أثار قرار المفوضية العليا المستقل للانتخابات في العراق بحرمان المغتربين في الخارج من التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة، المقررة في أكتوبر/تشرين الأول القادم، جدلا واسعا بين أوساط عراقية مختلفة، وانقسمت الآراء بين مؤيد للقرار ورافض له.
وقالت مفوضية الانتخابات بالعراق في بيان إنها واجهت عدة معوقات فنية ومالية وقانونية وصحية من ضمنها قصر المدة المتبقية لموعد إجراء الانتخابات، وهي غير كافية لإصدار وتحديث البطاقات البايومترية وسجلات الناخبين بالإضافة إلى اعتذار وزارة الخارجية عن إجراء عمليات تسجيل الناخبين في مقارها الدبلوماسية بالخارج.
أشار البيان أيضاً إلى أن “إجراء العملية الانتخابية في أماكن غير خاضعة للسيادة العراقية يجعلها خاضعة لقوانين تلك الدول، ولا ولاية للقضاء العراقي على المخالفات والتجاوزات، التي قد تحصل خلال إجراء العملية الانتخابية، إضافة إلى أن إرسال موظفي المفوضية إلى دول أخرى في ظل الظروف الصحية الحرجة المتمثلة بانتشار جائحة كورونا يعرض سلامتهم إلى الخطر”، وهو ما أوضحته الأمانة العامة لمجلس الوزراء وفقا لقرار اللجنة العليا للصحة والسلامة رقم (11) لسنة 2021.
وكان مجلس المفوضية أعلن في وقت سابق في بيان أن «قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (9) لسنة 2020 نص على أن (يصوت عراقيو الخارج لصالح دوائرهم الانتخابية باستخدام البطاقة البايومترية حصراً)». وأضاف البيان أن «المفوضية واجهت عدة معوقات فنية ومالية وقانونية وصحية أهمها أن إكمال عملية تسجيل الناخبين العراقيين في الخارج بايومترياً بمراحلها كافة يحتاج إلى (160) يوماً تقريباً في الظروف المثالية، بينما المدة المتبقية هي (40 يوماً) فقط». وأشار البيان إلى أن (وزارة الخارجية اعتذرت عن إجراء عملية التسجيل والاقتراع في السفارات والقنصليات العراقية لاستحالة إقامتها في المرحلة الراهنة ولهذه الدورة الانتخابية، إضافة إلى ما ستستغرقه عملية فتح حسابات جارية باسم مكاتب المفوضية في خارج العراق، وما يتطلبه ذلك من موافقات أمنية ومالية من تلك الدول).
وكما اكد المحرر السياسي لصحيفة طريق الشعب الصحيفة الناطقة بأسم الحزب الشيوعي العراقي: ” ان المراد من هذه الانتخابات هو ان تكون خطوة في سياق تراكمي لمستلزمات التغيير، وبناء ميزان قوى قادر على فرض إرادة الشعب وتطلعه الى الخلاص مما هو فيه من أزمات، طالت كل شيء في الوطن ووصلت تداعياتها الى الغالبية الساحقة من بيوت المواطنين.
وهذا يستلزم بالضرورة ان تكون الانتخابات عادلة ونزيهة وشفافة، وان يستطيع المواطن داخل الوطن وخارجه الأدلاء بصوته بحرية تامة وفقا لخياراته وقناعاته، بعيدا عن الضغط والاكراه، من أيّة جهة جاءا وتحت أي مسمى وعنوان. وان تجري العملية الانتخابية في جميع مراحلها في أجواء آمنة، وبعيدا عن نفوذ المال السياسي واغراءات الكتل المتنفذة، وبعيدا أيضا عن ضغط السلاح المنفلت الذي يتوجب ان يحصر بيد مؤسسات الدولة، وان تتخذ إجراءات ملموسة في هذا الشأن، ويطبق نص المادة التاسعة/ أولا من الدستور، التي تنص على انه: يحظر تكوين مليشيات عسكرية خارج القوات المسلحة”.
ان من واجب الحكومة والمفوضية توفير مستلزمات تمتع المواطنين جميعا، بالحق في المشاركة في الشؤون العامة وبالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح، كما نصت المادة 20 من الدستور. ولم يميز الدستور ومواده، كذلك قانون الانتخابات، بين المواطنين العراقيين سواء كانوا داخل وطنهم او خارجه. ولهذا يبقى مدى قانونية حرمان العراقيين في الخارج من حق التصويت واختيار ممثليهم، موضع تساؤل مشروع”.
في خارج العراق يتواجد اكثر من 5 ملايين عراقي بل واكثر من ذلك متناثرين في شتات العالم اضطرتهم في معظم الحالات ظروف القمع السياسي في زمن النظام الدكتاتوري السابق وما بعده من ظروف الاحتقان والاقتتال الطائفي والاثني والهجرة والتهجير القسري, وبالتالي تواجد خارج حدود العراق الجغرافية ملايين من العراقيين, وكانوا ولا يزالوا اصحاب قضية سياسية واجتماعية, وفيهم من النخب الفكرية والسياسية والأيديولوجية اسهمت في زمن المعارضة للنظام الدكتاتوري في بلورة الرأي العام العراقي وتعبئته في الخارج والداخل في الوقوف ضد القمع والحروب العبثية للنظام السابق الى جانب التثقيف الواسع من اجل احلال بديل ديمقراطي سياسي للعراق كنموذج منقذ للبلاد من وحل النظام السابق وعدوانيته المقيتة.
ان التذرع بأن انتخابات الخارج السابقة كانت مشوبة بالتزوير او التقليل من اهميتها بأنها لا تشكل سوى 4% هي مبررات قائمة على اساس عدم مقدرة الحكومات السابقة والحالية في توفير حدود معقولة من الشفافية والنزاهة, وبالتالي هنا يمكن التساؤل هل تستطيع الحكومة العراقية توفير اجواء انتخابية في الداخل العراقي من حيث النزاهة وردع المليشيات المسلحة من العبث في الانتخابات, وهل تستطيع الحكومة الحد من تأثير المال السياسي الفاسد على مسار العملية الانتخابية وهل تضمن نتائج انتخابية ذات مصداقية عالية, وعندما تقصي مفوضية الانتخابات والحكومة عراقيي الخارج من المشاركة في الانتخابات فعليها اولا ان تقصي حملة السلاح غير الشرعي والمليشيات السائبة والاحزاب ذات التمويل الفاسد الذي يتهيأ بكل قدراته لخوض الانتخابات القادمة وفرض نتائج مقررة سلفا بأعداد مقاعد برلمانية.
تقدر اعداد من يستحق له التصويت في الخارج وقد حرم منه اكثر من مليونين ونصف مواطن, الى جانب من لا يستطيعوا الحصول على البطاقة البايومترية وسيلجأون الى البطاقة الألكترونية وهم اكثر من ثلاثة ملايين وهم عرضة لشراء ذممهم من خلال العبث بأصواتهم وشرائها وتوظيفها في مختلف التحالفات الغير نزيهة, فهناك في المحصلة بحدود خمسة ملايين صوت انتخابي او اكثر تم تغيبهم بمختلف المبررات والصعوبات الفنية والاجرائية المفتعلة للحد من المساهمة الواسعة في الانتخابات القادمة.
لقد ساد خطابا منفعلا وتعبويا ذو مزاج عدوانيا استهدف عراقيي الخارج وقد استمد مسلماته من التجارب المرة لبعض القيادات السياسية الفاسدة والتي تمثل رموز الفساد للأحزاب الحاكمة وقد أتت من الخارج, ولكن الأمر غير منفصل عن آفة الفساد وتجذره في مؤسسات الدولة العراقية ومن ” ابناء الداخل ” فالفساد العراقي اخطبوطي ومن العبث بمعالجته وتشخيصه عبر تلك التوصيفات المفتعلة. الحديث عن الفساد وتحميله لحملة الجنسية الثانية او المزدوجة هو حديث كذب ورياء يراد به خلط الاوراق وتحميل السياسين القادمون من الخارج مسؤولية ما يحصل من الخراب, فالقضية اكبر من حاملي جنسية اخرى بل من احزاب فاسدة لا تؤمن بمشروع بناء دولة المواطنة, نعم منهم من حملة الجنسية المزدوجة ولكن الجنسية الثانية لم تكن سببا في الفساد إلا بقدر انتمائها الى حزب فاسد يروج للخراب وهلاك الدولة وقد يكون الكثير من اعضائه من حملة الجنسية العراقية الوحيدة ولكنهم لا ينتمون الى العراق بل ينتمون الى مشروع خرابه وارتهانه الى قوى الفساد واللادولة
أن تمترس المحاصصة فــي كل تفاصيل العمليــة السياســية أصبحت تشكل تهديـداً للهويــة الوطنية، وتقدم مصلحة الهويات الفرعية وتحالفــاتها العصبيــة أو الطائفيــة أو القومية على المصلحة العامة. وظلــت التوازنــات مــع المحاصصة مكونــاً أساسياً فــي النظام السياسي بعد 2003. وليــس ســراً تزوير الانتخابــات بسبب المحاصصة والسلاح السائب الحارس لها لــدى بعــض الفصائل والعشائر العراقية لفرض مرشــحيها فــي الانتخابــات البرلمانية والمحلية، بحيــث يلتــزم المنتمــون إلــى العشيرة والقرية والشلل المناطقية وعصابات الشوارع بتأييــد مرشــحهم. ويحــدث ذلــك بغــض النظــر عــن برنامــج المرشــح السياســي؛ كمــا يتجلــى دور المحاصصة فــي حــالات الاستقطاب السياســي أو الطائفي أو القومي, الى جانب اقصاء المكونات العراقية في الخارج للخلاص من تأثيرها في صناديق الأقتراع ” رغم ما قيل عنها من ملاحظات “.
مساهمة العراقيون في الخارج في الانتخابات البرلمانية القادمة والتي تم حجبها كان بالأمكان لها ان تسهم في مساهمة فعالة للنخب السياسة والفكرية في رفد ودعم تفاعلات الساحة العراقية الملتهبة بمزيدا من الرؤى الفكرية الصالحة لقيادة البلد في المرحلة القادمة انطلاقا من تفهم واستيعاب الكثير من عراقيي الخارج للتجارب الديمقراطية في دول اقامتهم, الى جانب خبراتهم النضالية المتراكمة في مقارعة انظمة القمع والدكتاتورية والمحاصصة. ان اقصاء عراقيي الخارج من المساهمة في الانتخابات القادمة يجسد قصور الجهات المختصة والمسؤولة عن الانتخابات وتقنياتها في فهم حجم التأثير الايجابي لأصوات الخارج في رسم ملامح عوامل ضغط على المحاصصة السياسية صوب التفتيت الممكن لما هو سائد.