على الاستفتاء العام لإقراره والدخول، حسب مضامينه، إلى الانتخابات العامة المزمع إجراؤها، خلال عام 2023.
مضامين الدستور الجديد ومخاوفه..
وذكر أن الدستور سيحافظ على المواد التعريفية المثبتة في مقدمة الدستور التركي الحالي، التي تعتبر تعريفية للدولة التركية، “الجمهورية والديمقراطية والعلمانية”، وهي المواد التي يحظر الدستور الحالي تغييرها؛ حتى في حال إلغاء الدستور نفسه وإقرار غيره.
ومن أبرز المخاوف التي تضمنتها مسودة الدستور الجديد المقترحة، التي رفعت من قلق المراقبين بشأن الحياة الديمقراطية وإلتزام “أنقرة” باحترام حقوق الإنسان، 4 مضامين أشارت إليها المسودة.
فالنظام السياسي سيبقى، حسب المسودة، مركزيًا رئاسيًا، وإن كان يُقر بوجوب انتخاب نائبين للرئيس، الأمر الذي يعني أن الحزب الحاكم بتحالفه مع بعض الكتل الأصغر حجمًا؛ سيتمكن من فرض نظام الحكم المركزي على كامل البلاد.
كذلك فإن المسودة تُضعف: “المحكمة العليا”، القادرة على البت والحكم في أي قضية عامة في البلاد، بما في ذلك الخلافات بين القوى السياسية والقضايا المصيرية لـ”تركيا”، لتتحول إلى مجرد محكمة ذات وضع خاص، ومن دون صلاحيات تقريبًا.
كما أن المسودة المقترحة تُزيد من سلطة وأدوار مؤسسة الشؤون الدينية التركية، فترفعها من مستوى الجهاز التنفيذي الحكومي لتكون مؤسسة دستورية تساوي بسلطتها النظام القضائي والتشريعي نفسه.
لكن التفصيل الأهم في المقترح؛ هو عدم تطرق المسودة للقضية الكُردية مطلقًا.
ترحيب “العدالة والتنمية”..
وكرد فعل أول من جانب حزب (العدالة والتنمية)؛ على مسودة الدستور الجديد؛ جاء عبر تصريحات رئيس كتلة الحزب في البرلمان، “ناسي بستانجي”، الذي قال في مقابلة مع صحيفة (جمهوريت) المحلية: “نرحب باقتراح السيد، بهجلي، لدستور جديد مكون من 100 مادة، في الذكرى المئوية للجمهورية. نعرف أن عملية صياغة دستورنا الجديد على وشك الإنتهاء”.
وأضاف: “آمل أن تتم مشاركة التفاصيل مع الجمهور في وقت مناسب بعد الأعياد، لكن يجب أن تكون الدساتير نصوص مصالحة اجتماعية، فنحن نقوم بدراسة مضامين الدستور المطروح داخل حزبنا، ونريد أخيرًا إجراء عملية تفاوضية مع الأحزاب الأخرى، وإذا كشفت جميع الأطراف الممثلة في البرلمان عن مقاربتها للدستور بمشروع نص موحد، سيكون ذلك مناسبًا جدًا”.
يعرض ما يريده “إردوغان” !
ويعتبر المراقبون خطوة زعيم حزب (الحركة القومية)؛ لا تُمثل طروحات حزبه، بل هي بالضبط ما يريد حزب (العدالة والتنمية)؛ و”إردوغان”.
ويرى المراقبون إن “إردوغان” يستخدم، “بهجلي” وحزبه؛ كواجهة لطروحاته، فالدستور المُقدم إنما هو الأداة التي يستخدمها الرئيس لمفاوضة قوى المعارضة بشأن المستقبل السياسي للبلاد، ومحاولة شق صفوفها حتى لا تتمكن من دخول المواجهة الانتخابية المقبلة بجبهة موحدة مناهضة له.
اتهام المعارضة بالميول الانقلابية..
وحول الأبعاد التي يُحاول “إردوغان” الحصول عليها من خلال طرح مسودة دستور جديد للبلاد، قال الكاتب والباحث التركي، “أورهان سردار أوغلو”: “يعتقد، إردوغان، أن النظام الانتخابي الرئاسي المعمول به حاليًا لن يكون لصالحه في أي انتخابات مقبلة، وهو فعليًا لا يستطيع أن يعود للنظام البرلماني لأنه شخصيًا قاتل لسنوات حتى يغدو النظام رئاسيًا في البلاد، لذلك فإنه سيستخدم الدستور الجديد جسرًا لتحقيق ذلك”.
مضيفًا: “كذلك فإن إردوغان؛ متأكد من عدم قدرة قوى المعارضة من تحقيق توافق فيما بينها بشأن رؤيتها للدستور، بالذات حزب (الشعوب الديمقراطية)، المؤيد للأكراد، وحزب (الخيّر القومي) التركي، وهو بذلك يزرع أول شقاق فيما بينها”.
وتابع الباحث التركي: “أخيرًا فإن الدستور الجديد، في حال رفض مناقشته من قبل قوى المعارضة، فإنها ستغدو بمثابة المتشبثة بالدستور الحالي، الذي فرض على البلاد عقب انقلاب 1980 الشهير، وتاليًا القدرة على اتهام المعارضة بالميول الانقلابية”.
صعوبة تحقيق الدستور المقترح..
فيما أوضحت الباحثة التركية في المركز “الأميركي/التركي” للبحوث، “سزجان قراتبى”، صعوبة تحقيق الدستور المقترح أي خطوات تنموية، سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، مذكرة بأن الدساتير في المحصلة انعكاس للشروط والمناخات المحيطة بها.
وأضافت: “يبدو واضحًا أن هذا الدستور ناتج عن أزمة النظام السياسي في البلاد، إذ ثمة طرف ما من هذا النظام يريد أن يبقى حاكمًا بأي أثمان كانت، وأن يستخدم كل شيء في سبيل تحقيقه، بما في ذلك إقرار دستور جديد. هذا السلوك تتبعه أكثر الأنظمة شمولية لا الأنظمة الديمقراطية، فحتى القادة العسكريون الذين نفذوا انقلاب عام 1980؛ لم يغيروا الدستور للبقاء في الحكم”.
وأشارت الباحثة إلى أنه: “لا يستطيع حزب (العدالة والتنمية)؛ تحقيق توافق وطني بشأن الدستور، فالخطوط والثقة مقطوعتان تمامًا بينه وبين كل الأحزاب السياسية التي يتهمها جهارًا بالخيانة، ويعتقل قادتها بسبب أي تصريح لا يروق له”.
واختمت بالقول: “تركيا تمر بأكثر لحظاتها صعوبة من الناحية الاقتصادية، والدستور الجديد في حال إقراره سيكون بمثابة حجر عثرة أمام روح المبادرة الاقتصادية، على الأقل خلال أول سنتين بعد إقراره، فرؤوس الأموال والاستثمارات تحتاج لتلك الفترة على الأقل لتعود ثقتها في الأسواق التركية واستقرارها”.