اعتزلنا ( الكلام ) وفسحنا المجال لهذا القلم وذاك اللسان كي يتكلموا بالحق ويجربوا حظهم مرةً واحدةً ، رغم جهلهم وأميتهم وبُعدهم عن أصول الكتابة .. بل إنَّ معظمهم لا يميز بين الضاد والظاء ولا يعرف هل أنَّ المبتدأ مرفوع أم منصوب .. قلنا على الأقل نفهمُ ما يكتبون وما يظهرون على ( الفضائيات العراقية ويدعي الوطنية اليوم في عراق ما بعد التغير .. بين هذه الأعمدة تتداخل أصوات شدت رحال أنينها لساعات توزعت بين أشلاء النخيل وغربة الاشتياق وخرير منفي لماء يتجه إلى الجنوب والوسط والشمال , أنها المنارات وقباب الذين كانوا يستظلون بالتقوى , يكاد الداخل إلى العاصمة العراقية ( بغداد ) يشعر بالرعب التام ويكون دخوله أشبه بالدخول إلى مدن تحاصرها جيوش ( الغزاة ) ومساعديهم من كل الجهات !
مدينة ( السلام ) المعابد الدينية تحول رخام جوامعها وكنائسها ومعابدها إلى أناشيد حزينة وشوارعها تستصرخ ضميرا وقلوبا توحشت بها أرصفتها المتكسرة , انظر ها
أهلها يعاد أليهم ( الإرهاب ) بعد أن وضعت الحرب أوزارها في هذه المدينة الباسلة المجاهدة العظيمة , أعود من جديد إلى مدينة الجمال بغداد الحبيبة وأعلن في هذه اللحظات وقريبا من أفق يحمل ألينا فرات العراق وشمس أمنياتنا بعيدا عن حزن مدفون مقتبس من أبنائها المهجرون في جميع دول العالم , وانين السدود ومنارات الدعاء المخضب بصلواتنا دعاء متبسما بعشق العراق وأهل العراق , اعذروني فانا مغرم بالذين وهبوا قلوبهم حبا وزرعوا أنفسهم حصادا للطيبين من اجل هذا البلد أيها الوطن الكبير الجميل العزيز اقترب مني فانا محتاج أليك جدا في هذه الأيام , يوم التاسع من نيسان من عام ( 2003 ) الذي اعتبره البعض من السياسيين نصراً خالد لهم , ومع الأسف الشديد يوما وطنيا دثرني يا نخل العراق احملني إلى ضفاف دجلة الخالد ثم إلى الفرات إلى البصرة والى بغداد ,أوصلوني إلى مدينة التآخي كركوك الغالية وأرجعوني إلى النجف الاشرف وديالى والعمارة والرمادي ودهوك وكربلاء واربيل والحلة والبصرة والسماوة والناصرية والسليمانية , هل أبدو بعيداً عنها , أم قريبا من ساحل فارغ يقع على شاطئ دجلة العجيب , أنها ساعات النهار الأخيرة , تودع الشمس أبناء مدينة السلام بغداد الحبيبة يوما آخر اسمه يسبح به الناس لله العلي القدير يبدأ بعبير وتلاوات المسبحين نحو جهة الغروب فإذا بجموع الناس ترفع الأذرع إلى الباري عز وجل وتنقل رائحة السلام والأمان إلى أبناء هذه المدينة حيث بدأت مئات المآذن تدعو الناس إلى صلاة المغرب , سرت في شارع طويل بعد الصلاة يكاد يفرغ تماماً من الناس بينما كانت الأعداد من السيارات المسرعة تذهب إلى حيث لا ادري , وفي اللحظة نفسها لا ادري لماذا تذكرت ذلك السؤال لو أحصينا عدد المآذن والمساجد والحسينيات والكنائس والمعابد الدينية في بغداد لفاتنا الكثير لكنها تبزغ شامخة من بعيد يرفرف الطير فوق أحواض جميع المعابد الدينية ولجميع طوائف هذه المدينة وأهل ( بغداد ) الأصليين منهم يتمسكون بالتقاليد العربية والإسلامية والديانات الأخرى التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم لكنهم يتآلفون مع الغرباء حتى ينصهر الغرباء بينهم , لكن مع الأسف لا ادري ما حل بهذه المدينة التي لها حضارة انتشرت شواخصها في كل بقاع العالم , تحكي قصة شعب عريق مبدع متسلح بالعلم , كان ولا يزال يثير في النفس اعتزازا , ومباهاة واعتلاء لناصية الفخر عبر ما تحقق لها ضمن مسيرتها الطويلة الحافلة بالعطاء حتى وصفها احد المؤرخين بأنها قطعة من التاريخ والحضارة والإنسانية , وها هي المدينة التي خطفها الأعداء بعد عام ( الاحتلال ) من الفاسدين والطامعين الذين يعتقدون أن هذه المدينة مزرعة مهجورة لا أصحاب لها ولا أهل يحرسونها ويحمونها من قوات الاحتلال والعفاريت الجديدة التي خرجت للتو من القمقم لهذه الأرض رافعين شعارا لأبناء هذه المدينة يجب أن تغادروها ولكنهم نسوا أن في العاصمة الجريحة عباقرة كثر وشجعان كثر وحكماء كثر لكن الوقت غير متاح للمبارزات بين أولئك العباقرة والشجعان والحكماء بل هو وقت أيجاد المخارج للناس قبل أن تحترق هذه المدينة والسؤال هنا يطرح نفسه أمام الحكومة العراقية وأعضاء مجلس النواب السابقين ماذا فعلتم لهذه المدينة التي ظلت شوارعها مقفرة أبنية تهاوت وتهدمت , أزقة لونتها الشعارات الطائفية , ومآذن ومعابد أتعبها الرصاص ,تلك المدينة كانت غافية على حلم دجلة لكن حالها تحول إلى كابوس أطبقت من خلاله قوات الاحتلال على جميع مفاصلها الحيوية وشرايينها التي تؤدي إلى استمرار الحياة فيها , فهي تعيش اليوم في حصار جديد لم تألفه كتب المصطلحات السياسية والعسكرية وهذا حال لسان أبنائها الطيبين على من تقع مسؤولية هذا التدمير المبرمج وفقدان الحياة المدنية العامة وتهجير أهلها المساكين في مدينة كانت عقدة المواصلات المهمة في الشرق الأوسط وتسمى ومازالت ( مدينة السلام ) أهلها يتهمون من يتهمون باصطناع هذا الوضع للحيلولة دون استمرار الحياة فيها وحكومة ( بغداد ) أغلقت أبوابها أمام الجميع وتبقى الأسئلة بلا أجوبة واضحة برغم الحملات الأمنية الاستعراضية ,فمن المسئول يا ترى ولماذا , وها هي بغداد اليوم رجع فيها الأشرار من الكتل السياسية الفاشلة التي بعثرت كل جهد يؤدي إلى الإصلاح في هذا البلد ,وان من أغتال مدينة الشرف ( بغداد ) سيدفع الحساب قريبا أن شاء الله وصدقوني أن عاصمتي الغالية الحبيبة .. لن تسقط سهواً.
قد تكون صورة لـ جسم مائي وسماء