خاص : كتبت – نشوى الحفني :
من كارثة إلى أخرى.. يتعرض “العراق” لأزمات متتالية؛ ما بين الانفجارات والهجمات الصاروخية، دخل إلى أزمة الحرائق، فبوتيرة متسارعة اندلعت عدة حرائق بعدد من المحافظات العراقية، والتي بدأت من “مستشفى ابن الخطيب”، بالعاصمة “بغداد”، مرورًا بـ”كركوك”، ومنها إلى “تكريت”.
وكان آخر هذه الحرائق اندلاع حريق ضخم في سوق شعبي، بمدينة “تكريت”، في محافظة “صلاح الدين”، شمالي البلاد.
وجاء حريق “تكريت”؛ بعد حريق آخر اندلع، في مجمع “هاي سيتي”، بمنطقة “عرفة”، بـ”كركوك”.
وذكرت وسائل إعلام عراقية؛ أن الحريق لم يُخلف أي أضرار بشرية، بل كلها مادية فقط، بحسب المعلومات الأولية.
ونقلت عن فريق الدفاع المدني، أن السبب وراء الحريق هو وقوع ماس كهربائي.
يُذكر أن “العراق” شهد فاجعة انتهت بمصرع (90) شخصًا؛ نتيجة انفجار عبوات الأكسجين في “مستشفى ابن الخطيب”، في “بغداد”.
الحريق سببه الإهمال والتقصير..
فيما قال “البرلمان العراقي”، أمس الإثنين، أن تحقيقاته قد توصلت إلى أن حادث حريق “مستشفى ابن الخطيب”، في “بغداد”، الذي أودى بحياة: 90 شخصًا وإصابة 120 آخرين، لم يكن متعمدًا؛ وإنما سببه الإهمال والتقصير.
وأطلق “العراق” حملة كبرى لمتابعة وكشف إجراءات السلامة في مؤسسات الدولة المتهالكة.
وقالت “لجنة الصحة والبيئة” البرلمانية، في تقرير لها عن الحريق؛ خلال جلسة استثنائية للبرلمان؛ إن سببه الإهمال والتقصير وتراكمات سوء الأداء في القطاع التنفيذي، لافتة إلى أن بناية المستشفى قديمة ولا تحتوي على منظومة حرائق مركزية، وعدم وجود مراقبة وفحص نظامي من قبل مديرية الدفاع المدني، إضافة إلى وجود تقصير من جانب أفراد حماية المستشفى وإدارتها بعدم سيطرتهم على أعداد المرافقين والزائرين للمرضى؛ مما يتسبب بدخول أعداد كبيرة منهم، فضلاً عن استخدام أدوات الطهي والتسخين الكهربائية داخل الردهات وتراكم قناني الأوكسجين داخلها، إضافة إلى عدم وجود تخصيصات مالية لتعيين الكوادر الخدمية في المستشفيات .
ونوهت إلى أنها باشرت، في عملها الرقابي؛ وقامت بزيارة ميدانية للحادث ولقائها بالمسؤولين عن المستشفى والصيانة، وكذلك بوكلاء الوزارة ورئيس “مجلس النواب” ورئيس الوزراء.
وأكدت أن: “التقصير؛ وإن كان غير متعمد، ولكن المهمل سيحاسب وأنها وجدت تقصيرًا واضحًا في متابعة الاحتياجات الفعلية لمستشفيات بغداد، وخصوصًا في الرصافة، والبالغ عددها 27 مستشفى، ومن ضمنها ابن الخطيب، الذي قالت إن مبناه متهالك ومخصص للعزل الصحي لعلاج (كورونا)؛ ويضم أكثر من 200 مريض، أما الردهة التي حصل فيها الحادث تضم: 32 مريضًا مع وجود كمية هائلة من الأوكسجين”. وبينت أن أحد المواطنين استخدم جهاز الطهي الكهربائي في تسخين الزيت بالقرب من قناني الأوكسجين؛ وهذا التفاعل أدى إلى انفجار كبير في المستشفى.
محاسبة المقصرين..
وكان الرئيس العراقي، “برهم صالح”، قال في تغريدة؛ تعليقًا على حريق المستشفى؛ أن: “فاجعة مستشفى ابن الخطيب، هي جرح كل الوطن، ونتيجة تراكم دمار مؤسسات الدولة جراء الفساد وسوء الإدارة”، مشددًا على ضرورة إجراء محاسبة عسيرة للمقصّرين وإجراء مراجعة شاملة وجادة لأداء المؤسسات لضمان عدم تكرار مثل هذه الكوارث.
حملة كبرى لمتابعة وكشف إجراءات السلامة..
تزامنًا مع ذلك، أطلق “العراق”، أمس الإثنين، حملة كبرى لمتابعة وكشف إجراءات السلامة في مؤسسات الدولة؛ وأعلنت مديرية الدفاع المدني أنها باشرت حملة كبرى لتنفيذ الكشوفات ومتابعة كشوفات سابقة على جميع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص ومختلف المشاريع في البلاد المتعلقة بمتابعة شروط الوقاية والسلامة فيها.
وأشارت إلى أنها منحت الأولوية في المتابعة: للمستشفيات والفنادق والمؤسسات المكتظة بالمواطنين، حرصًا على سلامتهم وتلافيًا للوقع بحوادث أخرى مشابهة لفاجعة “مستشفى ابن الخطيب”؛ بسبب تعطل منظومات الإطفاء والسلامة فيها، منذ عام 2015، حيث كانت قد بنيت عام 1962 .
وبينت “الدفاع المدني”، في بيان؛ أنها وجهت جميع مديرياتها، في “بغداد” والمحافظات كافة؛ لإيلاء الموضوع أهمية استثنائية مع إشراك ضباط من المقرات من ذوي الرتب الكبيرة في هذه الحملة؛ واستنفار جميع الإمكانيات لإنجاحها وتطبيقها بالشكل المطلوب وبمتابعة وزيارات ميدانية من قبل مدير عام الدفاع المدني، اللواء “كاظم بوهان”، وبتوجيه من رئيس الوزراء، “مصطفى الكاظمي”، ومتابعة ميدانية لوزير الداخلية، “عثمان الغانمي”، بعد يومين من فاجعة حريق “مستشفى ابن الخطيب”، الذي اندلع إثر انفجار عبوات أوكسجين مخصصة لمرضى (كورونا) الراقدين فيها.
إجراء تحقيق وإنجازه خلال خمسة أيام..
وكان “الكاظمي” قد قرر، الأحد، خلال ترؤسه اجتماعًا استثنائيًا لحكومته لبحث تداعيات الحريق؛ إجراء تحقيق بأسبابه من قبل لجنة برئاسة وزير الداخلية وتحديد المقصرين ومحاسبتهم.. كما قرر إيقاف كل من وزير الصحة، “حسن التميمي”، ومحافظ “بغداد” ومدير عام دائرة صحة “الرصافة”؛ عن العمل وإحالتهم إلى التحقيق. وأمر بإنجاز التحقيق خلال خمسة أيام؛ ويقدم التقرير أمام مجلس الوزراء، ويمكن الاستعانة في التحقيق بخبراء في مجالي: الداخلية والصحة.
وتم تكليف الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء؛ باعداد مشروع قانون باعتبار ضحايا فاجعة “مستشفى ابن الخطيب”: (شهداء)، وإحالته إلى “مجلس النواب”.. ومنح مبلغ عشرة ملايين دينار، (حوالي 7 آلاف دولار)، لذوي كل ضحية من ضحايا الفاجعة.
إلى ذلك، أعلن “مجلس القضاء الأعلى”؛ أن “محكمة تحقيق الرصافة” اتخذت الإجراءات القانونية بشأن حادثة حريق “مستشفى ابن الخطيب”؛ وقررت توقيف مدير المستشفى إلى حين إكتمال التحقيق ومعرفة المقصرين في الحادثة. وأشار إلى أن: “القاضي المختص؛ شكل فريق عمل مع مديرية مكافحة إجرام بغداد لمعرفة ملابسات الحادثة”.
ويقول الصحافي العراقي، “أحمد جاسم”، من مدينة “تكريت”، لموقع (الحرة) الأميركي؛ إن: “هذا الشارع بالتحديد تعرض للحرق أكثر من مرة، وتعرض لأحداث مأساوية، ولا توجد بقربه أي سيارات إطفاء للطواريء؛ على الرغم من تكرر وقوع الحوادث فيه”.
ويقول الطبيب العراقي، “عثمان الجبوري”، الذي يملك عيادة في ذات الشارع؛ إن: “مئات المرضى يمرون من هنا يوميًا”، مضيفًا: “لو لم يكن الوقت ليلاً، لكان حساب الخسائر مختلفًا”.
وأضاف “الجبوري”، لموقع (الحرة)؛ أن: “بعض العيادات تحوي مواد كيماوية قابلة للإشتعال، كما إن جميعها لا يحتوي على نظام إطفاء مركزي أو أتوماتيكي، وفي أغلبها مولدات كهرباء تستخدم لتوليد الطاقة عبر إحراق البترول، وهذا خطر كبير”.
الأطباء يرفضون العمل في تلك الظروف..
والأحد، قال بيان لـ”نقابة الأطباء العراقيين”؛ إن الأطباء: “لن يقبلوا مستقبلاً بالعمل في ظروف مشابهة، وهكذا خطر مهدد للمساكين بما فيهم الأطباء”.
وطالبت النقابة: “الجهات الحكومية كافة، بتأمين متطلبات السلامة الكاملة، حسب متطلبات الدفاع المدني وتأمين متطلبات الوقاية الشخصية بأعلى مستوى؛ وإلا لن نقبل مستقبلاً بالعمل”.
كل المستشفيات العراقية معرضة للخطر !
ويقول خبير السلامة ومعدات الحريق في بغداد، “علي غازي”، إن: “المستشفيات العراقية كلها معرضة لخطر مشابه لخطر مستشفى ابن الخطيب؛ إن لم يكن أكبر”.
ويقول “غازي”، الذي عمل بتأسيس خطوط الإنذار ضد الحريق في أحد مستشفيات، محافظة “بابل”، لموقع (الحرة)؛ إن: “العقود تُمنح بشكل مثير للشبهات أحيانًا”، مضيفًا: “الفساد موجود في كل تفاصيل العقود الحكومية، وعقود أجهزة الإنذار والإطفاء ليست استثناء”.
ويروي “غازي”؛ أنه: “في إحدى المحافظات، طلب من الشركات المجهزة عمولة تصل إلى 33 بالمئة من قيمة العقد، ما أدى إلى انسحاب الشركات الرصينة حتى لا تتعرض إلى الخسارة”.
ويضيف: “دخلت الشركات الرديئة على الخط، ونفذ خط إنذار وحريق مكون من منظومة رديئة التصنيع”.
ولم يتمكن موقع (الحرة) من الحصول على تصريح من “وزارة الصحة” بهذا الشأن، لكن الوزارة سحبت يد عدد من مسؤوليها؛ عقب حريق المستشفى وأحالتهم للتحقيق.
المشكلة الأكبر تكمن في المستشفيات الميدانية..
فيما يقول المهندس، “مرتضى الآلوسي”، وهو مستشار سلامة مؤسسات ودفاع مدني، في “بغداد”؛ إن: “المشكلة الأكبر هي في المستشفيات الميدانية، التي أعدت لاستقبال وعزل مرضى (كورونا)”.
وأضاف أن: “هذه المستشفيات مبنية من غرف متنقلة سريعة الإشتعال جدًا، وهي غير مجهزة بأي تدابير سلامة سوى عدد من المطافيء”.
ويضيف “الآلوسي”: “في ظل وجود قناني الغاز والمراجعين والمرضى، وضعف الإلتزام بإجراءات السلامة، فهذه المستشفيات المتنقلة قد تكون مصائد موت”.
حرب الانتخابات قادمة..
وحول ما إذا كان سيشهد “العراق”؛ مثل هكذا حوادث بسبب التنافس الانتخابي، يقول رئيس مركز “القرار السياسي” للدراسات، “هادي جلو مرعي”؛ إن: “الحوادث الكثيرة، التي حصلت في العراق؛ والإجراءات الحكومية التي أعقبتها، لا تتيح لنا أن نثق بتلك الإجراءات، سواء أكانت هذه الإجراءات تتلخص في محاسبة المقصرين أو اتخاذ التدابير للحيلولة دون تكرار الحوادث، فالمواطن فقد الثقة بعمل منظومة الدولة”.
وتابع “مرعي” بالقول: “أعتقد أن حرب الانتخابات قادمة لا محالة، وستكون شرسة للغاية وتخللها حوادث عنف وتسقيط وتنكيل وإيذاء، وجميعها تصب في خانة إضعاف الخصم، لذا فإن تحذيرات السيد الصدر ليست بعيدة عن الواقع، في ظل نظام سياسي ضعيف وبنى تحتية هشة.”
وأضاف “مرعي” قائلاً: “هذه الحوادث قد تخلق مشاكل للحكومة، خلال الفترة المقبلة، بسبب ما يعانيه العراق من سوء الخدمات، التي قد تدفع إلى احتجاجات عنيفة، في فصل الصيف، فهذا الحادث يعكس صورة حقيقية للنظام السياسي والاقتصادي وللبنى التحتية الأساسية في العراق”.