الملياردير المحسن، رأس الشر, محطم بنك أنكلترا، مهندس ثورات العالم الثالث، جيفارا العولمة.
تعددت الأسماء وكثرت الاوصاف التي أطلقت على هذا الشخص الغامض لكن الشيء الذي يتفق عليها الجميع بدون استثناء هو ان اسم هذا الملياردير الأمريكي مرتبط بجميع نظريات المؤامرة في كل دول العالم من أمريكا الى روسيا ومن الصين الى الشرق الأوسط ومن افريقيا الى أمريكا اللاتينية فمن هو جورج سوروس ياترى!
ولد جيورجي شوارتز سوروس، في 12 أب (أغسطس) سنة 1930 في المجر (هنغاريا) لعائلة يهودية فقيرة ومعدمة، ولكن بحسب إحصاءات مجلة فوربس الامريكية الصادرة في شهر مايو سنة 2020 فقد بلغ اجمالي ثروته 43 مليار دولار الا ان الصافي منها لا يزيد كثيرا عن 8 مليار دولار حيث تبرع بما يزيد عن 34 مليار دولار للأعمال الخيرية ومشاريع التنمية في العديد من بلدان العالم الثالث ما يجعله “المانح الأكثر سخاء” (من حيث النسبة المئوية لصافي الثروة) وفقًا لمجلة فوربس.
وُلد سوروس في العاصمة بودابست، ونجا من الاحتلال الألماني والتعسف الذي تعرض له اليهود على يد النازيين حيث تمكن من الوصول إلى بريطانيا بعد سنتين من نهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1947. درس في كلية لندن للاقتصاد وحصل على شهادة البكالوريوس، ثم الماجستير في السياسة والاقتصاد ومن بعدها الدكتوراه في الفلسفة من نفس تلك الجامعة حيث تتلمذ على يد الفيلسوف البريطاني الكبير كارل كوبر والذي يعد من أشهر فلاسفة اوروبا في ذلك الوقت بناء على كتابه المشهور (المجتمع المفتوح واعداؤه – The Open Society and its Enemies ) وهو الكتاب الذي تأثر به سوروس كثيرا ورسم ملامح حياته وطموحاته المستقبلية.
قام سوروس فيما بعد بتأسيس (صندوق – او مؤسسة المجتمع المفتوح) والذي ينسب اليه تمويل المظاهرات والاحتجاجات والثورات في مختلف بلدان العالم.
بدأ سوروس مسيرته في بريطانيا من خلال تولي وظائف مختلفة اغربها منقذ سباحة ثم حارس امني في محطة قطار لندن خلال سنوات الدراسة وبعد تخرجه عمل في البنوك التجارية في بريطانيا ومن ثم في الولايات المتحدة الامريكية التي هاجر اليها في العام 1956 وبجيبه 500 دولار لا غير، ولكن وبعد مرور حوالي عقد من الزمن تمكن سوروس من جمع ثروة هائلة تنامت بشكل سريع لتتجاوز اكثر من 12 مليون دولار مع حلول العام 1969 وتوالت نجاحاته التجارية المبهرة وبلغت ذروة غير مسبوقة لتصل الى 25 مليار دولار في العام 2011 وهذا هو الجزء الاكبر من صافي اصوله الإجمالية.
حاز سوروس في العام 1992 على لقب “الرجل الذي حطم بنك انكلترا” بعدما أقدم على عملية مضاربة مصرفية ببيع ما يعادل 10 مليار دولار من رصيده من الجنيه الاسترليني محققا ربحا قدره مليار دولار في يوم واحد فقط خلال ازمة العملة البريطانية والتي أطلقت عليها الصحافة البريطانية حينها تسمية يوم الاربعاء الاسود.
اوضح سوروس فيما بعد من انه تمكن من القيام بتلك العملية بناء على دراساته المبكرة في الفلسفة حيث صاغ ما يعرف الان (بالنظرية العكسية لأسواق راس المال) والتي يقول ان هذه النظرية تقدم صورة واضحة عن “فقاعات الاصول”, (الارقام الظاهرية في المعاملات المصرفية) التي تعتمدها البنوك (والقيمة الاساسية للأوراق المالية) من خلال تباينات القيمة المستخدمة علنا في عملية بيع وتبادل الاسهم.
يعتبر سوروس من أنصار القضايا السياسية التقدمية والليبرالية، حيث يوزع التبرعات من خلال مؤسسات المجتمع المفتوح. فبين عامي 1979 – 2011، تبرع بأكثر من 11 مليار دولار لمشاريع خيرية مختلفة؛ وبحلول عام 2017، بلغت تبرعاته للمبادرات المدنية للحد من الفقر ومكافحة الفساد حول العالم، والمنح الدراسية في الجامعات العالمية ب 12 مليار دولار. كما انه ساهم بشكل فعال في انهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وقدم واحدة من أكبر المنح التعليمية في أوروبا من خلال تأسيس جامعة أوروبا الوسطى في مسقط رأسه في المجر.
اثارت نشاطات سوروس السياسية والخيرية على حد سواء حنق الحركات القومية اليمينية واحزاب اليمين المتطرف في اوروبا وامريكا وأصبح تمويله الواسع للقضايا السياسية “كابوس القوميين الأوروبيين” بحسب مقال رئيسي لصحيفة نيويورك تايمز في أكتوبر 2018 “ان نظريات المؤامرة عن سوروس أصبحت سائدة في كل ركن من أركان الحزب الجمهوري الامريكي”. روج العديد من المحافظين الأمريكيين للادعاءات التي تصف سوروس بأنه “صانع الدمى الدكتاتورية” الذي يقف وراء العديد من المؤامرات العالمية.
غالبًا ما توصف نظريات المؤامرة التي تستهدف سوروس، وهو من أصل يهودي، بأنها معادية للسامية. ولكن موقفه من سياسة أسرائيل التوسعية وموقفه الرافض لنتنياهو جعله هدف يسير على انه “معاد للسامية” رغم اصوله اليهودية، ينادي سوروس بحل الدولتين ويعتقد انه لا مناص من منح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.
هناك الكثير من الجدل حول دور جورج سوروس في ثورات الربيع العربي وأبرز ما نسب اليه من انه قام بتمويل “البرنامج الامريكي لتطوير الديمقراطية في مصر” والذي قام بتخطيط وتنفيذ احتجاجات 25 يناير عام 2011 وان سوروس هو في مقدمة من اعترفوا بحركة الاخوان المسلمين ونادى بتمكينهم من المشاركة في حكم مصر.
عارض سوروس اجتياح العراق وهاجم بشدة سياسة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن في العراق في مقال نشرته صحيفة التايمز الأيرلندية بتاريخ 18/5/2004 محذرا من مستقبل مظلم ينتظر العراق نتيجة تلك السياسة الخاطئة وقال سوروس “إن موقف الولايات المتحدة في العراق أصبح “غير مستدام”، ونحن نسلم السلطة إلى الميليشيات المسلحة. مضيفا “إن هذا يمهد الطريق للانقسامات الدينية والعرقية ولحرب أهلية محتملة على طريقة البوسنة بدلاً من الديمقراطية على النمط الغربي”.
العجوز الذي يود انقاذ العالم
يبلغ جورج سوروس من العمر الان 91 عاما ورغم ذلك مازال مصرا على رايه بالمجتمع المفتوح وان لديه رسالة لإنقاذ العالم من خلال تمويل الاحتجاجات الشعبية والمظاهرات في بلدان كثيرة حول العالم ولم تسلم من مخططاته شركات التكنولوجيا العملاقة مثل أبل وجوجل ومايكروسوفت وامازون حيث يرى ان هذه الشركات تمارس الدكتاتورية الناعمة وتسعى للسيطرة على الجنس البشري وحرمان الشعوب من عاداتها وتقاليدها الضرورية لبناء حضارة عالمية بعيدة عن الحدود القومية الضيقة.
وبرغم عمره المتقدم الا انه أقدم على الزواج من سيدة أمريكية من أصول يابانية وهو بعمر 83 عام وكان اول من وصل من المدعوين لحفل الزفاف هو رئيس البنك الدولي فقالت الصحافة حينها من ان الناس تذهب الى البنك ويذهب البنك الدولي الى جورج سوروس.
يرى الكثيرون ممن يعتقدون بتفوق العرق الأبيض في أمريكا وغيرها من ان جورج سوروس هو العقل المدبر الذي يمسك بمقاليد كل شيء في العالم وان هدفه هو إبادة البيض في أمريكا على غرار إبادة الهنود الحمر, وقد أدى ذلك الى تعرض سوروس الى محاولة اغتيال من خلال ارسال طرد بريدي ملغم الى منزله الا ان المحاولة فشلت وتم القاء القبض على الجاني و حكم بالسجن عشرين عاما وبعد مرور خمسة أيام قام احد المتطرفين البيض بمهاجمة كنيس يهودي في مدينة بتسبيرج بولاية بنسلفانيا وقتل 11 من المصلين نكاية بجورج سوروس اليهودي الأصل فيما يعد اسواء مذبحة ترتكب بحق اليهود في تاريخ أمريكا حيث رأى ذلك الشخص من ان سوروس يمثل رأس الشر الأعظم في العالم وانه يتامر لإبادة البيض في امريكا.
جيفارا العولمة
تقول مراكز الاعلام الغربية بان سوروس يشن حربا في كل مكان في العالم وانه يقف وراء معظم الثورات الشعبية التي اجتاحت اوروبا وبلدان أخرى وكان له دور كبير في حرب البلقان وهزيمة صربيا. كذلك يتهم من انه قام بتمويل ثورتين في أوكرانيا كما تتهمه تركيا بتمويل مظاهرات إسطنبول عام 2013 متهمة إياه بانه يسعى لتقسيم تركيا وكذلك اتهمته الحكومة الروسية بالوقوف خلف موجة الاحتجاجات التي اجتاحت موسكو عام 2015 ما أدى الى اغلاق جميع مصالحه هناك وفي ذات الوقت اتهمته حكومة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من انه وراء حملات الهجرة المنظمة الى أمريكا وانه قام بتمويل قوافل المهاجرين من أمريكا اللاتينية من اجل اجبار الحكومة الامريكية على فتح الحدود واغراق أمريكا بالمهاجرين ليصبح السكان البيض اقلية في بلدهم ما اثار نداءات من بعض أعضاء الحزب الجمهوري في العام 2017 داعين الى اسقاط الجنسية الامريكية عن سوروس وترحيله الى بلده الأصلي هنغاريا – بالنسبة لليمين الأمريكي فان جورج سوروس يعتبر رمز الشر في أمريكا وبالنسبة لدول وشعوب كثيرة حول العالم فان جورج سوروس يمثل رمز الشر الذي صنعته أمريكا.
يقول رئيس وزراء هنغاريا فيكتور اوربان، وهو أحد خريجي الجامعة التي أسسها سوروس في مسقط راسه في هنغاريا، بان جورج سوروس يدير مؤامرة سرية لإغراق المجر بالمهاجرين وتدمير الامة الهنغارية وانه تنكر للوطن الام وأصبح عدوا مختبئا خلف ملياراته ولا نعرف ماذا يريد.
يعتقد الكثير من الاوربيين ومنهم رئيس وزراء المجر نفسه من ان نوابا سوروس تجاه أوروبا تمثلت في تأسيس جامعة أوروبا الوسطى التي أسسها في العام 1991 واراد من خلالها السيطرة على مركز القرار الأوروبي من خلال السيطرة على النخبة, على الثقافة والفكر, لغرض السيطرة عليها وتدميرها, ويشاركه الراي رئيس حزب بريكست البريطاني اليميني نايجل فاراج وكذلك ماثيو سالفيني نائب رئيس وزراء إيطاليا ذو الميول اليمينية وتبعا لتحقيق فرنسي كشف عنه مؤخرا هو ان سوروس نجح فعلا بالهيمنة على مؤسسات أوروبية مهمة فهناك 12 قاضيا في المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان يدينون بالولاء له كما ان هناك اكثر من 200 نائب في البرلمان الأوروبي يعملون لصالحه من خلال تمرير اجندته بإغراق أوروبا بالمهاجرين ونسف جهود الوحدة الأوروبية ويسوقون مثال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كدليل على نجاح مساعيه اما في تدمير القارة الأوروبية او السيطرة عليها.
ورغم ان سوروس يعتبر من اشهر واغنى يهود العالم الا ان خلافاته مع إسرائيل ورئيس وزرائها بنجامين نتنياهو بلغت حد القطيعة وطالب كثيرون من أعضاء الكنيست الإسرائيلي بمنعه من زيارة إسرائيل وغلق جميع مكاتبه واصوله التجارية كونه اساء الى سمعة إسرائيل ويقف مع اعدائها ويطالبها بضمان حق العودة للفلسطينيين لكن احد أبنائه يدحض اتهامات حكومة إسرائيل لوالده ويقول ان خلافاته هي فقط مع شخص نتنياهو وليس مع إسرائيل او اليهود كونه يهودي وانه يتمنى ان يقود إسرائيل رجل سلام مثل إسحاق رابين الذي كاد ان يوقع اتفاق سلام شامل مع الفلسطينيين.
بلغت ثروة جورج سوروس هذه السنة 2021 رقما فلكيا يقدر ب 44 مليار دولار وخصص منها مبلغ 34 مليار دولار كصندوق لتمويل مشاريع المجتمع المفتوح بحسب نظريات هذا الرجل الغامض.
في كل الأحوال من الصعب فهم هذه الشخصية المركبة وما هي حقيقته، ولكن ليس من الحكمة التعجل بالحكم على آرائه او تبسيط أفكاره او النظر اليه فقط كمتبرع محسن او طرف في مؤامرة او حتى تبسيط المؤامرة نفسها.
يميل الكثيرون في عالمنا العربي الى نظرية المؤامرة والماسونية وعداء الاسلام ومالى ذلك وهذا هو التبسيط الذي يجب تجنبه فالعالم معقد وكذلك جورج سوروس وامثال جورج سوروس حيث لا يوجد بعد واحد ولا اتجاه واحد ولا سبب واحد والا وقعنا في غياهب الجهل.
يقول الاديب الإنكليزي جورج برنارد شو يجب الابتعاد عن (الانطباع المزيف) فهو اشد خطرا من الجهل نفسه.