دعمتها بالحثالات
لكي تطيل بقاءها
إن كان هذا للبقاء
فيا ترى ما كنت تفعل
لو أردت فناءها
يلحق كتّاب كثيرون وأنا واحد منهم اسم الرئيس صدام حسين بلقبه الرئاسي ذلك أنه ليس من المروءة تجريح رجل لم يكن يجرؤ أحد على مجرّد التحديق بوجهه إبان حياته ، لكن هذه المبدئية لا تحول دون تشريح سياساته و سلوكياته فالأمرهنا يتعلق بالعراق وشعبه بل وبالأمة العربية فضلا عن أن اسمه و تاريخه أصبحا بمجرّد توليه منصباً سيادياً ملكية عامة للعراقيين و للعرب ، وينسحب هذا المبدأ على عائلته إذ لا يليق أخذها بجريرة كبيرها إلا بمقدار تدخلها في الشأن العام وهنا أعني حصراً السيدة رغد صدام حسين ، فبعد سنوات طويلة من الصمت والغياب قلّدتها صفحات على ” الفيس بوك ” رتبة ” المهيب الركن” مقرونة بلقب “رئيس جمهورية العراق ” ! ثم راحت وسائل إعلام تنقل عنها من حين لآخر تصريحات سياسية ليتطور الأمر إلى مقابلات مرئية في حلقات متتابعة دأبت من بعدها على إصدار بيان عند كل مناسبة وطنية كان آخرها ذكرى معركة تحرير الفاو المجيدة ؛ واللافت أن السيدة رغد ومنذ ظهورها العلني المتكرر بعد سنوات الصمت و الغياب لم تقل كلمة تنمّ عن رؤيتها المستقبلية للعراق ولا قدّمت تصوّراً لطريقة تخليصه من نظام حكم فاسد عميل يتآمر على تفتيت البلد و تقسيمه ، وقبل ذلك كله كان يتعيّن عليها استرجاع التاريخ القريب وتقييم المسيرة السياسية الطويلة لأبيها والإعتذار عن خطاياه بحق ملايين العراقيين والعرب فبذلك فقط تعبّر عن حسّ وطني وأخلاق سوية مما يمنحها مصداقية أكثر من قيامها بتدبيج معلّقات المديح و الولاء لوالدها ولبطانة السوء التي أحاطت به و كان أسوأ أفرادها شقيقيها و زوجها وأعمامها اللذين تسلطوا لعقود طويلة على مصائر وحريات وأرزاق الناس والبلد !
كان الأجدر بالجهة التي ترعى النشاط السياسي للسيدة رغد أن تذكّرها بالمعايير التي يتم بموجبها تصنيف القادة التاريخيين العظام ، و يجري بحسبها التمييز بين الكرم و السفه وبين البطولة و الرعونة وبين الثقافة و الثرثرة ، و تشرح لها أن السياسة علم له قوانينه و حساباته وهي فهم عميق للتاريخ واستشراف حصيف للمستقبل و لا بد للقائد من استيعابها لتكون أداته في تحقيق أهداف حزبه وأمته و بدون هذا كله ستقتصر مؤهلات القائد على عضلات مفتولة و روح جسورة و لسان بذيء وهي جميعها لا تجعل منه رجل دولة وهذا بالضبط ما صار إليه الرئيس صدام حسين الذي أدار البلد كشيخ عشيرة يتربع على جودلية ، وقلب النظام من حكم الحزب إلى حزب الحكم و مسخ الرجال من بعثيين إلى صداميين ، نظام غلب ما هو أمني على سياساته و ساد ما هو عشائري على بنيته حتى انتهى الأمر إلى الإستعداد لتوريث الحكم إلى أحد ابنيه !
على موجّهي السيدة رغد أن يعلّموها أنه لكل عصر قواعد وقوانين تحكم حركته وأن الأمن القومي هو في جوهره الحرص على حياة سليمة وصحية لكل مواطن ، حياة مستنيرة و متعلمة وإنتاج وفير يمكّن لحياة كريمة ، ولقد فشل والدها في استيعاب هذه الحقيقة فسيطرت عليه عقد التاريخ ودخل في أوهام لا مخرج منها فهو عجز عن إعطاء إجابات صحيحة تجاه القضايا التي طرحها عصره مما أنتج ممارسات خاطئة لم يتم الإعتراف بها و الإعتذار عنها بل أخذته العزّة بالإثم وراح إعلامه يداري خطاياه بخطاب منافق جعل منه أسطورة وبالطبع فقد قصرت ثقافته عن إدراك أن إضفاء المسحة الأسطورية على البشر ينزع عن تاريخهم إنسانيته فضلا عن موضوعيته ، وبهذا القصور الفكري والثقافي لم تعد سلطته بعد عام 1979 اختياراً حزبياً ولا تفويضاً شعبياً بل إملاءً و قمعاً تعطلت إزاءهما دواعي الرشد السياسي و الإجتماعي !
وسيكون مفيداً أن تستمع السيدة رغد إلى محاضرة من أساتذتها عن واقعة أم الخطايا وأعني بها غزو الكويت عام 1990 بدعوى وحدة التراب العراقي ، فيشرحوا لها أنها كانت غواية قد تلقى قبولا في عالم الأحلام ، أما في عالم السياسة فقد كانت خطأ في قواعد الإلتزام القومي وضوابطه التي تفرضها أسباب التاريخ القريب و تجاربه ، والأهم والأخطر أنها كانت خطيئة في قواعد الحساب الدولي ، فكانت محصلتها شرخاً غائراً في الكيان العربي و تصفية القوة العراقية وهو مطلب اسرائيلي بالأساس لكنه تحوّل بفضل الغواية و رعونة السياسة و الجهل بقواعد السياسة و توازناتها إلى مطلب عربي أيضا !
إذا كانت مدارك السيدة رغد قاصرة عن استيعاب هذه القواعد و الحقائق فالأكرم لها أن تقرّ في بيتها وتصون النزر القليل من الحصيلة الإيجابية لوالدها – رحمه الله – فقد كان وطنياً عراقياً رحل عن الدنيا بشجاعة و بشرف يفتقد لهما أعداؤه وهما في ذات الوقت كل ذخيرة محبيه في محاولتهم التغطية على خطاياه .