وكالات – كتابات :
ينتهز المواطن العراقي أي فرصة، ولو كانت صغيرة أو مؤقتة، للترويح عن نفسه وإقتناص أي فرحة قصيرة تعينه على مواصلة واقعه المعاش الذي أصبح محملاً بالكثير المشكلات وأسباب الحزن، من جائحة (كورونا) إلى غلاء المعيشة إلى تردي في الخدمات العامة وغيرها الكثير من ملامح واقع عراقي صعب، جعل العراقيين ينتهزون فرصة “شهر رمضان” للترويح وإبتكار أساليب جديدة للترفيه..
اختلف الأمر مع حلول “رمضان”..
فمنذ حلول “شهر رمضان”، لم يُغلق “ياسين أحمد”، مطعمه في “حي تعجيل”، القريب من “القلعة”، وسط مدينة “أربيل”، عاصمة “إقليم كُردستان العراق”، حتى إنتهاء وقت السحور.
“ياسين” يؤكد أنه، وبشكل يومي: “يبيع عشرات الكيلوات من اللحم والكبد والكباب والطحال والخصاوي”.
وتابع: “قبل شهر رمضان؛ كان العمل ليس جيدًا، خاصة أن الناس كان لديها مخاوف من فيروس (كورونا)، لكن مع حلول رمضان اختلف الوضع تمامًا”.
بدوره؛ رأى المواطن، “مجيد محي الدين”، الذي كان رفقة أصدقاء له، أن: “أغلب الليالي؛ يأتي ورفاقه إلى السوق، وهي فرصة لتغيير الجو، بسبب الصوم نهارًا وعدم الخروج لحين إنتهاء وقت الإفطار”.
ورغم التحذيرات الحكومية بإتباع الإجراءات الوقائية، إلا أن قليلاً ما يلتزم بها المواطنون، الذين تزدحم بهم المطاعم الشعبية والمقاهي وقرب “قلعة أربيل” الأثرية.
سينما “حسب الطلب” في كربلاء..
أما في مدينة “كربلاء”؛ فيبدو أن فكرة وجود “سينما جوالة”، للوهلة الأولى، قد تكون غريبة وغير معقولة، كون المدينة تُعرف بطابعها الديني والاجتماعي المحافظ، لكنها فكرة ظهرت في واقع المدينة.
فقد بادرت الشابة الكربلائية العشرينية، “ثريا محمود”، من مواليد العام 1999، خريجة كلية “التمريض” في جامعة “كربلاء”، بمعية زميلها، “إياد عبدالله”، من مواليد العام 2002، الطالب في السنة الأولى، من كلية “الطب” في نفس الجامعة، بتأسيس مشروع “سينما متجولة”، تحت مسمى: “سينما ستار”.
وتقوم الفكرة على استقبال طلبات الزبائن الراغبين في حضور عمل سينمائي ما وهم في بيوتهم، حيث تذهب “سينما ستار” المتجولة؛ إلى المشاهد في داره، موفرة له أجواء سينمائية، بحيث يشعر وكأنه في دار عرض سينمائي حقيقية.
وتوفر “سينما ستار” المتجولة؛ شاشة عرض كبيرة، وديكور سينمائي شبه متكامل، ومؤثرات صوتية وبصرية، فضلاً عن تأمين وجبات خفيفة؛ خلال السهرة السينمائية البيتوتية.
الفكرة أبنة جائحة “كوفيد-19”..
تتحدث “ثريا محمود”، صاحبة المشروع، في حوار مع (سكاي نيوز عربية)؛ قائلة: “يسعدني تطرقكم لمشروعنا السينمائي الصغير، لكن الطموح، وهذا يُشعرني بالفخر، عندما أرى مختلف وسائل الإعلام العراقية والعربية، وحتى العالمية مثلاً، من فرنسا وبريطانيا، تتواصل معي لتسليط الضوء على مشروعنا، ما يُعطينا ولا ريب حافزًا للمضي في تطويره”.
وتضيف: “هدفنا صنع شيء خارج الروتين والمألوف، فمجتمعنا الكربلائي، والعراقي عامة، لا تتوفر فيه مع الأسف أجواء ومناخات ترفيهية حقيقية، خاصة مع تفشي وباء (كورونا) المستجد، فقد غدا المرء بيتوتيًا أكثر، ويخشى على صحته وعلى أهله وعائلته، وهذا ما دفعنا لطرح مشروعنا، الذي يقوم على توفير خدمة العرض السينمائي للناس في بيوتهم”.
وتُكمل: “والمشكلة أنه في مجتمعنا، أنك إن أردت تغيير الجو والترويح عن النفس، وكسر الروتين اليومي، فإن خيارك شبه الوحيد هو الذهاب لأحد المطاعم، فكما تعلمون لا تتوفر حدائق عامة ومنتزهات، وأماكن ومرافق ترفيهية منوعة كما يجب، كي لا نقول إنها معدومة تمامًا، ولكسر هذه الحلقة المفرغة، تقوم مبادرتنا على جمع الأهل والأحبة والأصدقاء في جو مختلف ومغاير خاص بهم، وسهرة سينمائية ممتعة، والتي قد تقتصر على زوجين أو أسرة كاملة أو مجموعة أصدقاء وهكذا”.
وتتابع “ثريا”: “أغلب زبائننا دافعهم الترفيه، وكسر روتين يومياتهم الممل، والتخفيف من ضغوطات الحياة والعمل، أو من لديهم مناسبات عائلية وشخصية، كمناسبات أعياد الميلاد والزواج والخطوبة، حيث نؤمن لهم مثلاً نشر وبث صورهم الخاصة، على شاشة عرضنا الكبيرة، ونبث لهم أغنيات وموسيقى متسقة مع مناسباتهم، وحسب تفضيلاتهم وأذواقهم، ومن ثم يقومون بمشاهدة فيلم سينمائي من اختيارهم بطبيعة الحال، وبهذا يقضون يومًا مميزًا من خلال سهرة خاصة ملؤها الإمتاع”.
ترفيه وتثقيف..
وتردف: “أحيانًا يحجز الشباب كي نعرض لهم، مباريات الكلاسيكو أو مباريات المنتخب الوطني العراقي، فنحن نريد، والحال هذه؛ كسر نمطية الروتين الترفيهي في مجتمعنا، والذي يقتصر على ثنائيتي المطاعم والأسواق، بحيث نسهم في زرع ثقافة تذوق الفنون عامة، والفن السابع خاصة، حيث هنا الترفيه الحقيقي والمعرفي”.
وتكمل: “الصعوبات أمامي كبيرة، فلقد واجهت صعوبات وعوائق؛ حتى من أقرب الناس لي من أهلي، لكن ايمان الإنسان بصوابية ما يؤمن به من أفكار، وما يقوم به على ضوئها، وبأنه لا يؤذي بذلك لا نفسه ولا مجتمعه، يمنحه القدرة على التحدي والمثابرة، لتحقيق أحلامه ورغباته وتحويلها لواقع ملموس، رغم الصعاب والعقبات”.
وتستطرد “ثريا”: “يتحكم بنا، في المجتمع الكربلائي، منظومة عادات وتقاليد دينية، وهذا ما أثر على مشروعي، فلو أن هذا المشروع تم في بغداد مثلاً أو في أربيل أو بابل أو البصرة أو الموصل، لكان حقق رواجًا وقبولاً أكثر، بالنظر إلى تغلب العادات والتقاليد المحافظة، على المجتمع الكربلائي”.
وتختم مديرة مشروع “سينما ستار” الجوالة، حديثها بالقول: “أتمنى على الشباب العراقيين عدم الإتكال على التعيينات الحكومية، وما تتميز به من بيروقراطية وتسويف، بل أن يبادروا ويصنعوا مستقبلهم بأياديهم، وبما يحقق ذواتهم ويثبت فاعليتهم”.
الهروب إلى المتنزهات الخضراء رغم شبح الوباء..
بالرغم من قتلها والتجاوز عليها والإهمال الحكومي لها، باتت المتنزهات والساحات الخضراء المتنفس الوحيد للعوائل البصرية، ما بعد الإفطار وحتى أوقات الأسحار، في “رمضان”، بالرغم من الجائحة.
ويرتاد البصريين تلك الحدائق والمتنزهات، خلال “شهر رمضان”؛ وأصبحت ملتقى للعوائل بعد الإفطار للتخفيف من كاهل ضغط الحياة وانعدام أبسط مقوماتها في “البصرة”، التي تطفو على بحيرة من “نفط” وتفتقر إلى أبسط الخدمات.
ويقول “أحمد حسن”، (40 عامًا)، من أهالي “البصرة”؛ أن: “أغلب العوائل البصرية ترتاد المتنزهات في أوقات ما بعد الثامنة مساءًا وتستمر لساعات متأخرة من الليل؛ هربًا من البيوتات التي تفتقر للطاقة الكهربائية وضجيج المدن”.
وأضاف أن: “حتى تلك الجلسات التي هي للتخفيف، لا يخلو حديثها عن السياسة والخدمات والوضع الراهن للبلاد، مما يُفسد شيئًا من الراحة في تلك المتنزهات”.
الحاجة “أم علي”، من أهالي “القبلة”، تُبين أن: “أغلب المتنزهات تم التجاوز عليها؛ وباتت مساحاتها محدودة جدًا ولا يوجد أي رعاية حكومية لها”.
وأفادت أنه: “بالرغم من الوباء وصغر وقلة حجم تلك المتنزهات؛ تكتظ بالعوائل غير مبالين للوباء وخطره بسبب الإهمال الحكومي وغياب أماكن الترفيه والتنزهات والخدمات في المنازل مما يدفع الأهالي إلى التجمهر في تلك الحدائق”.