حريق مستشفى إبن الخطيب لم يكن قضاء وقدرا ولم يكن نتيجة سوء الطالع . بل هو نتيجة تراكم سلبيات وتقصير حكومات مابعد الاحتلال الامريكي للعراق ، وهنا يمكن تكييف هذا الحدث بجريمة قتل جماعية تسببا .
ويأتي ذلك من نظرة الحكومة الى المواطن النابعة من توجهات احزابها في اهماله ، واعتباره تابعا لها . بل ان كثير من المسؤولين ينظرون اليه نظرة دونية ، ويظهر ذلك جليا من خلال تعاملهم اليومي مع المواطنين في المحافظات كافة .
ان حريق مستشفى ابن الخطيب قد تسبب في موت اكثر من 90 مواطنا واصابة اكثر من 120بين مريض وطبيب وكوادر مساعدة ، وهو حدث مؤلم يدمي القلب .
لقد عبر الشعب عن غضبه للوهلة الاولى في مواقع التواصل الاجتماعي ، خصوصا بعد ان قام رئيس الوزراء بسحب يد وزير الصحة بدلا من اقالته وتحويله الى المحاكم المختصة لتقاعسه واهماله في مراقبة دوائر الوزارة والمستشفيات وهذا من صلب واجباته .
ولكن المحاصصة وتوزيع الوزارات على الكتل قد جعل محاسبة الوزير امرا مستحيلا . وهناك من غرد بان الوزير قد جاء نتيجة الكتلة الاكبر .
هكذا يصرحون دون اي اعتبار لارواح الناس وقد نسوا او تناسوا انهم جاءوا لخدمتهم وليس العكس .
ان هذه الكارثة المفجعة ماكانت لتحصل لو كان في المستشفى خراطيم مياه للحريق او طفايات يدوية او منظومة انذار مبكر .
ولو كان في المؤسسات الصحية صيانة دورية اسوة بما متبع في دول العالم المتقدم والمتخلف لما حصدت النيران كل هذا العدد من الابرياء . ولكن الاستهتار بارواح المواطنين والفساد المستشري في كل مرافق الدولة هو من الاسباب المباشرة لمثل هذه الحوادث الكارثية .
ان المسؤولية هنا ليست تقصيرية ، بل انها نتيجة خلل بنيوي في نظام الحكم القائم على ميليشيات مافيوية تعيث في الارض فسادا ، وجعلت من العراق دولة فاشلة بكل المقاييس . وما الرئاسات الاربعة ، وبقية المسؤولين الحكوميين الا واجهة كارتونية غير فاعلة .
وان ادارة الحكم الفعلي بكل تفاصيله تقوم به ميليشيات تحت مسميات مقدسة !
اننا امام فاجعة تختزل كل مآسي الشعب العراقي نتيجة تسلط حكومات تشكل من خارج الحدود وتقوم على اسس طائفية ومحاصصاتية .
لماذا وصل العراق الى هذا الحد من التسيب والدولة الفاشلة ؟ ولماذا يقتل ابناءنا وبناتنا يوميا بمثل هذه الطرق البشعة . . ولماذا تم افقار الشعب ومواردنا النفطية تكفي لاربع دول مثل العراق .
رغم انتفاضات الشعب اليومية في كل مكان فلا احد يكترث ، لا بل تقمع بالحديد والنار وبقسوة لامثيل لها . . رملت نساء وتيتم اطفال وجاع الشعب وحرم من الماء والكهرباء ومن ابسط المستلزمات الصحية ، والتلاميذ يفترشون الارض بعدما هدمت مدارسهم ، والمستشفيات اصبحت خارج الخدمة لانعدام الرعاية الصحية الاساسية نتيجة السرقات والفساد المستشري .
ان الاوضاع قد وصلت الى حافة الانفجار ، ومازال قادة الاحزاب يتحدثون عن انتخابات لاتمثل ارادة الشعب لكثرة التزوير والترهيب والتهجير . والشعب يفقد كل يوم كوكبة من المواطنين الابرياء . . والدول الاقليمية والمتجاوزة على اراضينا وشعبنا تتشفى ، بل ان بعضها يساهم في افقار الشعب والانتقام منه .
أن الفجوة بين السلطة والشعب في تزايد مستمر بسبب كثرة النوائب والفواجع .
والألم الشعبي في تصاعد نتيجة الكوارث المستمرة دون انقطاع كارثة تجر اخرى والشعب صابر مسكين جراء سياسات حكومية فاشلة واخرى انتقامية .
ان الاخطاء القاتلة والتجاوزات المتراكمة ستكون نقطة انطلاق لانتفاضة شعبية استكمالا لانتفاصة تشرين ، حتى يحقق الشعب طموحاته في حكومة عادلة تعنى بشؤون المواطن لا حكومة تبتزه وتستعبده ، بل لاتكترث لموته .
الرحمة للشهداء والخزي والعار لكل من ساهم في هذه الجريمة النكراء بفعل او بامتناع عن فعل .