25 نوفمبر، 2024 2:59 ص
Search
Close this search box.

الاتفاق الجنائي

لست ضليعاً بالقانون لأتفلسف بموضوعاته وفروعه، ولكني درست القانون بدرجة جيدة في الكلية على أيدي أساتذة أفاضل، وأعتقد أنهم بذلوا جهداً طيبا معنا، بدرجة صار بوسعنا التعامل مع قضايا قانونية، وبالنسبة لي، أظن أنه صار بمقدوري أن أستخدم فهمي للقانون فيما أريد استخدامه في مجالات السياسة والعلوم السياسية. وأريد بهذه المداخلة أن ألقي الضوء وأشعل مصباح التنبيه …!

أخ وزميل بل هو صديق العمر، (اللواء الدكتور حكمت موسى) أنجز أطروحة دكتوراه رائعة قرأتها بدقة تامة، وتولى هو مشكوراً إيضاح فقرات منها لي، والأطروحة كانت بعنوان ” موانع المسؤولية الجنائية ” وحضرت دفاعه في جامعة بغداد ونال الدكتوراه بأستحقاقه وتميزه بدرجة الأمتياز حقاً وفعلاً، ومما يفيدني الآن ذكره واقتباسه، هو أن موانع المسؤولية عديدة منها: فقدان المتهم الأهلية العقلية (لأي سبب من الأسباب العديدة)، ومن مباحث موانع المسؤولية، أن يزعم موظف حكومي (جندي، شرطي، موظف حكومي) الدفع عن مسؤوليته بجريمة ارتكبها، أن ” قادتي / مدرائي/ المسؤولين الكبار، أمروني بالقيام بهذا الفعل “. على أساس دفع مسؤوليته عن الجريمة التي ارتكبها.

وهذه الذريعة (أمرني رؤسائي) تذرع بها مجرموا حرب ممن أتهموا بأعمال قتل منظمة، أو إبادة للسكان، أو تصفيات سياسية وعرقية، خلال الحرب العالمية الثانية، وأثارت هذه مناقشات عميقة في فقه القانون لدى محاكمة هؤلاء المجرمين أمام المحكمة الدولية في نورنبرغ في أعقاب الحرب العالمية الثانية / 1945. وتوصل مشرعون وفقهاء من عدة دول عدم اعتبار مقولة ” أمرني رؤسائي ” ذريعة، ودفعاً غير مقبول عن إسناد الجريمة والتجريم، باعتبار ليست هناك سلطة قانونية تتيح فعل مخالف للقوانين، وبالفعل أدين عدد من هؤلاء ومنهم مدراء سجون وآمري وقادة تشكيلات قامت بتصفيات بشرية على أساس العرق، وأطباء أجروا تجارب طبية على أسرى حرب وسجناء، أو منعوا عن السجناء المرضى العلاج ليموتوا ببطء. فهؤلاء الأشخاص ومن يماثلهم بالفعل تنطبق عليه بدقة تامة جرائم القتل والإبادة. وأن هذا الصنف من الجرائم لا تسقط بالتقادم. بل ويمكن إثارة الدعوى على من قام بها حتى بعد وفاته ومقاضاته وتجريمه.

كنت قد كتبت غير مرة عن هذا الموضوع، ولكن ما أريد إليه الإشارة اليوم، هو مسؤولية، ليس من يصدر الأوامر فحسب (القائد، الآمر، رؤساء الهيئات)، بل ومن معه ممن يشترك في القرار بحكم المسؤولية الجماعية للقيادات السياسية والحكومية بالتكافل والتضامن، ولا ينفعه قوله ودفعه أني لم أكن أعلم ما يدور، أو لم أكن أعلم أنها جريمة فهناك قاعدة فقهية معروفة ” لا يجوز الدفع بجهل القانون ” فعلى سبيل المثال أن أعضاء أي حكومة هم في الواقع متضامنون متكافلون، في الأعمال والنتائج خيرها وشرها. وهنا أريد التنويه، أن الموافقون على القرارات في معرض الحاجة إليه، يشتركون في المسؤولية الجنائية بحكم الاتفاق الجنائي كفريق واحد وتحملون تبعات قاراتهم وما ينجم عنها.

ويسري في هذه الحالات أحكام وتفاسير الاتفاق الجنائي:

ــ إذا أتفق شخصان أو أكثر على ارتكاب مخالفة للقانون، جناية كانت أو جنحة، واتخذوا العدة على وجه لا يتوقع معه أن يعدلوا عما اتفقوا عليه، ويعد كل منهم مسئولاً عن اتفاق جنائي ولو لم تقع الجريمة موضوع الاتفاق، أو خاب أثره .

ــ إن الاتفاق الجنائي، او كما يسمي الاتفاق علي إتيان جريمة معينة، إنما هو عبارة عن تلاقي إرادتين بين شخصين أو أكثر علي ارتكاب جريمة معينه، علي ان تكون لكلا منهما مصلحه فيها، ويقوم كلا منهما بارتكاب فعل او جزء من الركن المادي المكون للجريمة، وفي تلك الحالة، ويعد من اتفق علي أن يقوم بإتيان الجريمة، شريكا في الجريمة، أو شريكا في الركن المادي للجريمة وبالتالي فأنه ينال عقوبة الفاعل الأصيل، إلا إذا نص القانون علي عقوبة اخري للشريك في الجريمة.

ــ الاتفاق الجنائي هو اتفاق بعض الأشخاص على القيام بجريمة للوصول إلى هدف معين .سواء نفذ هذا الاتفاق أو لم ينفذوا وسواء أن وقع الفعل أم لم يقع .ومجرد الاتفاق على تلك الفعلة لا يعفي المتفقين من العقوبة، لأن ركن الجريمة قد تم اكتمل حتى ولو كان المتفقون يجهلون القانون الجهات المعنية لا تنتظر وقوع الجريمة لكنها تسعى لمنع وقوعها.

هذه مداخلة قانونية أعتقد أنها تصلح لسوق كل من ساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بحكم وجوده ضمن مجموعة الاتفاق بالنتائج ومستحقاتها. وبتقديري من يمارس مسؤولية تنطوي على أفعال وإجراءات ينبغي عليه أن يتأكد سلامة هذه الأعمال وعدم تعارضها مع القانون بما لا يضعه تحت طائلته، لا سيما .. وهنا يستحق التأكيد أن :
جرائم الإبادة والمنافية للحقوق الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وشخصيا شهدت محاكمات على جرائم مر أكثر من 30 عاماً على حدوثها،
وليس بوسع جهة أو دولة أن تمتنع من تسليم مدان بواحدة من هذه الجرائم.

أفترض أن هذه المداخلة ستثير العديد من ردود الأفعال، وهي غاية البحث وهدفه، إشاعة وعي قانوني بين الناس، وأعتقد أن ملاحظات ومداخلات الزملاء القانونيين ستكون ذا أهمية وفائدة خاصة.

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات