لايختلف اثنان بأن العداء العربي الفارسي ذات الجذور الطائفية يمتد لقرون عديدة ،وبالتحديد منذ فتح ايران الساسانية الذي بدأ في عهد الخليفة ابي بكر الصديق(رض) حيث تم فتح بلاد فارس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رض) في السنة 21 للهجرة، والصراع السعودي الايراني هو جزء من ذلك الصراع الطائفي الذي يمتد الى فترات طويلة وقد اتسم هذا الصراع بالمد والجزرفي فترات مختلفة.
بعد تغيير النظام في ايران في عام 1979 اشتدت وتيرة الخلافات بين العالم العربي وطهران وبالاخص مع الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية التي ترى نفسها راعية لمصالح الدول الخليجية او بالاحرى قائدها، لذلك منذ قيام الجمهورية الاسلامية ولحد اليوم الخلافات السعودية الايرانية على اوجها،حيث اعلنت الدولتان الحرب بالنيابة من خلال اذرعهما في المنطقة التي تمثلها الاحزاب والقوى التي تدور في الفلكين الايراني والخليجي.
وقامت ايران منذ الاشهر الاولى من انتصار ثورتها بدعم الاحزاب والجماعات الشيعية وحتى السنية المناهضة لدول الخليج وبالمقابل قامت الدول الخليجية وعلى راسها الرياض دعم قوى المعارضة الايرانية في الداخل فضلا على تشكيل تنظيمات اسلامية سنية في معظم الدول العربية والاسلامية لأحتواء المد الايراني التي رفع شعار تصدير الثورة.
ومنذ اندلاع الحرب العراقية الايرانية في بداية ثمانينات القرن الماضي ومن ثم احتلال الكويت من قبل نظام صدام في اب اغسطس1990 ومن ثم نهاية حقبة البعث في العراق اشتد الصراع بين الدولتين وبالاخص بعد الحرب الاهلية في اليمن والعراق وسوريا جراء التدخل الايراني والسعودي ودعم القوى الموالية لها في تلك الدول التي ادت الى سقوط مئات الالاف من الضحايا فضلا على خسائر مادية كبيرة وتدميرعلى الاقل اربع دول في المنطقة وهي العراق وسوريا واليمن ولبنان.
وخلال السنوات الثماني عشر التي مضت على سقوط نظام البعث في العراق على يد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة اشتد الصراع والحرب بالنيابة بين الرياض وطهران في معظم مناطق نفوذ الدولتين وبالاخص في العراق ولبنان واليمن وسوريا التي اتخدت طابعا دمويا وتمكنت طهران من فرض هيمنتها على العراق واليمن بشكل كامل والحفاظ على نظام البعث في سوريا وتقويض التواجد والدور السعودي في العراق واليمن وسوريا.
الهجمات الاخيرة للحوثيين على المنشآة النفطية والمصانع الحيوية السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة الأيرانية ارغمت السعودية على اعادة النظر في حساباتها والسعي لأيجاد نوع من التفاهم على الاقل للحفاظ على ماء وجهها بسبب خسارتها في الأقتتال الداخلي في كل من سوريا واليمن.
وفي المقابل العقوبات الأقتصادية الخانقة التي فرضتها الولايات المتحدة وحليفاتها ضد ايران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018 والتي شلت الأقتصاد الايراني بالكامل فضلا على تهاوي عملتها المحلية امام العملات الاجنبية وبالاخص الدولار الامريكي وتأخر طهران عن ركب التطور التكنولوجي العالمي وتفاقم الازمة الداخلية فيها ارغمت طهران على البحث عن مخرج على الاقل في الحرب بالنيابة التي تكلفها مليارات الدولارات.
اما بالنسبة لأقليم كوردستان وتأثيراته على مجمل الاوضاع في المنطقة وبالاخص ايران وتركيا والعراق ومحاولة ايران لفتح معبراً ستراتيجياً فيه للوصول الى سوريا ولبنان ودور وتأثير اربيل المستقبلي على مشروع طريق الحرير الذي تعمل الصين جاهدة لأحيائه والذي يمر من اراض الاقليم نحو تركيا ومنها الى اروبا ،يشكل اهمية قصوى لجميع دول المنطقة وبالاخص ايران، لذلك تسعى كل من ايران والسعودية الى ايجاد علاقات متوازنة مع اربيل.
الموضوع الاخر الذي يهم البلدين في العراق هو مساعي بعض الاقطاب السنية الى انشاء الاقليم السني الذي يقلق ايران بسبب تداعياته على وضعها الداخلي واوضاع الدول التي تتصارع فيها مع الرياض، السعودية والامارات وقطر تدعم وبقوة مشروع انشاء الاقليم السني في المرحلة المقبلة، بغية تقويض الدور الايراني في المحافظات السنية من خلال ابعاد الحشد الشعبي منها فضلا على اهمية تلك المحافظات بالنسبة لأيران لأستخدامها منفذاً الى كل من سوريا ولبنان لدعم القوى الموالية لها والحفاظ على توازن القوى فيها.
الزيارة الحالية التي يقوم بها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى كل بغداد واربيل وبالاخص لقائه امس مع خميس الخنجر القطب السني الأكثر تأثيراً في العراق نظرا لعلاقاته الوطيدة مع الرياض ومعظم الدول الخليجية يشير الى ان كل من طهران والرياض يسعيان الى التقارب بينهما والتفاهم على مناطق الصراع والنفوذ في المنطقة لأعادة ترتيب اوراقهما.
نستخلص من كل تلك المعطيات أن طهران والرياض ليست لديهما ارادة حقيقية لأنهاء الصراع بينهما لكنهما مرغمتان في هذه المرحلة الى التقارب والتفاهم على مناطق النفوذ والحفاظ على توازن القوى والاستعداد لمرحلة اخرى ربما ستشكل استقراراً نسبياً في المنطقة لكنها لن تكون نهاية للصراع بينهما.