الامة العربية المتحدة والوحدة العربية ستكون رهاننا القادم كشعوب وكأنظمة رسمية لأن العالم يرانا “كعرب” وك “أمة واحدة” ليس لأننا نريد ذلك “عاطفيا” وضمن رومانسية “فكرية!” بل لأنها مسألة مصير وحالة “واقعية” وهي رهاننا للمستقبل لأن التغيير والتطور الحاصل في العالم اجمع وبمنطقتنا بالخصوص والبلدان المحيطة بنا ومنها تركيا والجمهورية الإسلامية الايرانية هو “تحول” كبير يشمل تكتلات ضخمة، وكذلك تغيير لخطوط التجارة الدولية ومشاريع امبراطوريات قطبية قادمة وكذلك هناك تسارع للتحالفات كلها ستنعكس اثارها على المنطقة العربية والتي ستجد نفسها بلا حماية من الانهيار إذا لم تتدارك الامر.
ان هناك مسألة البقاء والاستمرار لدول ضعيفة وصغيرة الحجم غير قابلة للحياة ولا يمكن حدوث نمو حقيقي فيها ولا امن بظل هذه الكتل الدولية الضخمة الجبارة من حولها لذلك لا حل امامها الا بالوحدة العربية “الحقيقية” للتحول الى قوة دولية مهمة تستطيع ان تفرض نفسها وتكون صاحبة قرار.
وكلنا نعرف ان بالماضي القريب ان الصين كانت تعتبر من دول العالم الثالث وهي لا تملك شيئا من إمكانيات العالم العربي المتوفرة فيها نظرا لتعداد الصين السكاني، والان الصين قفزت قفزة جبارة وفرضت نفسها كقوة دولية متقدمة واصبحت دولة تملك عوامل الاستقلال والسطوة كحالة امبراطورية قطبية ولو كانت منطقتنا العربية “متحدة” ستستطيع التقدم أسرع من الصين حيث لدى العرب الطاقات البشرية الهائلة والثروات والمساحة الكبيرة والعقول المبدعة والأراضي الزراعية ويمكنها عند اتحادها من التحول الى قوة دولية مهمة.
ان الانتقال الامبراطوري القادم من منظور جيوسياسي الى عالم متعدد الأقطاب، هو انتقال سيصنع تغيير في حدود البلدان، وهو سيخلق مجالات جديدة للنفوذ ومواقع للسيطرة مختلفة، ومن لا يستطيع قراءة ذلك ولا التعامل مع ما سيستجد من تطورات فمصيره “الاختفاء” من خارطة العالم، كما اختفت الإمبراطورية العثمانية ؟! وكما انتهت الإمبراطورية الهنغارية النمساوية وكما انهار “الاتحاد السوفيتي”.
هذا “الانتقال الامبراطوري” المترقب والقادم، لديه مواقع تأثير واضطراب وتفجير “صواعق تفجير” والموقع الأرميني الاذربيجاني هو أحد هذه المواقع حيث تطل مسألة ناغورني كاراباخ والسيطرة عليها والتي هي تقع ضمن بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا وإيران وتعيش فيها قومية ارمينية.
يقول الاستاذ سعيد الحاج:
“إن تفجر الاشتباكات مجددًا بين أرمينيا وأذربيجان بعد حوالي 22 عامًا من انتهاء الحرب بينهما بسبب إقليم ناغورني كاراباخ يشير بشكل واضح إلى خطورة الأزمات المبنية على اختلافات إثنية-حضارية وإلى دور الدول الإقليمية والعالمية الداعمة للفرقاء المتنازعين في الميدان -تحفيزًا وتثبيطًا-سواء بسواء.
بيد أن العلاقة بين الدول الداعمة والأزمة المحلية قد تتفاعل أحيانًا في الاتجاه المعاكس، بحيث يمتد النزاع المحلي المحدود ليصبح مواجهة إقليمية أو عالمية، كما حصل في أمثلة تاريخية في مقدمتها الحرب العالمية الأولى.
إن المواجهة الحالية في الإقليم المتنازع عليه تحمل صفات نزاعات ما بعد نهاية الحرب الباردة، وخصوصًا التدخلات الخارجية من عدَّة أطراف بسبب تشابكات العلاقات والمصالح والتنافس.”
أذربيجان هي ضمن مجال الداعم التركي الطوراني العنصري المتمثل في جمهورية تركيا المحكومة من “أسلام امريكي أطلسي!” والتي ترى نفسها كشرطي المنطقة على العرب وغيرهم في الشرق الاوسط حيث يستخدم الاتراك الطورانيين “العثمانية الجديدة” لأستحمار “الاغبياء والسذج” ويوظفون “حركة الاخوان المسلمين” ودورهم في المنطقة العربية له موقع دراسة ضمن قراءة تحليلية أخرى.
ولكن ضمن الموقع الاذري الأرمني ما تريده تركيا الطورانية العنصرية الأطلسية هو هذه المنطقة الممتدة من الاناضول الى جمهوريات كازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان ومنطقة شيجانغ الصينية وهو المجال الذي يمثل للجمهورية التركية ما تريد صناعته من مجال قومي عنصري طوراني تركي ممتد منها الى اقصى نقطة وهي تعتبر هذا المجال هو نطاقها الحيوي عبر ” أفكار قومية طورانية عنصرية اتاتوركية؟” غير موجودة في تلك البلدان !؟، والذي تقف في طريقه جغرافيا “أرمينيا” ك “حاجز” و “مصد” للنفوذ التركي الطوراني القومي نحو ارض اجدادهم – حسب اعتقادهم -التي جائوا منها الى ارض الاناضول، حيث “أحد اهداف” الجمهورية التركية الحالية هو التوحد والاتحاد ضمن ما تعتبره “هي” محيطها الإمبراطوري المطلوب ايحائه وايجاده ضمن PANTURK.
وهذا ما يخالف ويتناقض مع الخطة الروسية الإمبراطورية لصناعة “محور دولي” جديد مقاوم للحالة الأطلسية الانجلوساكسونية التي “جمهورية تركيا الحالية” جزء منها وأداة من ادواتها وخنجر مزدوج ضد الروس ومشروعهم “الاوراسي السلافي الأرثوذكسي الجديد” المتحرك في خط التطبيق والتنفيذ والذي يرى ان وجود “تركيا” على الخريطة ليس له تفسير قومي؟
وهو المشروع الذي يعتبر الجمهورية الإسلامية المقامة على ارض إيران “صديق” مطلوب انضمامه وصناعته وتقويته، كدولة امبراطورية قارية لديها فكر إسلامي ثوري ينطلق ضاما تأييد جمهوريات وشعوب جمهوريات اسيا الوسطى والتي هي تاريخيا “محافظات إدارية سابقة” كانت تابعة للإمبراطوريات الفارسية على مختلف تسمياتها.
هذا الضم “المطلوب روسياً” والهادف الى صناعة امبراطورية” إسلامية فكرية مؤدلجة قارية” تكون مساندة للخطة الروسية الهادفة لصناعة تعدد “دولي” متنوع الأقطاب الإمبراطورية مضاد للحلف الأطلسي الانجلوساكسوني ,الذي يريد صناعة نهاية للتاريخ والعالم ضمن ليبرالية جديدة منحرفة وساقطة إنسانيا واخلاقيا وبلا قيم او مبدأ وهذا ما تعتبره روسيا الحالية “هدف الغائي لها” و “خطر وجودي” عليها، ناهيك انه ضد كل ما هو دين “أي دين” وكل ما هو اخلاق “فطرية طبيعية” مع الترويج للشذوذ والانحراف الجنسي واختلاط الانساب وتفكيك العائلة.
جمهورية أذربيجان ذات الغالبية السكانية الإسلامية المنتمية الى المذهب الإسلامي الاثنى عشري، هي دولة ذات علاقة تحالفية عميقة مع الكيان الصهيوني، بشكل فج ومباشر حيث صرح رئيسها ان ما يظهر من التحالف هو فقط رأس جبل الجليد وتسعة اعشار التحالف هو مخفي تحت الماء؟ وأذربيجان كذلك هي المزود الرئيس للصهاينة بما يعادل الأربعين بالمائة من احتياجات هذا الكيان السرطاني الاستعماري المزروع في “دولة فلسطين العربية المحتلة” من النفط والغاز عن طريق تركيا “الحليف الاخر المعلن رسميا مع الصهاينة”.
وغير التبادل التجاري الملياري مع الاتراك والاذريين يوجد لدى الكيان الصهيوني نفوذ مزدوج داخل أذربيجان من خلال من هاجر اليها من “يهود أذربيجان من رجال الاعمال وخلافه” وكذلك حسب ما أعلنت جريدة التايمز البريطاني يوجد لدى الكيان الصهيوني قاعدة عسكرية استخباراتية امنية تطل منها على الجمهورية الإسلامية كموقع تأمر وهجوم “وحرب متوقعة” ومحطة “قصف جوي” ضدها.
يقول الباحث الروسي ألكسندر نازاروف:
“بعد تفكك الاتحاد السوفيتي مباشرة، تمكنت أرمينيا من بسط سيطرتها ليس فقط على مناطق قرة باغ، التي يسكنها الأرمن، وإنما أيضا على أراض أذربيجانية خالصة بنفس المساحة حول قرة باغ. ودفعت نشوة النصر تلك إلى نشوء أسطورة تفوق الجيش الأرمني على الأذربيجانيين داخل المجتمع الأرمني، لهذا رفضت أرمينيا جميع مقترحات التسوية، لسنوات عدة، بما في ذلك المقترحات التي تقدمت بها موسكو. وعزز هذا الموقف، حقيقة وجود قاعدة عسكرية روسية على أراضي أرمينيا، ووجود الأخيرة في معاهدة الأمن الجماعي، ما يحتم على روسيا واجب حمايتها من العدوان.”
أرمينيا المتحالفة عسكريا مع الروس و الحاجز الجغرافي الصاد للنفوذ التركي الطوراني العنصري المتحالف مع الصهاينة وحلف الناتو هي بالتالي ضمن موقع تحالفي تلقائي مع “ايران” , و التي راقبت و شاهدت ان هناك “كسر للجمود” الذي كان حاصل في منطقة ناغورني كاراباخ و هذا “الكسر للجمود” هو ضمن تحريك “صهيوني شيطاني” من خلال العلاقة مع أذربيجان الإسلامية دينا و الشيعية مذهبا و المحكومة ضمن ديكتاتورية عائلية محدودة , هذا التحريك الصهيوني لأذربيجان هو لكسر تطور الحالات القطبية الإمبراطورية المتطورة صعودا في روسيا و حليفتها “ايران” , ضمن واقع الانتقال الامبراطوري المستقبلي المتوسط و البعيد المدى.
لأن كما ذكرنا سابقا “جمهوريات اسيا الوسطى” هي ضمن المجال الحيوي الذي تريده “امبراطورية اوراسيا المستقبلية” ان تكون هذه الجمهوريات الاسيوية تابعة ومنضمة للحالة الإمبراطورية الإسلامية التابعة للنهج الإسلامي الثوري” المفترض” تبنيه” و “الالتزام” من الجمهورية الإسلامية المتأسسة في العام 1979 على ارض إيران.
هذه الرغبة الصهيونية الشيطانية في “كسر الجمود” في ناغورني كاراباخ تتوافق وتتفق مع الرغبة القومية الطورانية الأطلسية الانجلوساكسونية التي تريد هذه الجمهوريات الاسيوية ضمن نطاقها الحيوي.
اذن ضمن رغبة اذربيجانية في استعادة حقوقها القانونية المؤيدة من الأمم المتحدة وكذلك وجود “قرار” صهيوني شيطاني بالإضافة الى ميول رئيس وزراء أرمينيا “نيكول باشينيان” الى المعسكر الأطلسي واختلافاته مع بعض سياسات روسيا، تم تحريك وكسر الجمود وتفجر الصراع العسكري.
ماذا كانت المحصلة النهائية للصراع العسكري الذي تفجر؟ يقول الباحث الروسي ألكسندر نازاروف بهذا الخصوص:
” تعرضت القوات الأرمينية لهزيمة كارثية من الجيش الأذربيجاني، ومباشرة عقب سقوط مدينة شوشا الاستراتيجية، أصبح سقوط عاصمة إقليم قرة باغ، مدينة ستيباناكيرت، وتطويق جميع القوات الأرمينية، وتدميرها بالكامل، ومن ثم الاستيلاء التام على قرة باغ، مسألة ستستغرق عدة أيام، وربما في أفضل الأحوال، عدة أسابيع. وقد أعلن الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، فعليا عن نيته القيام بذلك، وكانت لديه بشكل عام كل الفرص لتحقيق مبتغاه.
فجأة، وبمشاركة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أوقفت القوات الأذربيجانية، وفي غضون ساعات معدودة كانت قوات حفظ السلام الروسية تنتشر في قرة باغ، على الرغم من أن انتشارا بهذه السرعة، فيما يبدو، كان مجهّزا له منذ عدة أسابيع. أي أن روسيا كانت مستعدة مسبقا لأي تطور للأحداث، (ولم تثق بقدرات نيكول باشينيان في إدارة الازمة)، كي تتدخل بشكل حاسم في الوقت الذي رأته ضروريا.
نتيجة لذلك، عززت روسيا وجودها العسكري في المنطقة، وسيطرت على الممر الواصل ما بين أرمينيا وقرة باغ، وهو أمر حيوي للأرمن، كما سيطرت روسيا أيضا على الممر الواصل بين أذربيجان وجيب ناختشيفان الأذربيجاني، والواقع على أراضي أرمينيا، وهو ما يحتاج إليه الأذربيجانيون حقا. ويتمركز جنود حفظ السلام الروس في قرة باغ، بحيث يضمنون أمن الإقليم بشكل مطلق.”
(وهذا لكي يبتعد الطرفان عن تنفيذ المخطط الصهيوني واضطر رئيس وزراء أرمينيا الى تقديم استقالته في 25 ابريل 2021 بسبب فشل رهانه على ان أرمينيا تستطيع التخلي عن حليفها الروسي).
“عززت روسيا وجودها العسكري في المنطقة، وسيطرت على الممر الواصل ما بين أرمينيا وقرة باغ، وهو أمر حيوي للأرمن، كما سيطرت روسيا أيضا على الممر الواصل بين أذربيجان وجيب ناختشيفان الأذربيجاني، والواقع على أراضي أرمينيا، وهو ما يحتاج إليه الأذربيجانيون حقا. ويتمركز جنود حفظ السلام الروس في قرة باغ، بحيث يضمنون أمن الإقليم بشكل مطلق.”
“بالتزامن، لم تحصل تركيا على أي شيء تقريبا في أذربيجان، بخلاف ما حصلت عليه بالفعل هناك، بمعنى أنها لم تصبح شريكا مساويا لروسيا في الوساطة بين أرمينيا وأذربيجان. ربما سيكون هناك مزيدا من التعاون العسكري بين أنقرة وباكو، لكن أذربيجان ليست دمية في يد تركيا بأي حال من الأحوال، حيث تنتهج قيادة البلاد سياسة متوازنة بالمعنى الحقيقي للكلمة، وتحترم مصالح موسكو. في ظل هذا النموذج، سيتعين على أذربيجان تعزيز التعاون مع روسيا، حتى لا تصبح شديدة الاعتماد على تركيا.
ننتقل الآن إلى الدروس المستفادة. نعم، روسيا ليست في نفس قوة الاتحاد السوفيتي، لكنها مع ذلك لا زالت الدولة الوحيدة في العالم القادرة على تدمير الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن أي خصم عسكري آخر. وعلى الرغم من سنوات العقوبات والحصار الاقتصادي من جانب الغرب، إلا أن روسيا أثبتت أن لديها اقتصادا مستقرا. كذلك توصلت قيادة البلاد إلى استنتاجات من سقوط الاتحاد السوفيتي، وأصبحت السياسة الخارجية الروسية أكثر مرونة وعقلانية، مع الأصدقاء ومع الأعداء على حد سواء. فالأولوية الرئيسية لروسيا دائما أصبحت التنمية الداخلية (وكذلك التركيز على حماية والمحافظة على “العائلة الروسية” بقيمها ودينها من اسلام ومسيحية على العكس من حلف الأطلسي والصهاينة من سموم الليبرالية الحديثة والتي تفكك العائلة وتركز على الأقليات والشذوذ الجنسي والانحراف الأخلاقي وخلط الانساب)، وروسيا تمد يدها للجميع، وهي مهتمة بالتعاون مع جميع دول العالم. لا تسعى روسيا إلى التوسع، وبالتالي ليس لها أعداء في العالم، سوى من يرغب في أن يكون عدوا لها.”
د. عادل رضا
طبيب باطنية وغدد صماء وسكري
كاتب كويتي في الشئون العربية والإسلامية
ملاحظة: الكلام بين القوسين هي تعليقات من كاتب هذه السطور على ما قاله ألكسندر نازاروف فأقتضى التنويه.