خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “البدلة البيضاء للسيد الرئيس” للكاتب العراقي “علي لفتة سعيد” تحكي عن التقرب إلى السلطة ومحاولة التقوية بها، وترصد الصراع النفسي الذي يعيشه شاب فقير، عصرته الحياة وعاش ظروفا قاسية فاضطر إلى اللجوء للتملق للسلطة لكي يعوض نواقصه.
الشخصيات..
مدلول: البطل، ولد في أسرة فقيرة، حيث أبوه يعمل في صناعة الطابوق، عمل مؤذي جسديا لمن يعمل فيه، وأيضا لمن يحيطون به، لذا ماتت والدته بداء السل جراء استنشاقها للنفط الأسود ومخالطتها لزوجها، ثم يموت الأب بعدها تاركا ابنه مدلول للحياة بلا سند.
الأب: رجل مغلوب على أمره، يحاول توفير حياة جيدة لابنه لكنه لا يستطيع، لأن الفقر أجبره على ذلك وموت الأم فيضطر إلى التزوج مرة أخرى ليجد سيدة تربي ابنه، لكن زوجة الأب لم تكن بمثابة أم بل كانت تعامل مدلول معاملة قاسية.
شكرية: زوجة الأب، تعاني حرمانا جسديا كبيرا فتذهب إلى السوق بشكل يومي، ولم يذكر الراوي بشكل مباشر هل كانت تقيم علاقات جسدية خارج الزواج أم لا، لكنها بلا شك مثلت عقدة كبيرة في حياة مدلول خاصة أن أحد زملائه في المدرسة نعتها بصفة سيئة وعايره بها.
أم ساهي: خياطة، وجارة لشكرية، تعامل مدلول بود، لأنها لا تنجب وأيضا لأنها حاولت أن تجد معه لذة منقوصة تخاف أن تحصل عليها من الرجال حتى لا يوصمونها.
الخال: موظف حكومة، سيتولى رعاية مدلول بعد موت والده، انضم في البداية للحزب الشيوعي ثم مع سيطرة حزب البعث واضطهاد الشيوعيين انضم إلى حزب البعث، لأنه لم يحب أن يترك وطنه ويهرب كما تحكي الرواية، لكنه رغم ذلك لم يوافق على التملق والنفاق وأذى الناس الذي كان يقوم بهم البعض في حزب البعث.
الراوي..
الراو عليم، يخاطب القارئ أثناء الحكي، ويحادثه عن طريقه سرده للرواية، ويحكي عن مدلول بضمير الغائب، لكنه يسبر أغوار مدلول وينقل صراعاته النفسية الداخلية وانفعالاته، ومخاوفه أكثر من سرد الأحداث التي تجري فالرواية بالأحرى تدور داخل نفس مدلول وعقله وذكرياته.
السرد..
تقع الرواية في حوالي 157 صفحة من القطع المتوسط، يتنقل الحكي داخل عقل مدلول الذي يستعيد ذكريات الطفولة، ويطول ذلك كثيرا، ثم نواجه مدلول الشاب الذي يعود للمدينة التي عاش فيها طفلا، ومخاوفه من مواجهة الناس الذين عاملوه بقسوة وتجاهل، والنهاية فيها تحول لشخصية مدلول لكنه تحول مفاجئ لم تسبقه تمهيدات أو تغيير على مستوى الشخصية.
الفقر وقسوة الحياة..
تحكي الرواية عن الفقر والعوز وقسوة الحياة حينما تجتمع لدى شخص بمفرده، طفلا يتيما بائسا، فتموت أمه وهو صغير ثم يتعذب بمعاملة زوجة والده القاسية والتي تسعى لإشباع أنوثتها، ثم يتعرض للتحرش من امرأة تكبره في السن ثم يموت والده ويجد نفسه بلا سند وبلا أمان وبلا مستقبل.
ثم تنصلح أحواله حين يأخذه خاله ويربيه ويتيح له فرصة إتمام تعليمه لينضم إلى حزب البعث، ويحاول مدلول الذي عذبه الخوف في صغره واقتنع بنصائح والده أن لا يواجه أي شيء وأن يعيش في انكسار وضعف حتى يستطيع المواصلة في الحياة، يحاول التقوي بالسلطة، فيحاول تملق السلطة متمثلة في السيد الرئيس الذي عرفه عليه والده في طفولته، حين وضع صورته وصورة الرئيس الذي يسبقه وهما يرتديان بذلات بيضاء.
وظل مدلول يرى في السيد الرئيس القوة والتعويض، لذا فقد التحق بحزب البعث مثل خاله، لكنه تفوق عن خاله في الرغبة في الوصول سريعا فأصبح متملقا بشكل واضح حتى أنه هتف في إحدى التظاهرات المؤيدة للرئيس بحياته، وكان هذا سببا في صعوده سريعا داخل المناصب في الحزب، ومع سعيه للتملق الواضح والاستقواء بالسلطة لتعويض فقره ومكانته الاجتماعية المتدنية التي كرستها داخله معاملة الناس له بشكل سيء بسبب كونه يتيما وضعيفا.
غير مشبع..
لكن هذا النجاح في التقرب للسلطة لم يكن يرضيه أو يشبعه، أولا لأن خاله لم يكن راضيا عن ذلك وكان متخوفا أن يكون الطفل الذي رباه بعد وفاة والديه قد أصبح مخبرا أمنيا، مما يعكس حقيقة هامة وهي أن ليس كل من كان ينضم لحزب البعث كان يتعاون مع الأمن أو يؤذي الناس أو يستقوي بسلطته أو هكذا فهمت من الرواية، وكره مدلول الصورة التي تخيلها خاله عنه وأنه ربما يسعى للصعود على رقاب الآخرين وأذاهم. لكنه أيضا لم يكن مرتاحا لأنه لم يتخلص من تأثير الماضي عليه، ومن كل تلك العذابات والمخاوف التي عاناها في طفولته، ولم يكن متسامح مع من آذوه وهو طفل يتيم.
الحروب..
الرواية أيضا تحكي عن الحروب التي خربت المجتمع، وتعنت السلطة ومحاولة الناس المقاومة ورفض تلك السلطة الغاشمة، وانتهت بتمرد الناس ورفضهم لتلك السلطة وخروجهم في تظاهرة كبيرة يعلنون فيها رفضهم.
اعتمدت الرواية على لغة أقرب إلى اللغة الشعرية وكانت محملة بفيض من مشاعر الحزن والأسى واليأٍس، كما صورت ببراعة شعور المرأة حين تكون محرومة جسديا وعاطفيا، وكيف تتصرف في ظل فقر يحاصرها ومجتمع ذكوري يوصمها ويحاول استغلالها، كما نقلت معاناة الناس الذين يتقربون من السلطة أو نموذج منهم، والمتمثل في مدلول والذي رغم أنه يعد شخصا مكروها إلا أن له أعذاره ومبرراته ودوافعه النفسية والاجتماعية.
الكاتب..
“علي لفتة سعيد” روائي وقاص وشاعر وناقد وصحفي عراقي، ولد بمدينة سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار عام 1961. وهو عضو اتحاد الأدباء العرب، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، وعضو عامل في نقابة الصحفيين العراقيين، ويعمل محررا ومراسلا في جريدة الصباح العراقية وينشر في عدد من الصحف العراقية والعربية في البلدان العربية ودول المهجر.
صدر له:
في الرواية
- وشم ناصع البياض بغداد 2000.
- اليوم الأخير لكتابة الفردوس بغداد 2002.
- الصورة الثالثة 2015 الأردن.
- مواسم الإسطرلاب 2004 بغداد.
- مثلث الموت 2016 بغداد.
- السقشخي 2017 مصر.
- مزامير المدينة 2018 مصر.
- فضاء ضيق 2019 مصر.
- حب عتيق 2020 الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- قلق عتيق
- البدلة البيضاء للسيد الرئيس 2021 مصر. وله إصدارات في القصة وفي الشعر وفي المسرح وفي النقد.
الجوائز..
1- الجائزة التقديرية عام 1989 عن مجموعة اليوبيل الذهبي / دار الشؤون الثقافية.
2- جائزة الإبداع لعام 1998 عن مجموعة قصص بيت اللعنة.
3- جائزة الرواية القلم الحر/ مصر عن رواية مواسم الاسطرلاب عام 2015.
4- جائزة مصطفى جمال الدين عن قصة قصيرة عام 2016.
5- جائزة توفيق بكار- تونس 2020 عن رواية حب عتيق.
طبعت رواية “حب عتيق” ثلاث طبعات في العراق عن مؤسسة ثائر العصامي للطباعة والنشر، وفي تونس والقاهرة. وقد فازت بالجائزة الثانية في الدورة الثانية لمسابقة “توفيق بكار التونسية للرواية العربية” التي ترعاها وزارة الثقافة التونسية من بين 52 رواية عربية شاركت في المسابقة من مختلف الدول العربية.