23 ديسمبر، 2024 1:31 ص

أهلا وسهلاً بالمملكة العربية السعودية

أهلا وسهلاً بالمملكة العربية السعودية

بعد سنوات من التوتر السياسي بين سورية والسعودية، التقى وفداً سعودياً يرأسه رئيس جهاز المخابرات الرئيس الأسد في دمشق بعد انقطاع دام أكثر من 10 سنوات الذي أدى إلى رسم خرائط جديدة على الأرض وتهديدات إقليمية ودولية مختلفة، واتفق الطرفان على إعادة العلاقات كافة بين البلدين.

 

بالمقابل شهدت الأيام الأخيرة بوادر تقارب سوري- سعودي حيال تطورات الأوضاع في سورية، فالرياض التي إنتهجت خطاً متشدداً يقوم على ضرورة الإطاحة بنظام الأسد كمدخل ضروري لحل الأزمة الشائكة باتت تتكلم اليوم بلهجة مختلفة، وهو ما تبدى بصورة واضحة من خلال إشادة رئيس جهاز المخابرات السعودية الفريق خالد الحميدان ، بالتغييرات الجديدة ومنها الاتفاق على إعادة فتح السفارة السعودية في دمشق، كخطوة أولى لاستعادة العلاقات السورية السعودية.

 

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: كيف يؤثر التقارب بين سورية والسعودية على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وما هي دوافع التقارب لدى كلا الطرفين؟

إن عودة العلاقات إلى مجاريها الطبيعية بين الدولتين الرئيسيتين في منطقة الشرق الأوسط وهما سورية والسعودية بكل تأكيد يخدم مصالح الدولتين، وينعكس إيجابيا بالدرجة الأولى على التقليل من التوتر ويحوله إلى شيء من التنسيق والأداء المتناغم الذي يصب لصالح السلام والاستقرار في المنطقة، كون كلا البلدين لهما وزنهما وأهميتهما في المنطقة العربية.

 

في سياق متصل تدرك السعودية جيداً أن موافقتها على القطيعة مع سورية كانت متسرعة وغير مجدية، وهي تحاول الآن بشكل أو بآخر أن تستعيد مواقفها وإعادة النظر بالسياسة التي أدت إلى القطيعة معها، تنبع أهمية عودة العلاقات بين البلدين من أجل مكافحة الإرهاب، وكذلك المصالح المشتركة للشعبين كما تؤكد أن السعودية يجب أن تقوم بدورها الوطني وأن تكون في صف سورية ضد الإرهاب لا شريكة في المؤامرة عليها، فالسعودية تشترك مع سورية في مواجهة التهديد الإرهابي باعتبارهما “في جبهة واحدة”٬ وأنه من مصلحة الحكومة السعودية التعاون مع الحكومة السورية في مقاومة الإرهاب وتحصين أمن البلدين في مواجهته٬ ومن هذا الإطار فأن الرياض تجري مراجعة شاملة إستناداً إلى ما تشهده المنطقة من تغيرات، إنطلاقاً من حاجتها إلى محور سورية – مصر- السعودية، فجميع الأطراف لهم مصلحة في هذه الشراكة التي يجب أن تعود لمسارها الطبيعي، وبالنتيجة فإن عودة هذه العلاقات إلى وضعها الطبيعي سيؤدي إلى إثارة غضب أعداء سورية، الذين رحبوا سابقاً بضعف العلاقات بين الجهتين من أجل تحقيق مشروعهما في المنطقة.

 

في السياق ذاته إن ثبات واستقرار هذه المنطقة رهين بالعلاقات الايجابية بين كل من دمشق والدول العربية، وان التنمية المستديمة في الدول العربية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال علاقات إيجابية وثابتة ومستقرة مع سورية، وعلى البلدان العربية التي تعيش في حالة من التردد في التعاطي مع دمشق إلا أن تعترف بقوتها سياسياً واقليمياً، وكما لجأت بعض الدول الى لغة الحوار مع دمشق فمن المناسب ان يلجأ محور أعداء دمشق الى المنهج نفسه وليس المواجهة أو الصراع معها من أجل تحقيق أمن المنطقة.

 

اليوم سورية تتعافى، ما في ذلك شكّ، فهناك إنجازات إستراتيجية وعسكرية هامة، فمختلف دول الخليج تبعث بممثليها الى دمشق لفتح سفاراتها هناك، والأردن تفتح معابرها الحدودية مع سورية، والامارات تدعم سورية بالمساعدات الطبية والدوائية، ومصر وسلطنة عمان تؤيدان عودة سورية للجامعة العربية، كما أن العلاقات تعود تدريجيا بين السعودية وإيران. بعد كل ما سبق، ألا يحقّ لنا أن نتساءل:

من يستطيع أن يهزم سورية ولديها جيش قوي ضحى بحياته من أجل حماية سورية واستقرار وأمن المنطقة بأكملها ؟

فسورية عادت لمكانتها ووضعها الطبيعى… ولكن هذه المرة عادت لتقود العالم لمواجهة الإرهاب والمحافظة على الأوطان … لأنها الرقم الصعب والعصي على أن ينال منه الآخرون.

 

مجملاً…. إن إعادة العلاقات السورية السعودية تمثل في الظروف الحالية حاجة إستراتيجية للطرفين، والتنسيق بينهما سيعيد إلى المنطقة شيئاً من التوازن ومنطلقاً للتأسيس لحالة من الإستقرار في خضم المرحلة المضطربة حالياً.

 

وبإختصار شديد لقد آن الأوان لنتعاون مع باقي قوى التوازن بالعالم لإنقاذ سورية من الدمار والخراب، وتجاوز أزمتنا والمضي بوطننا الكبير “سورية” نحو المستقبل الزاهر، وبالتالي فإن كل هذه المعطيات تشير الى إن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة، خصوصاً إن سيناريو التفاهم الأمريكي والإيراني عاد الى السطح مجدداً، ما يعني نتائج جديدة ربما تكون إيجابية لبعض دول الاقليم في المنطقة وعلى الأخص سورية.

 

وأختم مقالي بالقول: إن زيارة الوفد السعودي الى سورية من حيث التوقيت والطبيعة ستؤثر إيجابيا على العلاقات السورية السعودية وانتقالها إلى مرحلة جديدة، لذلك يجب أن تبقى دمشق والرياض على وئام ووفاق إنطلاقاً من إستيعاب دروس التاريخ أنه كلما كانت سورية والسعودية في خندق واحد، وموقع واحد متضامنتين فإن ذلك يحقق الأمن والاستقرار للمنطقة.