المعروف في كتب التاريخ الاسلامي ان التقويم الهجري او القمري لم يقر بنص من القران الكريم او الحديث الشريف خلال فترة حياة الرسول محمد (ص)، وخلال فترة خلافة ابو بكر الصديق (رض)، وانما اقر من قبل الخليفة عمر بن الخطاب (رض)، لتلبية حاجات ادارة الدولة الاسلامية ولتحديد المناسبات الدينية كشهر رمضان والاعياد وتحديد بدايات ونهايات الشهور غيرها.
ولا ينكر ان التقويم الهجري القمري الذي اقر سنة 17 للهجرة، هو بالاصل تقويم لعرب الجاهلية اتفق عليه قبل ظهور نبي الاسلام باكثر من 200 سنة من قبل سادة ورؤساء القبائل العربية في مكة، وفي تلك الفترة حدد عدد شهورها واسمائها وحل قصر السنة القمرية مقارنة بالشمسية من خلال اضافة شهر كل اربع سنوات، وذلك لسد الفرق الحاصل وهو تقريبا 11 يوم بين التقويم القمري والتقويم الشمسي.
ومنذ ذلك الحين سميت الشهور بالربيع الاول والربيع الاخر وذي الحجة وذي القعدة ورجب وشعبان ورمضان ومحرم وصفر ومحرم وجمادي الاول وجمادي الاخر، وبقي نفس الاسماء خلال ظهور الدعوة الاسلامية وما بعدها خلال الخلافة الراشدية والدولة الاموية والدولة العباسية والى يومنا هذا.
ولكن يسجل على هذا التقويم سلبيات كثيرة، وعلى رأسها انه لا يمثل التقويم الصحيح لحساب عدد االشهور والايام والاسبايع بالضبط خلال الدورة السنوية للفصول المناخية لتحديد مواقيت الزراعة والاعمال الحياتية المرتبطة بحياة الافراد والمجتمعات، ومن اهم سلبياته:
(1) تغير مواقيت المناسبات والشعائر الدينية الاسلامية وعدم ثبوتها وتحركها خلال الفصول ومواسم الحر والبرد، وعدم دقة دورات الشهور واختلاف بداية ونهايات الاشهر القمرية، وقصر الدورة السنوية الهجرية عن التقويم الشمسي بـ 11 يوم.
(2) مرور شهر رمضان وعيدي الفطر والاضحى بمواسم فصلية متتالية ومرورها بفصل الصيف تارة وفصل الشتاء تارة اخرى، وفصل الربيع تارة وفصل الخريف تارة اخرى، وهذا ما يجعل ايام الصوم مرة طويلة وحارة جدا ومرة قصيرة وباردة جدا، وتتيه على الصائمين تحديد اول شهر رمضان بالضبط بسبب اختلاف الدوران كل سنة وتقدمه على السنة اللاحقة باكثر من عشرة ايام..
(3) التغيير المتوالي السنوي للتوقيت والتاريخ الصحيح لليلة القدر التي انزل فيها القران الكريم، حيث يتغير موعدها كل سنة بعشرة ايام، وهذه مخالفة كبيرة لنص القران وللتقدير الرباني لليلة القدر، فلا يعقل ان يكون اول ليلة قدر في شهر رمضان نزل فيها القران خلال البدايات الاولى لظهور الدعوة الاسلامية يحتفي بها المسلمون في مواقيت مختلفة تماما عن اول توقيت لها، فتمر الليلة على مدار السنة وفي كل الفصول وفي كل الشهور الشمسية وعلى مدى 33 سنة، فتعود من جديد للابتداء بدورة لاحقة.
(4) التسبب في اختلاف المذاهب الاسلامية على تحديد اول ايام شهر رمضان والعيدين واول ايام بقية الشهور لتحدبد المناسبات واقامة الشعائر اللازمة، والاختلاف السني الشيعي الشائع على مواعيد تحديد اول يوم للصوم وتعيين العيدين مازال قائما منذ قرون طويلة، وذلك بسبب الاعتماد على التقويم الهجري القمري.
(5) عدم القدرة على تحديد مواقيت الاعمال الزراعية والحياتية والعملية والتجارية حسب التقويم الهجري، وذلك بسبب عدم اكتمال دورته السنوية بعدة ايام، واختلاف اشهره مقارنة بالتقويم الشمسي الذي يكمل دورته السنوية بالتمام والكمال ويتم من خلاله تحديد مواقيت ثابتة للفصول والشهور والاسابيع والايام وحتى الساعات، وهذا الدور بالحساب الشمسي تعتمد عليه اساسا حياة البشرية وكافة الكائنات والمخلوقات على كوكب الارض، ولذلك يعتمد كل الاعمال الحياتية والزراعية والحسابية والصناعية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية للغالبية العظمى من المجتمعات البشرية على التقويم الشمسي.
اضافة الى السلبيات السابقة للتقويم القمري الهجري، فان اهم الاشكاليات التي خلفه هي تحديد سنوات الولادة والوفيات لاغلب الشخصيات القيادية الدينية بالاسلام، فمثلا حسب اتفاق الاعلبية حدد يوم وفاة الرسول بتاريخ 12 ربيع الاول سنة 11 للهجرة، ويقال انه يصادف 8 يونيو سنة 632 للميلاد، وبما ان العالم الاسلامي يعتمد على التقويم القمري فمن غير المعقول والمنطق استدارة يوم وفاة النبي كل 33 سنة على مدار كل الفصول واالشهور الشمسية.
وكذلك الاختلاف بالنسبة ليوم ميلاد الرسول (ص)، حيث يتفق اهل اغلب المذاهب ان النبي ولد يوم الاثنين 12 ربيع الاول سنة 52 قبل الهجرة، المصادف 20 نيسان سنة 571 للميلاد المعروف بعام الفيل، وعندما يحتفل بهذا اليوم وفقا للتقويم الهجري القمري فمن غير العقلانية الاحتفال بميلاد الرسول مرات بالصيف ومرات بالشتاء ومرات بالخريف ومرات بالربيع، بينما الموعد وميقات الولادة ثابت حسب الزمان والمكان وله دورة واحدة بالسنة، ولا يمكن تمريره كل سنة في شهر شمسي مختلف وهو الثابت بالاصل.
والتوقيت الصحيح لنزول القران الكريم ليس فيها اتفاق والاراء تتجه الى العشر الاواخر من رمضان، والاخير شهر متحرك متنقل بين الشهور الشمسية، وهنا يتعرض المسلم الى اختلافين الاول عدم ضبط يوم نزول القران، والثاني الرمضان المتحرك الذي يدور في فلك حسابات الدورة السنوية الميلادية، ويدخل التقويم الهجري في دوامة تدوير دائمة للمواعيد الزمنية من الايام والاسابيع والشهور، والمشكلة ان كل المسلمين على تماس وتعايش مع الخلافات الحسابية للتقويمين القمري والشمسي منذ 1442 سنة تقريبا.
والغريب فيما يتعلق بهذا الامر فان اغلب الوحدات الزمنية المذكورة في القران الكريم محسوبة وفقا للحسابات والتوقيتات الشمسية، وتقويم عمر الخيام استدرك الاخطاء الزمنية والفلكية للمناسبات الدينية الاسلامية فوضع تقويما نسبة الخطأ فيه لا تتجاوز يوم واحد كل ثلاث مليون سنة مقارنة بالتقويم الميلادي الذي تكمن نسبة خطأ يوم واحد فيه كل 3400 سنة، ولابد من التذكير ان اجزاء الزمن التي جاءت في ايات مختلفة من القران الكريم، فان اغلبها معدة حسب المواقيت الشمسية، والقليل منها مرتبط بحسابات التقويم القمري، والايات التي وردت فيها اجزاء الزمن هي ما يلي:
(1): الالفاظ والتراكيب الدالة على الزمن في القران الكريم وتتضمن: العصر بمعنى الزمان او الدهر بسرائه وضرائه “العصر:الاية1″، والاجل بمعنى مدة زمنية “القصص:الاية29″، والحين بمعنى مقدار معين من الزمن “الانسان:الاية1″، والميقات بمعنى وقت معلوم “الاعراف:الاية142″، وموقوتا بمعنى اوقات محدودة “النساء:الاية103″، والميعاد بمعنى ظرف الوعد من زمان او مكان “سبأ:الاية30″، والامد بمعنى المدة “الكهف:الاية12″، والقدر المعلوم بمعنى فترة محددة قد تكون بالشهور “المرسلون:الاية22″، وآناء بمعنى ساعات الليل “طه:الاية130”.
(2): الوحدات الدالة على الزمن في القران الكريم، وتتضمن الساعة “يونس:الاية45″، واليوم “البروج: الاية2″، والايام “آل عمران:الاية140″، وسبعة بمعنى اسبوع من سبعة أيام “البقرة:الاية196″، والشهر “البقرة:الاية185″، وشهور “التوبة:الاية36″، وأشهر “الطلاق:الاية4″، وشهرين “المجادلة:الاية4″، والسنة “الاحزاب:الاية19″، والسنين “الاسراء:الاية12″، والعام “الهنكبوت:14″، وعامين “لقمان:الاية14″، والحجة من حجج بمعنى سنين “القصص:الاية27″، والحول بمعنى السنة “البقرة:الاية240″، وحولين بمعنى سنتين “البقرة:الاية233″، والحقب بمعنى زمان من الدهر “الكهف:الاية60″، والاحقاب ازمان من الدهر “النبأ:الاية23”.
(3): وحدات اجزاء النهار في القران الكريم، وتتضمن الفجر “الفجر:الاية1″، والصبح “هود:الاية81″، والابكار “آلعمران:الاية41″، والغدو “غافر:الاية46″، والاشراق “ص:الاية18″، والضحى “الضحى:الاية1″، والظهيرة “النور:الاية58″، والعصر “العصر:الاية1″، والعشية “الانعام:الاية52″، والآصال “الاعراف:الاية205”.
(4): وحدات اجزاء الليل في القران الكريم، وتتضمن الشفق “الانشقاق:الاية16” والغسق “الفلق:الاية 3” والزلفة “هود:114” والمغرب “ق:الاية 39” والعشاء “النور:الاية 58” والسحر “القمر:الاية34” والعسعسة “التكوير:الاية 17”.
وبالرغم من وجود بعض الخلافات حول تحديد يوم مولد ووفاة النبي محمد (ص) بين المذاهب الاسلامية، ولكن يبدو ان وفاة الرسول متفق عليه بيوم الاثنين 12 ربيع الاول سنة 11 هجرية، الموافق 7 تموز 633 للميلاد، و اغلب الاراء تذهب الى تحديد يوم 12 ربيع الاول من سنة 52 قبل الهجرة المغروف بعام الفيل بيوم مولد النبي (ص)، الموافق ليوم 20 او 22 والراي الغالب تذهب الى يوم 20 من نيسان عام 671 ميلادي، ويبدو ان سياق الاحتفالات بالمولد النبوي قد اعتمد على اليوم العشرين من نيسان في عهد سلاطين القرون الماضية بالعراق ومصر.
وبالاستناد الى ادلة قرانية نجد ان الاية الكريمة (شهر رمضان الذي انزل فيه القران) البقرة: 185، فيه تأكيد الهي على ان القران قد نزل في شهر رمضان، واكيد فان هذا الميقات او الميعاد بشهر محدد لابد ان يكون ثابتا على مدار السنة، وان لا يكون متحركا، فلا يعقل ان يكون جوالا مرة في سنة وميقاته يختلف عن ميقات السنة اللاحقة وهكذا تتلاحق ميقات شهر رمضان بالتغيير الى ان تعود الى ميقاته الاول بعد مرور 33 سنة.
ومن المهم ان نوضح بشأن أمر اخر في نفس الاية الكريمة وهو المقصود بـ (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)البقرة185، فكلمة شهد يعني من اقبل على شهر رمضان في اي مكان فليصمه، ولا يعني من شهد هلال رمضان وانما المقصود هو الشهد بالشهر فقط وليس بأمر اخر.
وهذا يعني ان شرط رؤية هلال رمضان قد ورد فقط في الاحاديث وليس في ايات القران الكريم.
ولهذا وبما ان القاعدة القائلة (بريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، فان اعتماد المسلمين على حسابات التقويم الشمسي ايسر وافضل واعقل من الاعتماد على التقويم القمري الهجري.
وبناءا على ذلك فان الضرورات الاسلامية تقضي بتثبيت التقويم الهجري على يوم محدد متفق عليه من قبل الجميع، ويوم المولد النبوي الشريف يوم مشهود وله شأن كبير لدى المسلمين، ويعتبر من الايام المباركة، ولهذا يقترح ما يلي:
(1): اعتماد تقويم جديد باسم التقويم الميلادي الاسلامي يعتمد في حساباته على حسابات الدورة الشمسية.
(2): اعتماد يوم ولادة الرسول (ص) اول يوم بالتقويم الجديد، وتعديل تواريخ كافة الاحداث الاسلامية وفقا للتقويم الميلادي الاسلامي الجديد.
(3): تحديد موعد ثاتب لشهر رمضان وعيد الفطر وعيد الاضحى، يعاد كل سنة في ميقاته دون تحريك او عبور على فصول السنة.
(4): اعتماد جميع المسلمين على التقويم الميلادي الشمسي في تمشية امورهم الحياتية والمعيشية والتجارية واالمالية والاقتصادية، وذلك تماشيا مع التقويم الميلادي المعتمد عالميا في جميع بقاع العالم.
(5): القبول بالتقويم الميلادي الاسلامي الجديد والاعتماد عليه فقط في تحديد المناسبات والشعائر الدينية الاسلامية، وتعيين ايام شهر رمضان والعيدين وفقا لحسابات التوقيت العالمي، فمن يقبل عليه شهر الصوم حسب التوقيت الدولي فليصمه، والله يريد بالانسان اليسر ولا يريد به العسر.
واخيرا يمكن الاتفاق على التقويم الفلكي الذي تصدره بعض المراجع والمراصد الفلكية في العالمين العربي والاسلامي، واعتبار مكة المكرمة النقطة الزمنية الرئيسية بالنسبة لخطوط الطول المعتمدة زمنيا، ولكن هذا الجهد بحاجة الى تشكيل مجلس علمي متخصص على مستوى منظمة الدول الاسلامية لدراسة مشاكل التقويم الهجري القمري والاتفاق على تقويم موحد جديد يعتمد على سنة ولادة النبي محمد (ص) بداية له، وبهذا يمكن للمسلمين ان يصوموا ويعيدوا بوقت واحد ثابت توازيا مع مجرى توقيتات السنة الشمسية.
بالختام نأمل ان يتقبل القاريء الكريم فكرة المقال كرأي وتعبير حر قابل للنقاش، وهو خاضع للرد عليه ولكن بهدوء، مع تمنيات التوفيق والصحة والعافية للجميع في شهر رمضان المبارك الذي انزل فيه القران الكريم، والمطلوب اعادة كتابته بالحرف الاملائي الصحيح.
والله من وراء القصد..
(*) كاتب صحفي