خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
ربما أمكننا أن نعتبر بدء المفاوضات “الإيرانية-السعودية”، في “بغداد”، أهم حدث سياسي في منطقة غرب آسيا، بعد إنطلاق الجولة الجديدة من المفاوضات النووية الإيرانية، مع مجموع (1+4)، بالعاصمة “فيينا”.
وبالتوازي مع إدعاءات “بن سلمان”، بسحب الحرب إلى الداخل الإيراني، طرأ تغيير مثير للتأمل على نبرته الخطابية، في حوار مفصل إلى فضائية (العربية)؛ جاء فيه: “إيران دولة جارة، ونسعى لأن تكون لنا علاقات على مستوى عالٍ مع إيران، ونتمنى حل المشكلات وأن تتسم علاقاتنا مع إيران بالإيجابية”.
وكانت “إيران”؛ قد أعلنت مرارًا، خلال السنوات الخمس الماضية، استعدادها لإحياء العلاقات مع “السعودية”، التي كانت تضرب، في المقابل، على طبول استمرار التوتر. بحسب صحيفة (خراسان) الإيرانية التابعة لـ”الحرس الثوري”.
ما بين المحادثات “الإيرانية-السعودية” ومفاوضات “فيينا”..
الآن وبعد مرور خمس سنوات، وبالتوزاي مع إنطلاق مفاوضات “فيينا”، ووفق التقارير الإعلامية فقد أبتدأت “الرياض” و”طهران”؛ سلسلة من المفاوضات داخل “المنطقة الخضراء”، في “بغداد”، لإحياء العلاقات، وتحدث “بن سلمان”، عن إنعطاف واضح من فكرة التصالح مع “إيران”.
ورغم عدم الإرتباط المباشر بين المفاوضات “الإيرانية-السعودية”، في “بغداد”، والمفاوضات النووية، في “فيينا”، لكن هذا لا يعني انعدام الصلة بين الحدثين.
وإنطلاقًا من تأثير نتائج “فيينا” على التوازن الإقليمي، تسعى “السعودية” إلى مواكبة الحدث، لكن السؤال الأهم: لماذا تقبل “الرياض” الآن، وبعد مرور خمس سنوات، على التفاوض المباشر والحد من الخلافات مع “طهران” ؟.. وما العوامل التي دفعت “بن سلمان”، وقد أراد يومًا نقل المعركة إلى الداخل الإيراني، لقبول الواقع ومد يد الصداقة إلى “طهران” ؟..
ويبدو أن السبب الأول يكمن في هيكل النظام الدولي. فقد كان لـ”السعودية”؛ قدرة أكبر على المناورة في منطقة غرب آسيا، في ظل وجود “دونالد ترامب”، بـ”البيت الأبيض”، وقد أفضت هذه المناورات إلى عدد من الأخطاء في السياسة الخارجية السعودية؛ ومنها على سبيل المثال قطع العلاقات مع: “إيران وقطر”؛ وإعلان الحرب على “اليمن”.
ضغوط على “الرياض”..
والواقع أن السياسات السعودية؛ كانت تترتبط بوجود “ترامب”، على رأي السلطة الأميركية، ثم طرأ تغيير على السياسات الخارجية الأميركية، بعد هزيمة الجمهوريين في الانتخابات، وبالتالي كان على “السعودية” أن تتبنى نظرة أكثر واقعية، بخصوص قضايا سياساتها الخارجية.
من جهة أخرى، يبدو أن “السعودية” سوف تتعرض للمزيد من الضغوط، بعد سقوط أسر ضحايا الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.
كذلك دفع فشل تطبيق سياسة “الحد الأقصى”، على “إيران”، إدارة “بايدن”، للعمل على عودة “الولايات المتحدة” إلى “الاتفاق النووي”، أضف إلى ذلك أن اتفاقية التعاون “الإيرانية-الصينية”؛ تُنبيء بفتح صفحة جديدة من معادلات القوة بالمنطقة، مع تعاظم الدور الإيراني بالمنطقة، بعد الانسحاب الأميركي من “أفغانستان”، وربما “العراق” و”سوريا” مستقبلًا.
ورغم إقبال “السعودية” على التعاون، غير الرسمي، مع “الكيان الصهيوني”، للحيلولة دون تعديل موازنة القوة في المنطقة لصالح “إيران”، لأن الإعلان الرسمي عن هذه العلاقات يضر بمكانة “الرياض” في العالم الإسلامي.
وحاليًا؛ فالحوار مع “إيران”، وإحتمالات إحياء العلاقات، يُثير غضب مسؤولي الكيان، وقد يحد على الأقل من سرعة التطبيع “السعودي-الصهيوني”.
تورط “بن سلمان” في اليمن..
ولعل ثاني أهم أسباب إنعطاف “الرياض”؛ هو التطورات الميدانية الأخيرة في الحرب “السعودية-اليمنية”؛ وتورط ولي العهد السعودي الشاب، الذي أدعى يومًا تحقيق النصر بغضون ثلاثة أسابيع، فإذا به يمد يده إلى أحضان “إيران” لحل الأزمة والخروج من المستنقع اليمني.
وتُفهم هذه المرونة من لدن “بن سلمان”، الهاديء وغير المسبوق؛ تجاه (أنصار الله) اليمنية، خلال اللقاء الأخير مع (العربية).
وسعى بنبرة غير مسبوقة حتى الآن، للاستفادة من الحلول الدبلوماسية، وقال: “الحوثي في الأخير؛ يمني ولديه نزعة عروبية، ونأمل أن يراعي مصالحه ومصالح وطنه، قبل أي شيء آخر”.
وهذه النبرة، وإن أنطوت على اتهام مبطن لـ (أنصار الله)، لكنها تختلف عن نبرة السنوات الستة الماضية. والحقيقة أن إنهزام سياسات “السعودية” العدائية في الهجوم على “اليمن”، وسقوط “السعودية” في هذا المستنقع؛ من أسباب إجبار “السعودية” على اختيار طريق التقارب مع “إيران”، والعمل على الاستفادة من قدرات “طهران” للخروج من هذا المستنقع.
بالإضافة إلى ذلك، تحتاج “السعودية”؛ إلى حل مشكلاتتها الإقليمية، لاسيما مهاجمة الناقلات والمصافي النفطية، وبخاصة في ضوء انتشار وباء (كورونا)؛ وما ترتب عليه من أزمات اقتصادية.
كذلك من أسباب الإنعطافة السعودية، يمكن الإشارة إلى الأوضاع الداخلية واحتمالات اندلاع حرب على السلطة، لاسيما بعد تورط “بن سلمان” في ملفات؛ مثل مقتل “خاشقجي”؛ ودعم الإدارات الأميركية والبريطانية، شخصيات مثل: “محمد بن نايف” و”أحمد بن عبدالعزيز”، بشكل دفع أسرة “سلمان”؛ إلى التفكير في الحد من الصراعات الخارجية والتركيز على الأوضاع الداخلية.
ومع هذا؛ يُجدر الانتظار واستيضاح مدى استعداد المسؤولون، في “السعودية”، للقضاء على الخلافات أم تكون هذه المفاوضات ذريعة لتكرار الإدعاءات الواهية ضد “طهران”، تلك الإدعاءات التي لم تحقق أي مكاسب لـ”السعودية”، حتى الآن.