خاص : كتبت – نشوى الحفني :
باتت العلاقات “الروسية-الأوروبية” على صفيح ساخن؛ بسبب ما يحدث بينهما من شد وجذب، فمؤخرًا أعلنت “روسيا” فرض عقوبات على ثمانية مسؤولين أوروبيين، بينهم رئيس “البرلمان الأوروبي”، وذلك ردًا على عقوبات فرضها “الاتحاد الأوروبي”، في آذار/مارس 2021، في توتر جديد بين “موسكو” والغرب.
وقالت “الخارجية الروسية”، في بيان؛ إن: “الاتحاد الأوروبي يواصل سياسته القائمة على قيود أحادية غير مشروعة تستهدف مواطنين ومنظمات روسية”، موضحة أنها منعت ثمانية مسؤولين أوروبيين من دخول الأراضي الروسية، بينهم رئيس البرلمان الأوروبي، “دافيد ماريا ساسولي”، ومدعي عام برلين، “يورغ راوباخ”.
رد على عقوبات “الاتحاد الأوروبي”..
كما أفاد البيان؛ بأن “روسيا” ترد بذلك، خصوصًا على عقوبات فرضها “الاتحاد الأوروبي”، في 2 و22 آذار/مارس 2021، على مسؤولين روس كبار، في ما اعتبرته “موسكو”؛ خطوة تهدف: “إلى خوض تحدٍ مفتوح لاستقلالية السياستين الداخلية والخارجية الروسية”.
وفي الثاني من آذار/مارس الماضي، أعلن “الاتحاد الأوروبي” قراره بفرض قيود على أربعة مواطنين روس مسؤولين في رأيه عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وخصوصًا إجراءات قضائية بحق المعارض الروسي، “إليكسي نافالني”، فضلاً عن قمع واسع ومنهجي لحرية التجمع السلمي في “روسيا”.
حظر دخول أراضي وتجميد أصول..
إلى ذلك؛ شملت هذه الإجراءات، خصوصًا، حظر دخول أراضي “الاتحاد الأوروبي” وتجميد أصول هؤلاء المسؤولين، وبينهم رئيس لجنة التحقيق الروسية، “ألكسندر باستريخين”، والمدعي العام، “إيغور كراسنوف”.
وفي 22 آذار/مارس الماضي، قرر “مجلس الاتحاد الأوروبي” فرض قيود على أفراد مسؤولين عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في دول مختلفة، خصوصًا في “الشيشان”، الجمهورية في القوقاز الروسي.
مسجون منذ منتصف كانون ثان..
يُشار إلى أن “نافالني”، المعارض الأبرز لـ”الكرملين”؛ مسجون منذ منتصف كانون ثان/يناير الماضي. وكان أوقف لدى عودته من “ألمانيا”، حيث أمضى نحو خمسة أشهر من النقاهة للتعافي من تسميم تعرض له، واتهم “الكرملين”، بالوقوف خلفه.
وبين المستهدفين بالعقوبات الروسية، التي أعلنت الجمعة، “آسا سكوت”، المسؤولة في مختبر متخصص في المواد العالية السمية في “السويد”، والتي أكدت ما خلص إليه مختبر ألماني عن تعرض المعارض، “نافالني”، للتسميم.
كذلك، أدرجت “موسكو” على هذه القائمة، النائب الفرنسي، “جاك مير”، المقرر الخاص في شأن تسميم “نافالني”، لدى الجمعية البرلمانية لـ”مجلس أوروبا”.
وقال “مير”؛ تعليقًا على القرار، لـ (فرانس برس): “لن يُغير ذلك شيئًا في مهمتي المتصلة بتسميم، أليكسي نافالني، وسجنه. على العكس، هذا يضع الروس في وضع أكثر صعوبة ليكونوا قادرين على التعاون”.
عقوبات غير مقبولة..
في المقابل، أعلن “الاتحاد الأوروبي” أن العقوبات المفروضة ضد المسؤولين الأوروبيين، من قبل “روسيا”، غير مقبولة، ولا تستند إلى أساس، وموجهة ضد “الاتحاد الأوروبي” بأكمله.
وفي بيان، أكد الاتحاد: “إن هذه الخطوة موجهة ضد الاتحاد الأوروبي بأكمله، وليس ضد الأشخاص المذكورين فحسب”.
وأكد البيان على أن: “الاتحاد الأوروبي يحتفظ بحق اتخاذ التدابير المناسبة؛ ردًا على قرار السلطات الروسية”.
من جهته، ندد رئيس البرلمان الأوروبي، الإيطالي؛ “دافيد ساسولي”، بقرار “روسيا” فرض عقوبات عليه وعلى سبعة مسؤولين أوروبيين آخرين، لدفاعهم عن المعارض، “أليكسي نافالني”، ومطالبتهم بالإفراج عنه.
وكتب “ساسولي”، عبر (تويتر): “يبدو أنني غير مُرحب بي في الكرملين. أي عقوبة أو ترهيب لن تمنع البرلمان الأوروبي أو تمنعني من الدفاع عن حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية. إن التهديدات لن تسكتنا”.
وصول العلاقات إلى أدنى مستوى..
وكان مسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، “جوزيب بوريل”، أكد مؤخرًا؛ أن العلاقات مع “روسيا”؛ وصلت إلى: “أدنى مستوى لها”، مطالبًا، “موسكو”، بتنفيذ إلتزاماتها وخفض التوتر بالمنطقة.
وقال “بوريل”، في كلمة خلال الجلسة العامة لـ”البرلمان الأوروبي”، إن: “علاقتنا مع روسيا تضعف، وهي في الحد الأدنى؛ بسبب الأحداث الأخيرة على الحدود مع أوكرانيا، ولأسباب كثيرة منها الأزمة الدبلوماسية مع التشيك وقضية المعارض أليكسي نافالني”.
يُذكر أن العلاقات بين “روسيا” والدول الغربية، وعلى رأسها، “الولايات المتحدة الأميركية”، وبلدان “الاتحاد الأوروبي”، تدهورت على خلفية الأزمة الأوكرانية، وعودة شبه جزيرة “القرم” إلى الوطن الأم، في آذار/مارس من عام 2014، وفرض الغرب عقوبات على “روسيا”.
اعتماد طريقة التعامل بالمثل..
وفي محاولة لتحليل ما يحدث، سلطت صحيفة (فايننشال تايمز) البريطانية، الضوء على طريقة التعامل بالمثل، بين “موسكو” ودول “الاتحاد السوفياتي” سابقًا؛ وتأثير ذلك على إنهيار علاقات “موسكو” مع تلك الدول بعدما تبادلت “روسيا” وتلك الدول؛ طرد عدد كبير من الدبلوماسيين، في الأسبوعين الماضيين، بسبب تضامن تلك الدول مع “التشيك”، ضد “روسيا”.
وقالت الصحيفة، إن السفارة التي بُنيت في الخمسينيات من القرن الماضي؛ لتكون نصب تذكاري للعلاقات الأخوية، بين “موسكو” و”براغ”، في قلب العاصمة الروسية، والتي كانت مقرًا لعشرات الموظفين، أصبح ليس بها إلا 5 موظفين فقط، في السفارة ذات الثلاثة طوابق.
وكان تخفيض عدد موظفي السفارة؛ أحد أكبر ضحايا الحرب الدبلوماسية من عمليات الطرد المتبادلة بين “روسيا” والدول الغربية، على مدار الأسبوعين الماضيين، حيث فقد 152 مسؤولاً من السفارات الروسية في الخارج أو السفارات الأجنبية، في “موسكو”، اعتمادهم.
وشملت عمليات الطرد دولًا في “أوروبا الشرقية” لها صلات تاريخية بـ”روسيا”، من دول “البلطيق” إلى “بلغاريا”، مما يؤكد: “الحالة المزرية”، بحسب وصف الصحيفة البريطانية، التي وصلت لها علاقات المنطقة مع “موسكو”، وصعوبة إعادة بناء العلاقات مع الدبلوماسيين المتبقيين.
نهاية حقبة الوجود الروسي..
في تعليق للصحيفة، قال “مكسيم ساموروكوف”، من معهد (كارنيغي)، في “موسكو”: “هذه ليست زوبعة في فنجان، ولكن ما نراه هو نهاية حقبة الوجود الروسي بالنسبة لدول الكتلة السوفياتية سابقًا”.
وأضاف: “على مدى عقود، وحتى بعد الحرب الباردة، تمتعت موسكو بحضور جيد ونفوذ في هذه البلدان، بفضل إرث (حلف وارسو)”، وتابع “ساموروكوف”: “وهذا يقوض بشدة علاقات روسيا هناك، الخسارة كبيرة “.
عمليات طرد دبلوماسية متبادلة..
وكان سبب عمليات الطرد، التي بدأت في 15 نيسان/أبريل 2021، مدفوعة باتهام “براغ”، بأن جواسيس روس كانوا وراء تفجيرات في مستودع أسلحة تشيكي، في عام 2014، أسفرت عن مقتل شخصين.
ودفع ذلك، “براغ”، إلى طرد 18 دبلوماسيًا روسيًا، وعندما طردت “موسكو”، 20 شخصًا من السفارة التشيكية ردًا على ذلك، طردت “براغ”: 63 روسيًا آخر، وطالبت بأن يكون عدد الأشخاص العاملين في بعثات البلدين متساويًا.
تضامنًا مع “التشيك”، طردت دول أخرى مثل: “ليتوانيا وسلوفاكيا”، دبلوماسيين روس، مما أثار رد فعل مماثل من “موسكو”، بينما طردت “بلغاريا” أيضًا؛ دبلوماسيًا روسيًا بعد التحقيق في صلة “موسكو” بالانفجارات في مستودعات الأسلحة لديها.
تأثير التوتر الدبلوماسي ستيمدد..
الصحيفة البريطانية؛ أكدت أن تأثير ذلك التوتر الدبلوماسي، سيكون أكبر في منطقة وسط وشرق “أوروبا”، حيث كانت تعتبر “موسكو”، الأعضاء السابقين في “الاتحاد السوفياتي”، مثل: “لاتفيا وإستونيا وليتوانيا وأوكرانيا”، وحلفاء سابقين في (حلف وارسو) مثل: “بولندا وجمهورية التشيك وبلغاريا”، شركاء أوروبيين مهمين، بعد عام 1991، عام تفكك “الاتحاد السوفياتي”.
مشيرة إلى أن أن عددًا من هذه الدول، حتى بعد إنضمامه لعصبة الـ (ناتو) و”الاتحاد الأوروبي”، حافظوا على العلاقات القوية في مجال الطاقة مثل خطوط أنابيب الغاز وعقود إمداد “النفط” و”الغاز” طويلة الأجل والاستثمارات الصناعية، مع “روسيا”، وهو ما يعني أن “موسكو” كان لها وجودًا ضخمًا، بالنسبة لتلك الدول.
لكن نفوذ “موسكو” تآكل بشكل مطرد، منذ أن بدأت العلاقات مع “بروكسل” و”واشنطن”، في التدهور في أعقاب حرب “روسيا” مع “جورجيا”، في عام 2008، وضمها “شبه جزيرة القرم”، في عام 2014، وفقًا للصحيفة، كما أن عمليات الطرد الانتقامية التي جرت، هذا الشهر، تُشير إلى أن أيًا من الجانبين لا يأمل في العدول عن موقفه.
تدمير سمعة روسيا في المنطقة..
وفي تعليق للصحيفة البريطانية؛ قال “أندريوس تورسا”، محلل أوروبا الوسطى والشرقية في ” Teneo”، وهي شركة استشارية للمخاطر: “إن الاضطرابات ستدمر سمعة روسيا في المنطقة”.
وتابع: “قد يقود هذا، الحكومات عبر أوروبا الوسطى والشرقية؛ إلى تقليص تعاونها مع روسيا في القطاعات الإستراتيجية والمجالات الأمنية الحساسة”.
وقال مسؤول من إحدى الدول التي طردت الدبلوماسيين الروس، لم تحدد الصحيفة هويته: “نريد دعم التشيك، نعتقد أنهم إذا اتخذوا مثل هذه الخطوة الصارمة، فإنهم يعرفون ماذا يفعلون.. لذلك كان الأمر يستحق الجحيم مع الروس.. والآن أصبح لدينا هذا المبنى الكبير في موسكو، بلا موظفون !”.
وخلال هذا الأسبوع، بث التلفزيون الرسمي الروسي؛ قائمة مسربة لتسع دول، التي من المقرر أن تسميها “موسكو”، بأنها: “معادية”، بالإضافة إلى “الولايات المتحدة” و”المملكة المتحدة”، كانت الدول السبعة الآخرون أعضاء سابقين في (حلف وارسو)، منهم خمسة كانوا أعضاء سابقين في “الاتحاد السوفياتي”.
وقال المتحدث باسم الكرملين، “ديمتري بيسكوف”، يوم الخميس: “لن نتسامح مع ما تفعله التشيك، والطريقة التي أنضم بها البلغاريون لموقفها، وكيف تشارك جمهوريات البلطيق وغيرها في هذا التضامن سييء السمعة، لن نتسامح”.
استغلال الفرصة للتخلص من الدبلوماسيين..
وقالت (فايننشال تايمز)؛ إنه لحين ما وقعت عمليات الطرد الأخيرة، كانت السفارة الروسية، في “براغ”، هي أكبر بعثة أجنبية في المدينة، من حيث عدد الموظفين، وقد اتهمتها وكالة المخابرات التشيكية، منذ فترة طويلة، بإيواء شبكة تجسس كبيرة.
وعن ذلك علق، “ميشال كوران”، رئيس معهد “غلوبال أرينا” للأبحاث في “براغ”، للصحيفة: “الدبلوماسية التشيكية، والبيئة الأوروبية، وعبر الأطلسية بأكملها، كانت متوترة دائمًا بشأن عدد الدبلوماسيين الروس، في براغ، وكانت هذه فرصة للتخلص منهم”.