منذ سنوات طويلة ، ونحن نتوحد ونتفق فقط امام الفواجع ومشاعر الحزن..ولأن الكوارث والمآسي تتكرر باستمرار والفاعل مجهول على الاغلب والضحايا من كل الاطياف ، فلاشيء يدعو بعد الآن للتفكير باسلوب طائفي والانحياز لطرف ما او الانتماء لجهة من الجهات مهما كانت النوايا والاهداف التي تنادي بها ، ذلك ان المصيبة اكبر من مجرد حوادث مفتعلة يختبيء خلفها قتلة بلاضمير او بنى تحتية متهرئة بسبب الاهمال والفساد الحكومي ..المصيبة اننا وقعنا بين فكي كماشة لاخلاص منها يحركها المتكالبون على المناصب والزاحفون الى الانتخابات بأيد ملوثة وقلوب ميتة وكأنهم على وشك ان يخوضوا حروبا شخصية لامكان لمصلحة البلد واهله فيها ..
سنوات مرت ونحن ندوس على جثث الضحايا لنصل الى الانتخابات ، وعندما نصل الى صناديق الاقتراع نجد اننا عدنا الى نفس الدوامة واعدنا نفس الوجوه الى الساحة ، والمصيبة ان تلك الوجوه الكالحة والأيدي الملوثة بدم الضحايا تعود لتنادي باهداف مبهرجة وتطلق وعودا كاذبة فهل نعود لنصدقها ؟..منذ سنوات ، ونحن نواجه كوارث غريبة تقف خلفها ظروف مفتعلة وقتلة وهميين ..لم يحدث يوما ان عرفنا الاسباب الحقيقية لواحدة من تلك الكوارث بل كان علينا ان نقتنع بان غرق بغداد وقت الامطار كان بسبب صخرة ، وحرائق الحنطة والاسواق التجارية وطوابق الوزارات والدوائر واجنحة المستشفيات كان سببها تماس كهربائي بل ان ضياع مواسم كاملة من الثروة الحيوانية كانت بسبب التسمم ..وكان علينا ان نصدق بأن كل المتظاهرين العزل الذين سفحت دماؤهم في ساحات التظاهر كانوا معادين لاستقرار الوطن وان المغيبين من المدنيين كانوا من أبناء السفارات ، بل علينا ان نؤمن بأن اقالة وزير او اصدار مذكرة القاء قبض بحق مسؤول فاسد هو علاج لنكباتنا في الوقت الذي تمسك اطراف اهم واخطربخيوط اللعبة ..تلك الاطراف التي تجيد ابتكار الازمات في كل مرة لتغطي على آثار فسادها وتقصيرها وفضائحها ..تلك الاطراف التي سواء احتلت المناصب العليا او سعت الى العودة اليها فهي لاتغير شيئا في بنية البلد التحتية ولاتلبي احتياجات أبنائه ، وبالتالي ، تتواصل الكوارث وتستمر الاحتجاجات الغاضبة ولاسبيل الى ايجاد حلول حقيقية لها لأن اللعبة مستمرة واللاعبون يزدادون ضراوة وامعانا في القتل وضمائرهم تزداد غيبوبة ..اما نحن ، “فالموت ليس هو خسارتنا الكبرى –كما يقول الماغوط- بل ان الخسارة الكبرى هي مايموت فينا ونحن احياء” ،وهاقد صار الموت بالنسبة لنا أقرب من حبل الوريد ،ولم يعد مستغربا أن يموت العراقي محروقا او مقتولا او ممزقا الى أشلاء بل الغريب ان نشعر بالموت ونحن احياء بعد ان ماتت فينا اشياء كثيرة كالثقة والايمان والقدرة على الحب ..والأغرب من ذلك ان القاتل سيظل دائما مجهولا ..