“غيم الصحراء”
1/
قبل سنوات أذكر أني في صيف 2 200/ 2003 قدمت لنواكشوط من الجزائر .وبالصدفة ساقتني قدماي إلي مبني اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين .كنت مارا بشارع في حي” كابيتال” فإذا أمامي لافتة كبيرة مكتوب عليها إتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين وتحتها سهم أحمر يشير إلي مبني متواضع دفعني الفضول . دخلت المبني وكان المرحوم الشاعر كابر هاشم رئيس الإتحاد آنذاك يجلس في مكتبه وبجانبه أكوام مكدسة من مجلات عربية /الكاتب المصرية
والرافد الإماراتية .والوحدة السورية .ومجلة الأديب الموريتانية .لأول مرة أري الأستاذ الشاعر كابرهاشم .الودود الطيب .كنت أسمع به وها أنا التقيه .رحب بي و تحدثنا طويلا .كنت أسأله وهو يحدثني عن نشأة الإتحاد والصعاب التي واجهها أصحابه دفاعا عن الهوية .والمعيقات أمامه والآمال المعقودة علي الأجيال.
تواصلت زيارتي للإتحاد وانتسبت له . ودفعت ثمن الإشتراك والعضوية 4000 أوقية .
و أصبحت لدي بطاقة هوية كاتب موريتاني .تحت صورتي مكتوب إسمي وفوقها شعار الإتحاد قلم ودواة يلفهما بيتا حبيب بن أوس بن الحارث/ أبوتمام الطائي :
إن يخْتَلِفْ مَاءٌ الوِصَال فَمَاؤُنا /.. عَذْبٌ تَحدَّرَ مِنْ غَمَامٍ وَاحِدِ
أو يَفْتَرِقْ نَسَبٌ يٌؤَلِّفْ بيْنَنَا /.. أَدَبٌ أَقَمْنَاهُ مَقَامَ الوَالِدِ
لا أزال أذكر يوم انتسبت للإتحاد.أن بطاقته أشعرتني بالغبطة وتباهيت بها وأنا أخرج مبناه أمام الريح
في كل مرة كنت أزور الإتحاد آخذ دون استئذان مجلة الاديب الموريتانية وما تيسر من ” مجلات عربية ” من هبات اتحاد الكتاب العرب
في سوريا الذي كان يرأسه علي عقلة عرسان و التي كانوا يرسلونها بالبريد للمرحوم كابرهاشم .
وبقيت مواكبا لنشاطات الإتحاد .وفي هذه الفترة اصدر الإتحاد مجموعة من الدواوين الشعرية لمجموعات من الشعراء الشباب .بالإضافة لصدور الأديب بانتظام .وقد كتبت في جريدة السراج يومها مقالا قبل ذالك أشرت فيه إلي ضرورة إنشاء صندوق مالي لدعم الكتاب الشباب الذين ليس بمقدورهم نشر أعمالهم .وفتح فروع للإتحاد في داخل ولايات الوطن ..
وتوالت اصدارات الإتحاد وفرحنا بها ثم أصبح له موقع الكتروني وبدأ يخطو خطوات طيبة نحو الجمع والأرشفة للنتاج الثقافي الموريتاني .ويتطلع لأكثر .مبني يكون لائقا ومحترما ومكتبة وكومبيوترات وغيرها .
وهنا لايفوتني أن أقول إن المرحوم كابر هاشم رجل الإتحاد الذي صنع مجده. وتركه أمانة للأجيال . سواءا اتفقنا معه أو اختلفنا .الرجل حكيم وشاعر وطني من الرعيل الأول وهو أحد المؤسسين للإتحاد ويعرف جيدا مطالبه وغاياته ورسالته .بالإضافة الي كونه يتمتع بعلاقات واسعة وسمعة طيبه .
وقد ظل والإ تحاد في عهدته يخوض صراعا مريرا من أجل البقاء .وكان حريصا عليه وعلي أهله حتي أنه أحيانا كان يتكفل بسداد فواتير الماء والكهرباء المستحقة علي الإتحاد .
بعد أن رحل الإتحاد إلي الحي الراقي “تفرق زينة
إنقطعت صلتي به وكان ذالك آخر عهدي به
2/
قرأت اليوم بيانا موقعا من خمسين كاتبا ومنتسبا للإتحاديطالبون فيه بفصل الأدب الشعبي عن الأدب الفصيح وأن يخرج الشعبيون من زمرته
واستغربت هذه الدعوة للإقصاء .إذ الأدب الشعبي ليس إلا مظهرا من مظاهر الثقافة وهو لصيق بالذات . فكيف لنا أن ننسلخ منه وكيف يمكننا ان نمحي الثقافة الشعبية من حياتنا ؟
3/
الإتحاد منذ مدة يعيش أزمة وهو بحاجة إلي ضخ دماء جديدة فيه وإعادة هيكلته من جديد وتغيير نظامه الداخلي وعدم السماح بترأسه لعدة مأموريات .وعلي وزارة الثقافة أن تدعمه كل الدعم
وعلي هذا الدعم أن يصرف في شؤون الثقافة كطباعة الدواوين الشعرية والروايات و الأعمال والدراسات التي تتعلق بموريتانيا لا أن ينفق
في السهرات والاستعراضات العبثية في “الفلكلور والرقص الشعبي”والتي غالبا ما تهدر فيها الاموال دون طائل
4/ علي من ينتسب للإتحاد أن يكون يحمل هوية أدبية .لديه مجموعات شعرية او روايات او دراسات نقدية .وليس بصفة الكتابة المطلقة .إذ قد يكون المرأ كاتبا في حقول معرفية أخرى .كالتاريخ والفلسفة وغيرها وهذا إذا لم يكن له انتاج أدبي ليس له أن ينتسب للإتحاد لأن انتسابه سيكون عبئا علي الاتحاد خصوصا اذا كان يطمح لمرامي من وراء ذالك.
إتحاد الأدباء الموريتانين يعاني من مشاكل عديدة في بنيته التنظيمية والهيكلية وهو كغيره من الإتحادات العربية وليس بدعا منها .فمعروف أن هذه الإتحادات محدودة التأثير وفي معظمها راكدة وهي شبيهة بهيئات سياسية تتبع للدولة وتأتمر بأوامرها وتنهي عن نواهيها لاتنشط إلا في فترات المواسيم السياسية والمناسبات والانتخابات .وكما هو معلوم للأسف
الثقافة العربية محكومة بالسياسة .وتابعة لها.
5/
الإتحاد ينبغي أن يكون خيمتنا /بيتنا الذي يضمنا بجميع أطيافنا وانتماءاتنا السياسية والفكرية .ليس لأحد عن أحد .وعلي منتسبيه أن ينأوا بأنفسهم عن الحساسيات والخلافات الصغيره أيا كانت.ايديولوجية /قبلية /جهوية /شخصية
وعليه أن يرأب الصدع و يقضي علي الفجوة بين أطياف وألوان الطيف الثقافي .بالضم والإحتواء والتقارب مع كل الكتاب الموريتانيين سواءا الذين يكتبون بالفرنسية او لغات أخري .
صراعات المثقفين يجب أن تراعي مصالح الوطن لا أن تكون من أجل اعتبارات ذاتية شخصية .لمن أدركته حرفة الأدب أو لم تدركه .
رهان الأدب والثقافة هو الذي يعول عليه في النهاية وليس شيئا آخر . ثم إن الإختلاف صحي ولايضر .فمن لم يسعه بيت الإتحاد .فليبني لنفسه بيتا أو جمعية ادبية ثقافية .
المهم هو التنوع وخلق فضاءات للتعبير بحرية.وعلي الإتحاد أن يدعم كل المهرجانات والفعاليات الثفافية وأن يحافظ علي إستمرارية مهرجانه السنوي
وتنظيم معارض للكتاب في كل فصل من فصول السنة
4/
في ملحق صحيفة الخليج الصادرة يوم
13 أكتوبر 2014م قال الباحث الدكتور سيد أحمد ولد الأمير في مقابلة أجراها معه المختار السالم تحت عنوان /تاريخ شنقيط الكامل لم يكتب بعد .
“سنة ،1999 عملت في مشروع بحثي آخر وهو تصحيح وتنقيح موسوعة المستشرق الألماني أستاذ التاريخ روبشتوك المكونة من ثلاثة مجلدات، وعنوانها: تاريخ الآداب العربية في موريتانيا”
فلماذا لا يسعي الإتحاد لترجمة مثل هذه الدراسات ونشرها .ولماذا لايسعي لنشر مدونات الأدب الموريتاني الكلاسيكي والدواوين الحديثة نشرا يكون أنيقا وراقيا ومدروسا .لماذا لاينشر أعمال الكتاب المورريتانين الكبار موسي ولد أبنو وتن يوسف كي والشعراء الكبار أحمدو ولد عبد القادر وفاضل وناجي الإمام وبدي ولد أبنو ومحمد ولد عبد ي وكابرهاشم ومحمد ولد الطالب وغيرهم ..
ولماذا لاينشر الروايات الموريتانية .مدينة الرياح .الحب المستحيل .حج الفجار .وروايات ولد بيروك الفرنسية وغيره من كتاب الفرنسية .
ولماذا لاينشر أعمال ودراسات المرحوم أحمد ولد الحسن “جمال”وأعمال الدكتور محمد ولد عبد الحي وغيرهم .
علي اتحاد الأدباء والكتاب الموربتانيين أن يسعي جادا لنشر هذه الكتب وغيرها من إبداعات الشباب والمغتربين لما لها من أولوية .وقيمة ستكون بلاشك مفيدة وذات مردودية علي الثقافة والادب والمجتمع الموريتاني .
لا أن يظل حبيس حساسيات صغيرة /ايديولوجية /جهوية /شخصية /قبلية .تتصنع إشكاليات مفتعلة .تارة تتحجج بالإرتحالات من مبني لآخر واخري بجعلها من الحبه قبة /طرد الشعراء الشعبيين
لماذا هذه الدعوة لتصفية الأدب الشعبي ؟ هل يمكن أن تفصل الروح عن الجسد! .أليس الأمر مضحكا .أن تمتلأ الهوية بالمنجز الخاوي !