تأسستِ النواة الأولى لحزب الدعوة الإسلامية عام 1957على صيغة هيئة مؤلفة من ثمانية أعضاء نظـَّرهم المرجع الديني الروحي الفيلسوف الشهيد السيد محمد باقر الصدر(رض) .. الذي كان له الدور الرئيس في لجنة قيادة الحزب التأسيسية التي تشكلت لأجل مواجهة المد الشيوعي والقومي والعلماني ومواجهة كافة التيارات والأفكار المادية على الساحة العراقية .
برز دور حزب الدعوة الإسلامية على سطح السياسة العراقية في سبعينات القرن الماضي ، حيث تصدى للأطروحات الفلسفية والاقتصادية بالنظرية والاستدلال والاستنباط والاستقراء من خلال فكر قيادته الروحية الممثلة بالسيد محمد باقر الصدر(رض) ..من خلال كتبه الخطيرة التي ألهبت العقل الشبابي الشيعي المسلم في الجامعات والمؤسسات الحكومية والقطاعين الحكومي والخاص ، بشكل واسع الانتشار بالمعيار القياسي العلمي لانتشار الأفكار السياسية والآيدولوجية في التاريخ المعاصر، وذلك ؛ خوفاً على الشباب العراقي من الذوبان في هذه العقائد التي تسرقه من الإسلام .
لقد انطلق ذلك التنامي الإسلامي السياسي ؛ متزامناً مع المد البعثي السبعيني ، الذي جنّد كلَّ طاقاته وأقلامه ووسائله لأجل تبعيث الشعب العراقي كافة ، مما جعل السلطة الحاكمة آنذاك تفتش عن جميع الوسائل والأساليب التي تساعدها على إبادة أي حراك سياسي آخر مختلف على الأرض العراقية ، من شيوعيين وناصريين وإسلاميين (شيعة أو سنة) أو كرد . الأمر الذي تسبب في تقييد انتشار حزب الدعوة الإسلامية،من خلال الحرب السياسية القمعية التي كانت محرقة أبادتْ أبناء الدعوة الإسلامية ومناصريها ومريديها في سجون أبي غريب ودوائر اللأمن في المحافظات أو في أحواض حامض النتريك المركـّز أو ثرّامات الإستخبارت اللاعسكرية أو المقابر الجماعية المجهولة ، أو شرّدتهم إلى الأهوار والجبال أو خارج حدود أرض الوطن الجريح .
فعند نجاح الثورة الإسلامية في إيران و مجيء آية الله الخميني (رض) للسلطة عام 1979؛ قام حزب الدعوة الإسلامية بتأييد وتعزيز العلاقة مع قيادات الثورة الإسلامية الإيرانية ، لكنَّ نقطة الخلاف الوحيدة التي أثارت غبارها على تلك العلاقة هي ؛ أنَّ آية الله العظمى السيد روح الله الموسوي الخميني (رض) يؤمن بولاية الفقيه .. التي تجعل سلطة الكلمة العليا في القرارات السياسية للدولة بأيدي علماء الدين . بينما حزب الدعوة الإسلامية يرى أنَّ السلطة في الحكومة الإسلامية تتحقق بشورى الأمّة . إلا أن هذا لم يكن مانعاً دون استمرار اعتزاز جماهير هذا الحزب وقواعده وقياداته بمشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي صمَّمَ خريطتها الجمهورية مهندس حزب الدعوة الإسلامية الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رض)..على ضوء الرؤى السياسية والمنهجية والتكتيكية التي يراها آية الله السيد الخميني الموسوي (رض) .
من هنا نرى ؛ أنَّ صناعة القرار في الدعوة الإسلامية تختلف عنها في الأحزاب والحركات التنظيمية، إذ لا يوجد في الدعوة الإسلامية جهاز خاص بتوليد القرارات وإنتاجها ، وإنما تتقاسم الدعوة ـ قيادة وقواعد ـ الأدوار في حال صياغتها للقرارات واتخاذ للمواقف ، وضمن دائرة خط السير ووفق ما تتطلبه المرحلة ، فكما أنَّ القيادة تمتلك حق إصدار القرارات ، فكذلك اللجان المركزية والمحلية تحتفظ بحقها هي الأُخرى ، دون إحداث حالة من الإرباك أو إيجاد نوع من التناقض واللامركزية المبعثرة للجهود . ويتم ذلك وفق حقول معينة تملأ فيها اللجان منطقة الفراغ التي تترك لها ملؤها وما يتناسب والواقع المحلي الذي تعيشه اللجنة وتعرف جزئياته ومفرداته وكل تفاصيل الحياة فيه ، ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد بل يتعداه إلى الدعاة أنفسهم .. حيث يخوّل الداعية بالتصرف وكأنه قائد يمتلك حق إصدار القرار وتبني المواقف المطلوبة التي لا تتعارض وخط السير ولا تتجاوز دائرة المرحلة وأطرها، وهذا راجع بالأساس إلى التربية الدعوتية في إعداد الدعاة ، حيث تؤكد لهم ومنذ اليوم الذي يتمتع فيه الداعية بشرف الانتماء لحلقاتها بأنه ـ أي الداعية ـ قائد في الأمّة وجندي في الدعوة ، وبهذا تودعه الثقة الكاملة بقدرته على التأثير والتغيير وتقرير المواقف المناسبة والمطلوبة في محلها . والقيادة هنا ؛ ليست بمعنى الولاية التي هي خاصة بالفقهاء ، بل بالمعنى الذي جاء في القرآن الكريم عن لسان عباد الرحمن ((واجعلنا للمتقين إماما)) …
الدعوة بتوسيعها لدائرة الصلاحيات للدعاة تكون قد جمعت فوائد كل من المنهجية المركزية واللامركزية في التعامل الحزبي السائد في الأحزاب والتنظيمات ، مع اجتناب المؤاخذات التي ترد على هذا المنهج أو ذاك ، فهي ترسم دائرة العمل وتوضّح خط السير وتحمل الدعاة على تفهمها وإدراكها ، ثم تمنحهم حرية التصرف ضمن هذه الدائرة وذلك الخط ، بمثل هذه التربية المنضبطة ؛ تكون الدعوة قد وفرت الفرصة للروح القيادية لدى الدعاة لأنْ تنمو نمواً طبيعيا ، تؤهلها مستقبلا لأنْ تنفتح على عالم أكبر ومسؤوليات أوسع ، من خلال زرع الثقة بالنفس وتسييجها بإطار الالتزام المشروع والسلوك الملتزم ، فتتفتح القابليات،وينمو النبوغ والابتكار . وقد لمست الدعوة المباركة ايجابيات هذه التربية ، من خلال فترات المحنة التي تعرّضت لها في العراق الجريح ، حيث كان العمل الدعوتي يستمر ، والقرارات تتخذ ، حتى في حال انقطاع الدعاة في المناطق عن الدعوة أو عنه .. عند افتقار الرابط بأسباب الاعتقال والاستشهاد ، وحتى القيادة في الدعوة لم تكن لتتصرف بمعزل عن إرادة الحشود الواعية من طلائع الدعاة حينما كانت تبادر لاتخاذ قرار ما ، وإنما هي تعتمد أساساً على آراء الدعاة ، من خلال ما يصلها من تقارير ورؤى وتصورات إزاء الأحداث التي تروم اتخاذ قرار بشأنها . وبهذا فالدعاة يسهمون بصناعة القرار القيادي واقعيا وعمليا ، فهي لا تستغني عن عملية مسح شامل لما في أذهان الدعاة .. من تصورات ورؤى وأطروحات ، وبهذا يتم التلاقح المنتج بين القيادة والدعاة ، وهو منهج أصيل درجت عليه الدعوة الإسلامية المباركة ، وظل سمة مميزة من سمات التلاحم الرائع بين الدعاة ودعوتهم في هذه المسيرة الرسالية الرشيدة.
لقد رسم الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رض) طريق حركة الدعوة الإسلامية في العراق ، وتربّت أجيالها على رؤاه وأفكاره الإسلامية الرشيدة ، وكان رحمه الله ينظر إلى سايكولوجية الشعب العراقي بعين الإمداد الغيبي مرّة ، وبرؤيته العراقية الفكرية الاجتماعية السياسية الديموغرافية أخرى ، فهو كان يعرف جيداً من خلال رؤيته الثاقبة لحقيقة المجتمع العراقي .. من خلال فهمه لحركة التاريخ .. من خلال إدراكه لحقيقة الجماهير .. من خلال فهمة لحقيقة الطغاة ، كان يرى رحمه الله أنَّ الشعب العراقي لا يمكن أنْ تحكمه السلطة الدينية ، ولا يمكن أن تنجح فيه تجربة الحكومة الإسلامية أو ولاية الفقيه ، لهذا أشّرَ للأمّة صلاحية اختيار شكل الحكومة العادلة في العراق ، فوجّه خطابه السياسي والفكري والفلسفي والاقتصادي بلغة يفهمها الجميع .. وجه خطابه إلى السنّي وإلى الشيعي .. إلى العربي وإلى الكردي .. إلى المسلم وإلى غير المسلم .. حاورهم حاججهم فكرياً ، ولم يكفـّرْهم ما نأوا عن إسلامهم وعقيدتهم التي سُرقوا منها بالأفكار والعقائد والأحزاب الدنيوية .
كان الأمسُ مرحلة ؛ واليومَ مرحلة !
هذه المرحلة .. هذا اليوم ؛ الذي أُسقِطتْ فيه سلطة الطغاة ، وارتفعتْ سلطة الجماهير ، بحاجة إلى تنظير دعوتي رشيد ، يعيد لحركة الدعوة الإسلامية نشاطها وشبابها وعنفوانها التليد ، في زمنٍ تخلو فيه الأمّة العراقية من قيادة روحية دينية سياسية تحمل مشعل الثورة التغييرية الانقلابية من جديد .. تضئ العقل الدعوتي الحاضر،الذي آثر الارتقاء على الكراسي البرلمانية والحقائب الوزارية على المنهج الرسالي الثائر الذي رفعه الشهيد الخالد السيد محمد باقر الصدر(رض) : رسالتنا تغييرية انقلابية !!!