خاص : ترجمة د. محمد بناية :
تزداد الأزمة بين “أنقرة” والعواصم الأوروبية على خلفية زيارة رئيس اللجنة الأوروبية إلى “تركيا” اتساعًا، تلك الأزمة التي أشعلها “مقعد”؛ أثناء لقاء “رجب طيب إردوغان”، والوفد الأوروبي. بحسب “سياوش فلاح بور”؛ في صحيفة (همشهري) الإيرانية المقربة من بلدية طهران.
موقف محرج دبلوماسيًا..
وقد كان من المقرر، خلال الزيارة؛ إجراء مباحثات ثلاثية بمشاركة الرئيس التركي، ورئيس البرلمان الأوروبي، وكذلك “أورسولا فون دير لاين”، رئيس المفوضية الأوروبية؛ المعروفة بانتقاداتها اللاذعة لأداء الحكومة التركية في ما يخص قضايا حقوق الإنسان.
وقبل بضعة أيام؛ كانت “فون دير لاين”، قد انتقدت سياسات حكومة “إردوغان” الإسلامية على خلفية انسحابها من “اتفاقية إسطنبول” لحقوق المرأة. إلا أن رد الحكومة التركية، على هذه الانتقادات، كان محيرًا وغير متوقع.
ووفق الصور المنشورة في وسائل الإعلام العالمية، فقد أعد مسؤولي التشريفات بالرئاسة التركية مقعد واحد لرئيس البرلمان الأوروبي؛ بجانب مقعد “إردوغان”، بينما لم تجد “فون دير لاين”، وهي بنفس المستوى الدبلوماسي، مقعدًا، وبدت مذهولة؛ ثم اضطرت إلى الجلوس على أريكة لا تتناسب ومكانتها الدبلوماسية؛ لا كأحد أطراف المباحثات مع الحكومة التركية.
وقد أثار انتشار صور اللقاء موجة من ردود الأفعال النقدية على المستويات الإعلامية والسياسية الأوروبية. فقد وصف رئيس الوزراء الإيطالي، “ماريو دراغي”، تصرف الرئيس التركي: بـ”المهين”. وقال: “يجب أن يكون هناك حدود لسلوكيات هذا الديكتاتور”. وطلب إلى جميع القيادات الأوروبية الدفاع عن مكانة رئيس المفوضية الأوروبية، واتخاذ رد فعل مناسب تجاه “تركيا”.
لكن وكما المتوقع؛ لم يتوقف قطار الصراع بين “أوروبا” و”تركيا”، عند هذه المحطة، واستمر في الحركة بعد رد “تركيا” الحاد على تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي.
وقال “مولود تشاوش أوغلو”، وزير الخارجية التركي، في مؤتمر صحافي: “تصريحات السيد (دراغي) الشعبوية مؤسفة. وتركيا تعرف جيدًا برتوكولات استقبال الوفود الأجنبية، ولن تسمح بإهانة سيادتها الوطنية”.
وبعد ساعات على هذه التصريحات، استدعت “الخارجية التركية”، السفير الإيطالي في “أنقرة”؛ كمؤشر على الاعتراض.
وقد شهدت العلاقات بين “تركيا” و”الاتحاد الأوروبي”، لاسيما في السنوات الأخيرة، توترًا شديدًا، وتعتبر حادثة “المقعد” آخر محطات هذا الصراع.
لكن ما هي جذور احتدام التوتر، وكيف تحولت “تركيا” من دولة تأمل في عضوية “الاتحاد الأوروبي” إلى منافس للاتحاد في مختلف الميادين ؟
مخاوف من إحياء التاريخ !
حذّر الكثير من السياسيين بل والمفكرين الأوروبين، في السنوات الأخيرة، من مخاطر “إحياء العثمانية في تركيا”.
وكانت مجلة (إشبيغل)؛ قد نشرت، في العام 2019م، كاريكاتير عن “إوردغان” يقف أمام الباب الأوروبي؛ وكتبت: “رفع القدرات الاقتصادية والعسكرية التركية بالتوازي مع صعود التيارات الأصولية الإسلامية في هذا البلد، يمثل تحذيرًا للمستقبل الأوروبي”.
ويمكن ملاحظة أصداء هذه المواجهات والمخاوف المتزايدة في الكثير من الملفات، من الحرب بالوكالة في “ليبيا”؛ وحتى الصراعات المباشرة في “البحر الأبيض المتوسط”، والمنافسة على أسواق “أوروبا الشرقية”، والتهديدات المتبادلة في قطاع أمن الطاقة؛ بل والإصطفاف في بعض الدول العربية.
وفي هذا الصدد؛ تقول فضائية (الجزيرة) القطرية: “تسعى أوروبا لإضفاء صبغة (إيديولوجية-دينية) على المواجهات مع تركيا، بينما الواقع يشير إلى المنافسات في مجالات الاقتصاد والطاقة بين الطرفين. وأفضل دليل على هذا الإدعاء هو الاتفاقية التجارية الكبرى، بين لندن وأنقرة، عقب انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.
والطريف أن الحكومة البريطانية سعت، (بعكس مواقفها خلال السنوات الماضية)، لأن تنأى بنفسها عن الصراعات بين “أوروبا” و”تركيا”؛ والقيام بدور محايد وأحيانًا الوساطة في هذه الأزمة.
وكانت مؤسسة (كارنيغي) قد نشرت، العام الماضي، تقريرًا يناقش التحديات التركية بالنسبة لـ”أوروبا، خلال العقد المقبل، يتوقع إفتقار القوى الأوروبية للقوة الكافية للمواجهة ضد هذه التحديات دون الدعم الأميركي.
ووفق التقرير؛ تتنوع التحديات على المستويات الاقتصادية، والعسكرية والثقافية.
بخلاف تقوية الميول الدينية والعثمانية الجديدة في “تركيا”، وتأثير ذلك المباشر والمقلق على وضع الأقليات الإسلامية في القارة الأوروبية، وقد اتكسب هذه التحدي قوة، لا سيما بعد الاستثمارات التركية الرئيسة، خلال العقدين الماضيين، في المراكز الثقافية والدينية الإسلامية بأوروبا.