بما ان منطقة باب الشيخ هي من المناطق المهمة في القرار السياسي وكان لها دور مهم في صيغة الدولة من خلال بعض شخصياتها المؤثرة في وضع لبناتها فيجب ان نلقي نظرة تاريخية وبشكل موجز عن مراحل التاريخ السياسي للعراق بعد تأسيس الدولة العراقية ،فما أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها حتى بات العراق تحت الانتداب البريطاني، وذلك بقرار من مؤتمر الحلفاء في “سان ريمو” 25/نيسان/1920 ،الذي قضى بوضع العراق وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، أما سوريا ولبنان فأمست تحت الانتداب الفرنسي.هذا القرار ومضامينه السياسية سبب صدمة للعراقيين الذين كانوا يأملون بالاستقلال ،ولما خاب أملهم به ، بادروا بالدفاع عن حقوقهم المشروعة من خلال المطالبات السلمية والانتفاضات المسلحة التي أطلق عليها ثورة العشرين التي عمت الكثير من مناطق العراق وساهم الغزو البريطاني للعراق 1914-1917 في تعزيز الشعور الوطني للعراقيين من خلال المساهمة الفعالة في أعمال المقاومة للغزو الإنكليزي، عندما التحمت عشائر الفرات مع القيادات الدينية الشيعية في محاربة الجيوش الزاحفة نحو بغداد. وقد التحمت معها في عدة معارك ، وساهمت قوات المجاهدين في تأخير سقوط بغداد ثلاث سنوات.وبَعْدَ أَنْ عُقِدَ مُؤْتَمَرُ الْقَاهِرَةُ عَامَ 1920 م عَلَى أَثَرِ تلك الثَوْرَةِ الشعبية العارمة والتي تحول الشعب العراقي فيها إلى نقمة ثورية ضد المحتل الانكليزي وبادروا إلى تشكيل جمعيات تطالب بالاستقلال، مثل حرس الاستقلال وجمعية العهد، اللتين تأسستا عام 1919م. ثم تطورت الأمور على شكل ثورة عارمة أثر استياء الشعب العراقي وغضبه مما دفعه للثورة و شملت معظم المدن العراقية وكانت للمرجعية الشيعية الدور الكبيرفي تحريك الأجواء وقيادة الثورة مع مشاركة العديد من الأطراف السنة للتخلص من الاحتلال ونيل الاستقلال منّ الْاحْتِلَالِ الْبَرِيطَانِيِّ وَضِدَّ سِيَاسَةِ تَهْنِيدِ الْعِرَاقِ الذي يعله ولاية من ولاياتها مثل الهند ، وأَصْدَرَ الْمَنْدُوبُ السَّامِيِّ الْبَرِيطَانِيِّ بيرسي كوكس مجبراً بعد ذلك الضغط الجماهيري الإصدار أَوَامِرَهُ بِتَشْكِيلِ حُكُومَةٍ وَطَنِيَّةٍ عِرَاقِيَّةٍ انْتِقَالِيَّةٍ بِرِئَاسَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكيلَانِيِّ النَّقِيبِ الذي كان من سكان منطقة باب الشيخ ولازال بيته في المنطقة قريب من رأس الساقية رغم هذه السنوات في مكانه ولكن البيت هو بعيد عن الصيانة كمعلم تاريخي يجب ان يبقى تحت رحمة الحكومة للعناية به قبل ان تتساقط اخر حجراته ، وَتم تَشْكِيلِ الْمَجْلِسِ التَّأْسِيسِيِّ الَّذِي تَوَلَّىمِنْ ضِمْنِ الْعَدِيدِ مِنَ الْمَهَامِ التي تم بموجبها انْتِخَابَ مَلِكٍ عَلَى عَرْشِ الْعِرَاقِ، وَتَشْكِيلَ الْوِزَارَاتِ وَالْمُؤَسَّسَاتِ وَالدَّوَائِرِالْعِرَاقِيَّةِ ، وَاخْتِيَارَ السَّاسَةِ الْعِرَاقِيِّينَ لِتَوَلِّي الْمَهَامِّ الْحُكُومِيِّةِ. تَمَّ وَضْعُ مُسْتَشَارٍ إنكليزي بِجَانِبِ كُلِّ وَزِيرٍ وَأَعْلَنَتْ بَرِيطَانِيَا عَنْ رَغْبَتِهَا فِي إِقَامَةِ مَلَكِيَّةٍ عراقية، حَيْثُ رَشَّحَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ خِلَالِ مَجْلِسِهِمُ التَّأْسِيسِيِّ الْأَمِيرَ فَيْصَل بْنَ الشَّرِيفِ حُسَيْنٍ مَلِكَاً عَلَى الْعِرَاقِ، فِي 23 آب (أغسطس) م 1921 وتمكن من ان يحصل على تأييد عارم من الشعب العراقي ليكون ملكا على البلاد و اضطر إثرها لتوقيع اتفاقيات امتياز مع الإنكليز .مرت المملكة العراقية بظروف موضوعية قاهرة منذ تأسيسها جراء النشأة الفتية للدولة والقوى الدولية الطامحة للسيطرة على مقدراتها والهيمنة على سياساتها وعلى رأسها بريطانيا . منذ البداية انشطرت مراكز القوى السياسية إلى تيارين مختلفين في التوجهات والتي تمثل اللاعب الرئيسي في المسرح السياسي فهنالك طبقة النخبة الوطنية التي لعبت دوراً في تأسيس الدولة العراقية من السياسيين والضباط المنتمين للجمعيات السرية التي كانت تنادي باستقلال العراق عن الدولة العثمانية وبعد إِجْرَاءِ الْانْتِخَابَاتِ فِي الْمَجْلِسِ كَانَتْ نَتِيجَتُهَا 95% لِفَيْصَل ليكون ملك على العراق ،وَأَجْبَرَتْ بَرِيطَانِيَا فَيْصَل عَلَى تَوْقِيعِ مُعَاهَدَةٍ مَعَهَا فِي 10 تِشْرِينَ الْأَوَّل (أُكْتُوْبَر) 1922 م، تَضَمَّنَتْ بَعْضَ أُسُسَ الْانْتِدَابِ الْبَرِيطَانِيِّ، ومن هنا بدأت مرحلة التعاون بين السياسيين العراقيين ومن وجهاء وشيوخ قبائل إقطاعيين اصحاب اراضي زراعية للتعاون مع السلطة المحتلة في خلق نظام سياسي جديد يحكم العراق بصورة مختلفة عن وضعه السابق وتشريع القوانين والمشاريع السياسية ، وتطبيق نظام قانوني برلماني وتأليف حكومة تؤمن احتياجات البلد، وبالفعل تشكل النظام السياسي الذي يحكم المرحلة تلك ليقود البلاد نحو مرحلة جديدة من تاريخه. صدرت الإرادة الملكية في 19 أكتوبر 1922م بتشكيل المجلس التأسيسي ليقر تأسيس الوزارات والمؤسسات الحكومية وصياغة دستور المملكة ، وقانون انتخاب مجلس النواب، والمعاهدة العراقية البريطانية. واختير عبد الرحمن النقيب الكيلاني أول رئيس وزراء في المملكة العراقية الذي أخذ تعهد من الإنجليز بعدم الاعتداء على اي عراقي كان ذلك في عام 1917 بعد ان شكل وفداً لمقابلتهم ،ثم خلفه الشخصية الوطنية عبد المحسن بيك السعدون, كما سمح الملك فيصل بإنشاء الأحزاب السياسية على النمط الأوروبي في عام 1922 م.في عام 1924 تم التصديق على معاهدة 1922 م التي تؤمن استقلال العراق ودخوله عصبة الأمم وحسم مشكلة الموصل وقد مرت المملكة العراقية بظروف سياسية قاهرة منذ تأسيسها جراء النشأة الفتية للدولة والقوى الدولية الطامحة للسيطرة على مقدراتها والهيمنة على سياساتها وعلى رأسها بريطانيا و على الصراع السياسي المركبة على التناقض الفكري بين مراكز القوى المنشطرة إلى تيارين مختلفين في التوجهات والتي تمثل اللاعب الرئيس في المسرح السياسي فهناك طبقة النخبة العراقية التي لعبت دوراً في تأسيس الدولة العراقية من السياسيين والضباط المنتمين للجمعيات السرية التي كانت تنادي باستقلال العراق عن الدولة العثمانية كون ارتباطه مع الولايات العربية الأخرى أكثر من ارتباطاً مع الدولة التركية كما عملت هذه التيارات على استقلال العراق عن السياسة البريطانية وهيمنتها على مصالحه الاقتصادية والمعارضين لها من أعضاء المجلس التأسيسي ورئيسه عبد الرحمن النقيب الذي اصبح اول رئيس وزراء للعراق فيما عرف بالحكومة الانتقالية ، ومن زعماء هذا التيار تحت تأييد الملك فيصل الاول والملك غازي وعبد الرحمن النقيب وعبد المحسن السعدون ورشيد عالي الكيلاني وياسين الهاشمي وطه الهاشمي وغيرهم . أما التيار الأخر فيتمثل بمجموعة اخرى من السياسيين والضباط الذين يرون بضرورة ارتباط العراق ببريطانيا وشجعوا هيمنتها على اقتصاده وسياسته وهم مجموعة الساسة والضباط المتأثرين بالمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس وممثلة المصالح البريطانية في العراقية مس بيل مستشارة ملوك الصحراء وهي امرأة بريطانية وضعت بصماتها على الخطوط الحمر للخارطة العراقية الحديثة في إطار الخارطة الكبرى للشرق الأوسط، وصنعت أول ملوك البلاد والتي غابت عن الذاكرة العربية الجمعية لعقود طويلة “، على عكس الإصدار الذكوري منها لورانس العرب، وذلك على الرغم من أنها كانت أهم امرأة في منظومة الاستعمار البريطاني وفي المنطقة العربية في تلك الفترة، حيث كانت أحد الخبراء الـ39 الذين دعاهم وينستون تشرتشل لمؤتمر القاهرة عام 1921 للتشاور معهم حول مخطط تقسيم الشرق الأوسط في فترة انهيار الإمبراطورية العثمانية، ورسم حدود الدول القومية في المنطقة..والتي لعبت دوراً كبيراً في رسم السياسة العراقية وتتويج الملك فيصل الاول على عرش العراق ” والتي ماتت ولم تبلغ الرابعة والخمسين عاماً، في ظروف غامضة، وبلا مبررات مقنعة، وجدت صانعة الملوك المنسية مسجاة على سريرها في بغداد مفارقة الحياة عام 1926،كان لهذه الشخصية السياسية تجربتان عاطفيتان فاشلتان مرّت بهما بيل سابقًا. الأولى عندما كان عمرها 24 عامًا، تقدّم لخطبتها دبلوماسي شابّ ولكن والدها الغنيّ رفضَه بحجة عدم التكافؤ واضطرت هي لإنهاء العلاقة. تجربتها الثانية كانت عميقة ومأساوية وتركت تأثرًا كبيرًا عليها ، فقد وقعت في حب العقيد تشارلز دوتي ويلز الذي سلب عقلها. وقد قيل الكثير عن الموت الدراماتيكي لها، ومن بين ما قيل، أنها تناولت حفنة من الأقراص المنومة لتنهي حياتها الحافلة.. ولكن لماذا؟ هذا هو السؤال الذي لم يجب عليه أحد حتى الآن” ، ومن زعماء التيار المؤيد لبريطانية و الذي لاقى تأييد من الوصي على العرش الامير عبد الاله هم نوري السعيد و صالح جبر وناجي شوكت وغيرهم. لقد مثلت الحقبة الاولى… او المملكة العراقية الأولى بزعامة الملك فيصل الاول وغازي الأول بكونها فترة تأسيس الدولة العراقية وبناها التحتية وتميزت بالنزعة الوطنية والطموح لبناء دولة تستضيف عاصمة الخلافة بعد سقوطها في تركيا متنافسة مع الاسرة العلوية في مصر والاسرة السعودية في الحجاز ومن أهداف هذه الدولة اعادة الوحدة مع الولايات العربية المنفصلة عن الدولة العثمانية والتي تشكلت منها دولا حديثة ناقصة الاستقلال وقد عرف عن الملك فيصل الاول برجاحة عقلة ودبلوماسي تهو ابتعاده عن المواقف الحادة في سياسته الداخلية والخارجية خصوصا مع الانكليز إلا أن توجهات الملك غازي الاول 1933 – 1939 الوطنية والاكثر صرامة ومن ثم وزارة رشيد عالي الكيلاني باشا والضباط الأربعة عام 1941 المناهضة للمد البريطاني كان لها الأثر والصدى لدى الشارع العراقي الذي أصيب بإحباط كبير عند دخول الجيش البريطاني وإسقاط الحكومة بغية تنفيذ استراتيجيات الحرب العالمية الثانية في العراق والمنطقة..يتبع