I
عِنْدَمَــا قـــرأ أَبُــوه الْقَصِيدَة الْأُولَى،
نَظَرَ إلَى السَّمَاءِ وأصدر صوتًا،
هَمْهَمَةٌ كَصَلَاة سَرِيّة،
لَمْ يَسْتَطِعْ فَكّ طلاسمها، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ مِنْهَا
سِوَى كَلِمَتَيْن:
((أحمق كَأَمُه! ))
حَتَّى وَهُو يُشَارِكُه يومياته الْخَرْقَاء
وجلسات الشُّرْفَة،
وَطَرِيقَة إعْدَادُه لِلطَّعَام،
يَضَع الْقَصِيدَة تِلْوَ الأُخْرَى
تَحْت وِسَادَتِه،
ويُرهِفُ السَّمْعَ مِنْ خَلْفِ البَابِ
ويخدشه صَوْت تَمْزِيقُ الْوَرَقَةِ .
II
يجادله فِي الْمُشَاهَدَات اليَوْمِيَّة أمَام التَّلْفاز
ويتصنع الضَّحِك،
عِنْدَمَــا يَسْخَر مِنْهُ وَمِنْ إنبهاره بِصَوْت البيانو
فِي حَفْلاَت الأوركسترا المسائية،
يَرَاه يُخْرِج الصَّوْت الْمُعْتَاد السَّاخِر مِن حَمَاقَته
فيَبْتَهِل ليلًا قَبْلَ النَّوْمِ:
((لو يَختَفِي يَا اللَّهُ عِنْدَ الْفَجْرِ ؟ ))
يَسْمَعُهُ كُلُّ يَوْمٍ يدندن بأغنياته البائسة
يُفَكِّر:
أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الأغنيات حتمًا،
يُصَاحِبْهَا صَوْت البيانو بِأَصَابِعِه السَّوْدَاء
وَالْبَيْضَاء، كَبَاقِي الْآلَات،
مَع الْكمَّان ، والشيللو ، والهارب.
III
عِنْدَ الْفَجْرِ ، سَمِع الْأَنِين الْمَكْتُوم
دقات يَدُهُ الْخَامِدَة عَلَى الْحَائِطِ
رَآه يَتَقَيَّأ دمًا، ويسبه:
((مَلْعُون ! ! ))
وَرَأَى قَصِيدَتِه الْأَخِيرَة، مشطورة لنِصفَيْن
مَشْهَد الِاحتِضَار ، كمشهد مَوْت البَطَل
فِي الفِيلْم
الَّذِي اعتادا عَلَى مُشَاهَدَتِه سويًا
إلَّا أَنْ أَبُوه كَان يَحتَضِر ، هادئًا ، مستسلمًا
يَنْظُر لِفَرَاغ الغُرْفَة، كَأن يرقات مُضِيئَةٌ تُودِعه
أفْغر فَمِه، وَكَانَت أَسْنَانه سَوْدَاءَ وَبَيْضَاءَ
كَأَصَابِع البيانو.