لقد بدأت تظهر في العراق امتدادات لأحزاب وجمعيات سياسية نشأت قبل الحرب العالمية الاولى في الآستانة أو في مصر أو بيروت ودمشق مثل جمعية العهد وجمعية الإصلاح وجمعية العربية الفتاة، وكان روادها من العسكريين والسياسيين والطلاب العراقيين الذي كانوا على صلة بالدولة العثمانية والبلاد العربية المجاورة وأوروبا مثل نوري السعيد وجميل المدفعي وطه الهاشمي وعبد الله الدليمي وشريف الفاروقي من الضباط، وكان من القوميين العرب السياسيين والمثقفين ياسين الهاشمي ومولود مخلص وداود الجلبي. ومن هذه التجمعات “العلم” التي تشكلت عام 1914 والتي اندمجت بحزب العهد عام 1916، وجمعية الإصلاح التي كان يرعاه يوسف السويدي والذي كان معارضا لحكم الاتحاد والترقي واعتقل ونفي إلى خارج العراق.
اما في العهد الملكي وبعد تاسيس الدولة العراقية فقد ظهرت البعض من الاحزاب بشكل علني في البداية بموجب قانون الأحزاب الذي صدر عام 1922 وكان أهم هذه الأحزاب: الحزب الوطني برئاسة محمد جعفر أبو الثمن، وحزب النهضة برئاسة أمين الجرجفجي، وحزب الحرية برئاسة محمود النقيب وهوالشخصيات التي كانت تسكن في منطقة باب الشيخ، وحزب الأمة برئاسة ياسين الهاشمي .لقيت الأحزاب حرية في العمل في البداية في إصدار الصحف وترحيبا حكوميا وشاركت في العلمية السياسية والبرلمانية، ولم تكن جميعها مستمدة من الواقع العراقي، وإنما كانت امتدادا لتيارات فكرية وسياسية من شتى البلدان، وأسهم في ذلك الطلاب الذين كانوا يدرسون في الجامعات في البلاد العربية والأوروبية.وعندما بدأت الحياة البرلمانية عام 1924 بدأت تقوم أحزاب على أساس السعي للأغلبية البرلمانية وتشكيل الحكومات أو الائتلافات الحزبية الحاكمة، فتكونت أحزاب تقودها شخصيات سياسية نافذة في الحكم مثل حزب الشعب برئاسة ياسين الهاشمي، وحزب التقدم برئاسة عبد المحسن السعدون، وحزب العهد برئاسة نوري السعيد.
وقامت أحزاب معارضة مثل الحزب الوطني العراقي الذي كان يصدر صحيفة “صدى الاستقلال” ومن قادته محمد جعفر أبو الثمن ومحمد صدر الدين ومحمد الكاظمي وعبد الحسين الجلبي، وقد تعرض قادة هذا الحزب للنفي والاعتقال. ومن أحزاب المعارضة كذلك حزب النهضة برئاسة أمين الجرجفجي، وكان يصدر صحيفة “النهضة” ويرأس تحريرها أمين الخزار، ثم صحيفة “صوت العراق” وكان يحررها مزاحم الباجه جي. ومن هذه الأحزاب أيضا حزب الإخاء الوطني برئاسة رشيد عالي الكيلاني.
في عام 1927م تشكلت المجموعة الماركسية الأولى في البصرة، وفي عام 1928 تكونت خلية أخرى في الناصرية، وأصدرت هذه الخلية منشوراً في كانون أول (ديسمبر) عام 1932م بخط يد يوسف سلمان يوسف (فهد) بعنوان “يا عمال وفلاحي البلاد العربية اتحدوا” وقد عالج المنشور الوضع السياسي في البلاد والهيمنة البريطانية. وفي 31 آذار (مارس) 1934م انعقد في بغداد المؤتمر التأسيسي الأول للماركسيين العراقيين حضره كل المتعاطفين مع الفكر الشيوعي وأعلنوا في ختامه توحيد منظماتهم تحت إسم (لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار) وانتخبت أول لجنة مركزية، وفي العام 1935م، اتخذت اللجنة المركزية قراراً بإعلان اسم (الحزب الشيوعي العراقي) بدلاً من الإسم السابق . وقد تلقى الحزب لضربة قوية من قبل الحكومة العراقية في عام 1937م، شملت اعتقال قادة الحزب ومعظم كوادره، كما فضلَ البعض الإنسحاب من العمل الحزبي وتقديم البراءة من الشيوعية، ظن جميع المراقبين أن الشيوعية في العراق قد إنتهت وأن الحزب الشيوعي لن تقوم له قائمة في العراق بعد، لكن الأمور تغيرت بعد عودة (فهد) إلى العراق في 30 كانون الثاني (يناير) 1938م الذي أمضى الأشهر الستة الأولى من عودته متنقلا بين مدن وقصبات العراق ليتعرف بنفسه على الأوضاع الاجتماعية والسياسية ودراستها،
وفي عام 1939م فوجئت السلطات العراقية بإستعادة الحزب الشيوعي العراقي عافيته وعاد للظهور كمنظمة سياسية راعية للطبقة العاملة العراقية من خِلال إصدار منشور حدد فيه مطالب الشعب كان من أبرزها حقه في تشكيل النقابات العمالية والأحزاب السياسية، ثم عزز الحزب من حضوره من خلال إصدار جريدة ” الشرارة ” في كانون الثاني (يناير) من عام 1940م.
ونشأت أحزاب كردية مثل هيو (الأمل) وقد تأسس عام 1937 بمبادرة من بعض المثقفين والضباط الأكراد، ومن قادته مصطفى العزيري ويونس رؤوف، وكان يصدر صحيفة آزادي (الحرية)، وتم تأسس الحزب الديمقراطي الكوردستاني وهو حزب قومي ليبرالي وأحد الأحزاب الكردية الرئيسية المناضلة في العراق في 16 آب عام 1946 بقيادة مصطفى البارزاني، في البداية كان اسم الحزب هو (الحزب الديمقراطي الكردي) ولكن في المؤتمر الثالث بتاريخ 26/1/1953 المنعقدة في مدينة كركوك، تقرر تغيير الاسم إلى (الحزب الديمقراطي الكوردستاني) وكان الحزب منذ نشوئه عام 1946 إلى التسعينيات يدعوا إلى الحكم الذاتي لأكراد العراق والديمقراطية للعراق ويكثر أتباعه في منطقة أربيل ودهوك في النصف الشمالي من كردستان العراق وله مكاتب وفروع واتباع في اكثر المحافظات العراقية و قاد الحزب الحركات المسلحة ضد السلطات المركزية في بغداد منذ تأسيسه، وهو لا يخفي رغبته في تأسيس دولة كردية في نهاية المطاف لكنه يقبل حاليا بالبقاء ضمن عراق فدرالي تكون فيه كردستان إقليم شبه مستقل بصلاحيات واسعة، وللحزب علاقات جيدة مع تركيا والولايات المتحدة والدول الغربية إلا أن علاقاته مع إيران ليست على ما يرام غالبا. “الأحزاب الكردية العراقية ترجع إلى الأربعينيات من القرن الماضي وقد وصلت في مطالبها إلى الفيدرالية ضمن حدود العراق”
وقد تبلورت الحياة السياسية والحزبية بعد الحرب العالمية الثانية في تيارين:
1-التيار المحافظ ويعبر عنه حزب الحكم “الاتحاد الدستوري” بقيادة نوري السعيد ومنافسه حزب الأمة الاشتراكي الذي كان يرعاه الأمير عبد الإله بن علي الوصي على العرش.
2-التيار التحديثي من جميع الاتجاهات والأحزاب والأفكار ومنهم القوميون (حزب الاستقلال، والبعث، والأحزاب الكردية) والاشتراكيون والماركسيون
أسس ـ الحزب الوطني الديمقراطي (1946م)،وترأسه كامل الجادرجي إلى أن تم حل الحزب عام 1961م. ساهم هذا الحزب في العمل السياسي في العراق خلال العهد الملكي بكونه من أوائل الأحزاب في العراق الحديث إلى جانب حزب الاستقلال، ورغـم أن فلسـفة مؤسسيه كانت ديمقراطية اشتراكية معتدلـة لكن الحزب لم يتطرق بشكل مباشر إلى الاشتراكية ، تحاشياً لإعتباره حزباً شيوعياً ، ومما يؤشر على الحزب الوطني الديمقراطي أنه كان متسقاً مع قضايا التيارات العربية القومية بذلك الوقت كقضايا التحرر والاستقلال والوحدة.
اما نشأة حزب البعث في العراق فكان في أوائل الخمسينيات امتدادا للحزب الذي نشأ في سورية في الأربعينيات على يد طلاب سوريين يدرسون في العراق من أبناء لواء الإسكندرونة، مثل: فايز إسماعيل، وأدهم مصطفى، وكان من أوائل البعثيين العراقيين عبد الرحمن الضامن وتوفيق القيسي وفؤاد الركابي وشفيق عبد الجبار الكمالي وعبد الخالق الخضيري وسعدون حمادي الذي كان يدرس في الجامعة الأمريكية في بيروت وسعاد خليل.
وقد بدأ الحزب عمله المنظم عام 1952 وبدأ ينتشر في المحافظات، وفي عام 1953 شكلت قيادة قطرية ضمت فؤاد الركابي (أمين السر) وفخري ياسين قدروي وجعفر قاسم حمودي وشمس الدين كاظم ومحمد سعيد الأسود، وانتظم مع الحزب طلبة عرب كان ينسق أعمالهم مكتب الطلبة العرب في الحزب عام 1954، ومن بين الطلاب الذين كانوا في الحزب عبد الرحمن منيف (الروائي السعودي) وسليمان القضاة نقيب الصحفيين الأردنيين ورئيس تحرير صحيفة الرأي اليومية. وأنشأ الحزب تنظيما عسكريا وكان من ضباط الحزب علاء الجنابي وسالم السعدي.
ويقال ان عبد السلام عارف شكل جبهة من الأحزاب القومية سميت “الاتحاد الاشتراكي العربي” شارك فيها من الأحزاب القومية الحزب العربي الاشتراكي و الوحدويون الاشتراكيون وحزب الاستقلال وحركة القوميين العرب وشخصيات مستقلة مثل عبد العزيز الدوري (وكان رئيس جامعة بغداد) وعبد الهادي الراوي، وقد حلت الأحزاب نفسها واندمجت في التنظيم الجديد،ثم قامت مجموعة من الاتحاد بتشكيل مجموعة سرية كانت تعتقد أن عبد السلام عارف يريد السيطرة على الحزب والانفراد به ولم يكن يقبل شراكة معه، ومن قادة هذه المجموعة خير الدين حسيب وفراد الركابي وأديب الجادر، وسمي هذا التنظيم “الحركة العربية الاشتراكية”،ثم شكلت مجموعة أخرى حزب الوحدة العربية ومن قادته صبحي عبد الحميد وخالد علي الصالح، وكان هذا الحزب قائما على مجموعة تركت الحركة العربية الاشتراكية….يتبع