خاص: قراءة – سماح عادل
يقول المخرج الفرنسي “مارسيل كامي” أنه سعى إلى إخراج أفلام تزرع الأمل للشباب، كما يحتفي بالسينما التي تطور وعي الأطفال. ويقول المخرج الفرنسي “جورج فرانجو” أنه يتعامل برقة الممثلين ولا يصطدم مع أحد. ويقول “آلان رينيه” أن السينما تشبه عملية الطبخ، وأنها تراهن على استمرارية الإلهام ضمن الحركة.
نواصل قراءة الكتاب المميز (قرن من السينما الفرنسية.. من خلال اعترافات مخرجيها)، تأليف “إيريك لوغيب”، ترجمة “محمد علي اليوسفي”، حيث يحتوي على عرض حوارات أبرز المخرجين في السينما الفرنسية. لنتعرف من خلال تلك الحوارات على السينما الفرنسية ورموزها واتجاهاتها.
مارسيل كامي Marcel CAMUS
“مارسيل كامي” مخرج فرنسي، ولد في “شاب”، منطقة الآردين، سنة 1912. توفي سنة 1982. أستاذ تصوير. مساعد لكل من دكوان، فيدر، أستروك، بونويل.
من أبرز الأفلام التي أخرجها: (الموت غشاً (1956)؛ أورفيوس زنجياً (1959)؛ أوس بنديرانتس (1960)؛ طائر الفردوس (1962)؛ العيش ليلاً (1967)؛ جدار الأطلسي (1970). و للتلفزيون: (صياغة جديدة لـ Winnetou (1980) مع بيار بريس، اقتباساً عن كارل ماي).
معسكر اعتقال..
يقول “مارسيل كامي” عن كيف صار مخرجاً سينمائياً: “تعلمت الإخراج في معسكر اعتقال. مع ممثلين أسرى خلال الحرب العالمية الثانية. وبعد التحرر من الأسر أردت التخصص في الديكور. عندئذ قدّمني رولان دورجيلاس إلى هنري دكوان. وكنت أشعر بالاستعداد الكافي، لأنني مارست كل شيء لتقديم عروض. ووصل بي الأمر إلى كتابة نصوص. وكل ذلك في ظروف صعبة جداً”.
ويجيب عن سؤال وتلك المدرسة القاسية بوجه خاص، هل دفعت بك إلى تكوين فكرة عن الجمهور الذي تريد مخاطبته؟: “أحسّ بمسؤولية خاصة تجاه الشباب. وهذا يفسر رفضي القطعي تمجيد العنف. وهكذا رفضت بعض العروض المتعلقة بإخراج أفلام بوليسية، كما رفضت عروضاً أخرى أفضل، باختيار مواضيع الحب، بدل مواضيع التمرد والقتل. كل ذلك جعلني أرغب في إخراج أفلام تزرع فيّ الأمل – شخصياً – بأن يحبني أكثر عدد ممكن من الأصدقاء. إنه أنبل موقف في نظري. ذات يوم اقتبست “نشيد العالم” إلى الشاشة. وأعترف بأنني تعلمت التعامل مع الحياة بشراهة لدى قراءة جان جيونو. آخر ما يهمني هو السادية والابتذال مهما كان تمويههما بالإيقاع والتشويق. وموقفي متطابق مع طبيعتي.
أحب الناس ذوي التعلق بالحياة والتفاؤل. ولو كنت أدعي تبليغ رسالة من خلال أفلامي لقلت إن هذه الرسالة، أو بالأحرى هذا الأمل، سوف يكون تعليمهم مباهج الأخوة. أما كل ما تبقى فهو في نظري مجرد ديماغوجية”.
وعن ما هو طموحه الأقوى يقول: “أن أتمكن من إخراج أفلام تعليمية بالمعنى الذي ذكرته قبل قليل. ولو توصلت إلى تحقيق ذلك لتخليت مباشرة عن نوعية الأفلام التي أنجزها والتي أحبها رغم كل شيء.
لأن الصورة تمارس تأثيراً أشد في الأطفال، ولها فتنة أقوى من أي شكل تعليمي آخر. وقبل التفكير في صنع أفلام تخدم الثقافة، لابد من إخراج أفلام للأطفال. ومن شأن السينما تجاوز مرتبتها بوصفها فناً وصناعة، إذا عملت على مساعدة كل الأطفال لتعلم الشهامة والنبل. ولاشك أن مثل هذه الأفلام سوف تكون ذات تأثير واسع في العالم بأسره. ولقد بدأ الانتباه إلى ذلك في اليابان والهند. وليس في فرنسا مع الأسف! تخيل السلسلة المشوقة والرائعة التي يمكن إنجازها حول كل العلماء الذين ساعدوا الإنسانية على العيش وعلى البقاء منذ العصور القديمة، وفي كل بلدان العالم. وهذا الأمر يتطلب توفير كل شيء: من واضعي السيناريو إلى المخرجين. ولن تكون هناك سوى قاعدة واحدة ينبغي احترامها: عدم بث الملل.
وإذا تم التوصل إلى ذلك لا ينبغي أن تتحول الشاشة إلى سبورة أخرى سوداء، بل ينبغي أن توجد في كل صف مدرسي سبورة سوداء وأخرى بيضاء (الشاشة) يمكن استخدامها لتدريس التاريخ والجغرافيا. ويكون للمدرسين مكتبات سينمائية، ودروس في أشرطة كاسيت. فيصير دورهم، وقد وفروا الوقت، أن يهتموا حقاً بتلاميذهم، ويوجهوهم. وهكذا لا يتم اختصار التربية والتعليم فقط بل يجري إثراؤهما بالصورة. أنا شديد الاقتناع بذلك”.
تسلية الناس أمر حسن..
وعن فيلم “جدار الأطلسي” يقول: “في الحقيقة رغبت منذ زمن طويل في إخراج فيلم كوميدي. أعتقد أن تسلية الناس لمدة ساعتين هو أمر حسن. زد على ذلك أنني، عندما قررت إخراج “جدار الأطلسي”، كنت في حالة انزعاج من عدم الاتصال بي إلا من أجل إخراج أفلام بعيدة وشاعرية.
كنت قد كتبت موضوعاً طريفاً، على طريقة “لاسترادا” حيث كان من المفترض أن يؤدي فيه أنطوني كوين دور ملاك. ومنذ ذلك الوقت بقيت أبحث في إمكانية العودة إلى إخراج شريط كوميدي.
وأعترف بتأثري الشديد بشريط “أكون أو لا أكون” لإرنست لوبيتش. فكتبنا، انطلاقاً من فكرة لريمي، “جدار الأطلسي” وهو فيلم درامي يقترب من الفانتازيا. من حقنا النظر إلى الحدث من مسافة ابتعاد مقصودة. إذْ لا يبقى من المراحل المضطربة والمأسوية، بعد مرور الوقت، إلا الذكريات والطرائف البارزة. وفي المعسكر الذي كنت محتجزاً فيه كان يوجد حوالي عشرة آلاف “دماغ” يبحث عن طرق لمخادعة الحراس. كانت مدرسة مقالب قاسية وثرية في آن.
كان يوجد مقاومون حقيقيون، وآخرون مزيفون. وفي قصة الفيلم حاولنا احترام النسبة. وفي هذا الفيلم الذي تجري أحداثه في وسط ريفي كانت الحيوانات بدورها تمثل! لذلك رمينا ببورفيل في مواقف من سوء التفاهم الناجمة عن تطور الأحداث. وقررنا جعل الحكاية تتقدم داخل شلال من المقالب، مع اغناء الأحداث بتفاصيل ناعمة خفيفة ومثيرة للفضول”…
وعن إدارة الممثلين يقول: “أفسر لهم في البداية سيرورة الأحداث بشكل عام. وعندما يكون أمامي ممثلون رائعون، كما في “أورفيوس زنجياً” و”جدار الأطلسي” أترك لهم الكثير من الحرية. إذْ يمكن السماح ببعض الارتجال مع الممثلين القديرين. أما غيرهم فمن المستحسن توجيههم وإدارتهم بسلطة واضحة.
يمكنني العودة إلى الفرق ما بين “أورفيوس زنجياً” و”جدار الأطلسي” بالقول إن الفرجة، في أمريكا اللاتينية، تكون في الشارع. أما في فرنسا فلا بد من إعادة تمثيلها. وفي مثال “جدار الأطلسي” ازدادت المشكلة صعوبة لأنني جعلت نوعين من الكوميديا يتواجهان: اللاتينية مع بورفيل، والانجلوسكسونية مع بيتر ماك إينيري. فمن جهة هناك خيال جامح، ومن الجهة الأخرى يوجد كبح لجماح المخيلة بشكل مستمر.
وكان من المثير البحث عن التوازن والانسجام ما بين هذين الصنفين من روح الدعابة. ولابدّ، في كل الأحوال، من وجود ممثلين يعيشون أدوارهم بتركيز واهتمام. أثناء الأسر كنا نمثل محاولات الهروب من خلال القفز على الأسلاك الشائكة أو التسلل تحتها”.
وعن الموقف العميق الذي يميزه كسينمائي يقول: “رفض الديماغوجيا الغوغائية في المجال الأول. لابد من تمكين الشباب من مثل أعلى ووعي كوني. لقد سافرت كثيراً، بحيث صرت قادراً على التمييز بين الناس الطيبين والناس الأوغاد، وذلك في القارات الخمس. أعرف كل الدروب الداخلية التي تؤدي إلى الكائن الإنساني. لذلك أدرك جيداً استحالة جَبْر الروح. ولابد من تلقين الروح الإنسانية منذ الطفولة. وبعد ذلك يأتي دور الأبناء لتعليم الآباء”.
جورج فرانجو Georges FRANJU
“جورج فرانجو” مخرج فرنسي، ولد في فوجير (إيل- إي- فيلان) سنة 1912. توفي سنة 1987. اشتغل في الديكور المسرحي، وشارك هنري لانغلوا في تأسيس السينماتيك الفرنسية. بدأ بإخراج الأفلام القصيرة: ميلياس الكبير؛ ذاكرة العالم كلها، أوتيل الأنفاليد.
من أبرز الأفلام التي أخرجها: (رأس يواجه الجدران (1958)؛ عينان بلا وجه (1960)؛ تيريز ديكيرو (1962)؛ جودكس (1963)؛ توما الدجال (1965)؛ خطأ القس موريه (1970)؛ ليال حمراء (1974)؛ الميلودراما الأخيرة (للتلفزيون 1978).
في موازاة الأدب..
يقول “جورج فرانجو”عن الإعجاب لبعض المخرجين: “أنا شديد الولع بأعمال فريتزلانغ ومورنو. ومنذ 1927 لست أدري إن كان تم التوصل إلى تحقيق نجاح يعادل ما حققه مورنو في “Sun Rise” (مطلع الفجر). ولا أنكر كذلك إعجابي المماثل بلويس بونويل وجان فيغو.
هنالك أفلام لفتت انتباهي، ولا أقول أثرت فيّ، لأنني لا أجد ما يشبهها في أفلامي. لم أحس بالقرب من المخرجين الأمريكيين. وهذا لا يمنعني من مشاهدة أفلامهم سواء أكانت من نوع الوسترن أم من النوع البوليسي. غريفيث هو الذي ابتكر اللقطة المكبرة و”الترافلنغ” أو تحريك الكاميرا”.
وعن كيف بدأت موهبته السينمائية: “في موازاة الأدب. ولهذا نقلت جان كوكتو، وفرنسوا مورياك وإميل زولا إلى الشاشة. في شريط زولا، وضعت المؤلف وسط شخصياته. أما كوكتو فأنا أعتبره متعالياً على شخصياته. ومن المؤسف أن أسلوب الكاتب لا يساعد المخرج. وعليه البحث عن أسلوب آخر من أجل تحويل الكلمات إلى صور”.
وعن كيف يختار الممثلين يقول: “أبدأ بتصفح دليل الممثلين. وهنا أكون كمن يلج باب اليأس. فالأسماء نفسها تتكرر. وفي النهاية عندما أصادف الممثل الظاهرة أو الطائر المتفرد، أتعامل معه. وعندئذ أقدم له الرواية، أو السيناريو الكامل”.
وعن كيفية تحريك الممثلين يقول: “أطلعهم على طريقة العمل منذ العشاء الذي يجمعنا ليلة البدء في الإخراج. فأنا لا أؤمن بالتمرن على البلاتوه. لذلك أتناول وجباتي معهم ويتم التدريب بين الأجبان والأجاص. وفي مرحلة التصوير أقتصر على ملاحظات سريعة وتدخلات ضرورية. أنا في منتهى الرقة مع الممثلين. ومن النادر الاصطدام بأحدهم. لم يحدث لي ذلك إلا مرة واحدة. ولن أذكر اسم الممثل”.
الموجة الجديدة..
عن الأهمية التي يوليها للتقنية السينماتوغرافية يقول: “إنها ضرورة. وهي تشكل قاعدة أساسية لابد من امتلاكها واستيعابها. ولاشك أن التقنية ليست كل شيء ولا تحدد تعريف السينما. لقد كان الإلهام عند المخرجين الكبار مثل جان فيغو وجوليان دوفيفييه، هو الذي يقود التقنية.
لهذا، لا أؤمن بالثورة المزعومة والتغييرات التي أحدثها رواد الموجة الجديدة. فأسطورة بريجيت باردو توغلت في ذاكرة الناس، وما زال لويس دي فونيس يجمع أكثر عدد من المتفرجين. لم يتغير شيء حتى مع ظهور الموجة الجديدة. فما زال المنتج والموزع يسألانك، لدى رغبتك في إخراج فيلم جديد: “من سيكون النجم؟” كل فيلم جماهيري لابد له من نجم.
ماذا تركت لنا الموجة الجديدة؟ التصوير في الشارع؟ لا أسهل من فعل ذلك. وكل سينمائي مبتدئ يستطيع خوض مثل هذه التجربة. وليس حذف الديكور ابتكاراً جديداً. أما التصوير في الشارع فهو دور السينمائي الذي يريد تصوير الأخبار. وكانت مثل هذه الأفلام المتعلقة بتصوير الأحداث تتصدر عرض الأفلام في القاعات، لكنها اختفت اليوم.
في الماضي كان الأستوديو يشبه معبداً سرياً غريباً، والمخرج هو الذي يدير فيه كل شيء. وكل الذين يعملون معه يعترفون له بهذا الدور. كانوا يرون فيه الشخص المسئول على خلق عالم شاعري جديد”.
وعن استمرار ارتياده قاعات السينما يقول: “كنت كذلك سابقاً. كنت أختبئ للتمكن من الذهاب إلى مشاهدة “آلام جان دارك” للمخرج كارل درير، فأشعر بالمشاركة في المعجزات التي تتخلل المشاهد. في الماضي، كان يوجد مخرجون أما اليوم فقد كثر المتطفلون.
أنا ضد سينما الحقيقة. ولا شك أن حالة جان روش تمثل استثناء. غير أن هذا الاستثناء لا يفسر كل شيء. دائماً هناك زنجية في كل ماخور!
أفضّل الديكور الطبيعي في أفلامي. العمل في الأستوديو يشبه التحرك في متاهة. وثمة أشياء لا يمكن إخراجها في الأستوديو”.
ويجيب عن سؤال هل تسعى إلى استخدام المؤثرات الخاصة التي عرفها تاريخ السينما؟: “في شريط “جودكس” على سبيل المثال، حاولت استعادة الأجواء العائدة إلى عصر كان بعض الناس فيه يتلاشون في الظل ويغيبون. كما حدث في شريط “باراباس” للمخرج فوياد”.
وعن موقفه من التلفزيون يقول: “مشكلة التلفزيون أن سرعته مضاعفة، قياساً بالسينما. ولابد للمرء أن يعتاد إيقاعاً أسرع إذا أراد التعامل معه، ذات يوم طُلب مني اقتباس ست وعشرين قصة قصيرة في شهر واحد. ولإخراج إحدى تلك القصص طلبت سبعة عشر ديكوراً، فلم يقدموا لي سوى أربعة.
التلفزيون هو أيضاً مدرسة “الزوم” فاللقطات المقربة تحل محل تحريك الكاميرا. أي العكس تماماً. أما الأمريكيون فيستطيعون إنجاز أفلام تلفزية حقيقية، أفلام تنتمي إلى السينما”.
آلان رينيه Alain RESNAIS
“آلان رينيه” مخرج فرنسي، ولد في فان سنة 1922. بدأ بإخراج الأفلام القصيرة والمتوسطة: فان غوغ؛ غوغان؛ التماثيل أيضاً تموت؛ ليل وضباب.
من أبرز الأفلام التي أخرجها: (هيروشيما حبيبتي (1959)؛ العام الماضي في مارينباد (1960)؛ مورييل (1963)؛ انتهت الحرب (1965)؛ أحبك، أحبك (1967)؛ ستافيسكي (1973)؛ عمي الذي من أمريكا (1980)؛ Melo (1986) I want to go home (1989)؛ Smoking et No Smoking (1993).
إنجاز أفلام جديدة..
يقول “ألان رينيه” عن كيف ينظر إلى أعماله: “لا أطرح على نفسي مثل هذا السؤال مطلقاً. ولا أعبر عن مهنتي بمصطلح “الأعمال” (أو “الآثار الإبداعية”). كل ما أرجوه هو إنجاز أفلام جديدة، مع عدم التفكير في الصلات التي يمكن أن توجد بين هذا وذاك. وفي الواقع أسلس القياد للمصادفة”.
وعن المعايير التي تجعله يقرر البدء بإخراج فيلم جديد يقول: “لا يُنجز الفيلم مثل لوحة. ففي مثال اللوحة يكفي العثور على مشهد جميل، أو “موديل” يلهمك، لكي تبدأ بالرسم. أما السينما فتراهن على استمرارية الإلهام ضمن الحركة. إنها تشبه عملية الطبخ!”.
وعن أسس اختياره للممثلين يقول: “اختيار الممثلين من أهم العمليات أثناء التحضير طبعاً، وكذلك أثناء الإخراج. أبدأ باختبار الممثلين ذهنياً، وذلك في إطار المشاهد الجاهزة. ثم تأتي مرحلة التجريب حتى بالنسبة لأصغر الأدوار. وحدث أن تخليت عن إخراج فيلم لأن ممثلاً واحداً لم يكن حراً في ذلك الوقت. وأنا أهتم كثيراً بمظهر الممثل، وجسده ونبرة صوته…
أما بالنسبة لإدارة الممثلين فأنا لا أملي عليهم طريقة معينة إلا إذا تم التوصل إلى اختيارها. أترك حرية التصرف لكل ممثل بثقة تامة، لأن الممثلين ليسوا مجرد دمى، بل هم عناصر أساسية ضمن عملية إبداع مشتركة. وأفضّل أن يكونوا على إلمام بكل تفاصيل العمل، ويذهب بي الأمر إلى حد توضيح المونتاج لاحقاً. أما وقت العمل فأسعى إلى جعل كل ممثل في قلب الفيلم، وضمن المشروع العام، حتى يصير مشتركاً، حقاً”.
وعن كيف بدأت ميوله السينمائية يقول: “بدأ تعلقي بالسينما خلال أول عرض حضرته، وهو “بيت الأرواح” لهارولد لويد. والدهشة الثانية، في مجال الحركة دائماً، تملكتني لدى رؤية حبات فاصوليا تنبت في القطن، كما كانوا يعلّمون أبناء جيلي في المدارس. وبين الثالثة عشرة والرابعة عشرة من عمري بدأت أتعلق بالمسرح. وفكرت بممارسته من دون أن أعرف كيف، ولا في أي اختصاص من فروعه. ولو كانت لديّ أموال في تلك الفترة لانطلقت لخوض التجربة بكاميرا 16 مم. بعد ذلك حالت الظروف دون موهبتي. وكنت أستعد لفتح مكتبة والتعامل مع بيع الكتب عندما أعلن عن افتتاح المعهد الأعلى للدراسات السينمائية. فانتميت إليه”.
وعن كيف يصف مهنته يقول: “هناك نزعتان في السينما. إحداهما تتمثل في السينمائيين الذين يريدون تقديم شهادة عن الحياة. والثانية، وهي الأهم في نظري، تتجسد في الذين يسعون إلى التوغل في فهم أسرار الكائنات التي يحبونها. وفي مجال الرسم تنطبق النزعة الأخيرة على تنتوريه، وسيزان”.
وعن من يعجبه من السينمائيين السابقين يقول: “طبعاً هناك دافيد وارك غريفيث، مورنو، بودفكين، لويس بونويل، تروفو… في قائمة المفضّلين. أحببت كذلك الكوميديا الأمريكية الاستعراضية، وخاصة رقصات فرد آستر، وجنجر روجرس”.
التتابع السردي..
ويجيب عن سؤال ساهمت في أول جمعية لهواة العصر الذهبي للقصص الأمريكية المصورة. هل كان لتلك الطريقة التعبيرية تأثير في عملك؟: “هي ذات علاقة بمهنتي مثل المسرح تماماً. فالتتابع السردي من العناصر التي تشدني. ولاشك أن المونتاج في القصص المصورة يختلف عنه في السينما. وفي هذا المجال لا أخفي إعجابي بهرجيه البلجيكي، وألان سان أوغان في فرنسا، وكذلك بالمبدعين الأمريكيين الكبار الذين ابتكروا “ماندراك” و”العميل السري 1x” و”ديك تراسي” و”تيري والقراصنة” وهم كلاسيكيو العصر الذهبي. وأتابع حالياً دراسة “ديك تراسي” بسبب ابتكاراته التخطيطية”.
وعن استمرار ارتياده للسينما يقول: “أقل مما في السابق قليلاً. الأفلام كثيرة، والجيد قليل. ومع ذلك أتابع دوري كمتفرج جيد. أما وقت الإخراج فلا أستطيع متابعة أعمال الآخرين”.
وعن وجود مراحل أفضل من غيرها، وقت الإخراج يقول: “التصوير والمونتاج من المراحل الممتعة. أما أصعبها فهما التحضير، ووضع الحوار”.
وعن موقفه من الجمهور يقول: “الناس يحبون دائماً أفلاماً لك، في حين تكون أنت متعلقاً بغيرها. لا أنساق إلى المتفرجين. ومع ذلك أظل أخشى عدم توصلهم إلى الفهم. ولهذا يهبط شبح الجمهور على كتفي دائماً”.
وعن هل يعيد مشاهدة أفلامه القديمة يقول: “أبداً. وحتى عندما يحدث ذلك أشعر بالألم. عندما يعرض شريط جديد، أذهب إلى القاعات لمراقبة العروض، لكن خفيةً. وسرعان ما أشعر بأخطائي في الإخراج، لكن بعد فوات الأوان. وهذا يجعلني أشعر بالتعاسة”.
وعن مشاهدة أفلام الآخرين يقول: “لا أذهب بأفكار أو مشاعر مسبقة. وأميل لمشاهدة الأفلام الأولى للمخرجين الشباب”.
وعن وصفه للفانتازي يقول: “كل ما يجعلك تفكر في شيء آخر، هو فانتازي. ويمكن أن يكون ذلك لوحة، أو مشهداً، أو غرضاً من الأغراض، يبعث بك إلى المناطق الأكثر سرية في اللاشعور. والفانتازي أيضاً هو ما يبعث تداعياً للأفكار بشكل يختلف عن الأصل، عن المنطق”.
وعن المرحلة التي يعتبرها “استعبادية” في مهنته يقول: “مرحلة التصوير، وضرورة تقديم أفضل ما لديك من دون تذمر. إذ ينبغي أن يكون المرء جاهزاً، في كل لحظة، لغرض التقاط أفضل الصور واتخاذ أصعب القرارات حتى يظل وقت الاستغراق في التصوير معقولاً”.
وعن وجود ظروف مثالية للإخراج يقول: “مثالية؟… قد يكون ذلك في التوصل إلى إخراج فيلم، طوله ساعة ونصف، في تسعة أسابيع. فالأمر يتطلب سنة كاملة من العمل المستمر، الدؤوب، المضني، للتوصل إلى تكوين تصور عن الإخراج، من دون ذكر الوقت الإضافي الضروري لبلوغ النسخة النهائية”.