كثير هي التحديات التي تواجه العملية الديمقراطية في الأقطار العربية، ومنها فلسطين بالطبع، ونحن مقبلون على الانتخابات الفلسطينية بشقيها، هناك مجموعة من التحديات التي تواجه الأنظمة العربية للتحول إلى الديمقراطية، لا بد من الوقوف عندها، والتي يمكن إجمالها في التالي:
1. البنية الثقافية, والاجتماعية السائدة؛ كونها قد تقف عائقاً أمام الانتقال الديمقراطي, سواء كانت من الحُكام، أو ذوي السلطة، ولكن قد يكون مصدرها بنية المجتمع ذاته, والثقافة السائدة فيه.
2. مدى ديمقراطية المعارضة السياسية فى البلاد التي تطالب بالديمقراطية!
3. غياب نموذج عربي للحكم الديمقراطي، فحتى الآن يفتقد الوطن العربي بدوله نموذجية ديمقراطية يمكن محاكاتها باعتبارها النموذج الأمثل للحكم الديمقراطي؛ لأن حال العرب لا يستقر إلا مع الاستبداد السلطوي الداخلي والخارجي أيضاً.
4. غياب مفكرين ديمقراطيين متنورين، فلا يوجد في مراكز صنع القرار مفكرين لتوجيه القيادة السياسية الرسمية، وإن وجدت فيها، فإنها تغيب بشكل متعمد.
5. غياب ثقافة الديمقراطية بين جموع المواطنين، من خلال اصطناع الديمقراطية، أو ما يشابه الديمقراطية.
6. النظر إلى الديمقراطية على أنها استعمار غربي، وأنها -تدخل في الغزو الثقافي-, بل تم ربطها بالفوضى البناءة عند البعض.
7. تعامل الجماهير بحذر مع الديمقراطية؛ لأنها وليدة فكرة النخبة البرجوازية, ومع شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت أكثر وضوحاً، وانتشاراً.
8. غياب نخب المثقفين ديمقراطياً، لتكون بمثابة القاطرة التى تقود عملية التحول الديمقراطي, لأن جزء من المثقفين ينافق صاحب السلطة والتنظيم، والجزء الآخر منفى، ويرغب بالانقلاب، والإفلات من الحيز المتواجد به، والانسلاخ عن الواقع.
9. مجتمع أبوي, لرب الأسرة حق الحياة والموت على أسرته, كما ويرفض النقد, ولا يقبل الحوار, بالإضافة لأنه يفرض السيطرة فقط.
أضف إلى ذلك محدودية قضايا التنمية, وانتشار العنف السياسي ” الإرهاب”, والطائفية, والصراعات الاثنية, وعلاقة الديمقراطية بالعلمانية, إلى جانب العامل الاقتصادي, والفقر, وأزمة النخب السياسية , والوساطات والمحسوبيات في دوائر الحكم, وأزمة أحزاب المعارضة، التي لا تقل شأناً عن أزمة السلطة الحاكمة, وانتشار الأمية والجهل, في ظل ضعف قوى ومنظمات المجتمع المدني في تنفيذ الدور المنوط بها، كل ذلك أدى لرسوخ بناء هياكل التسلط والاستبداد, وغياب مبدأ التنافس على السلطة, والتوريث, المعاناة من المرحلة الانتقالية و أزماتها, ومشكلاتها, واستفحال العداء بين المجتمع والدولة، خاصة بعد تزاوج الثروة والسلطة، وإنتاج منظومة سياسية محتكرة على الطرفين، الأمر الذي أفضى لوجود النزعة البوليسية أو الأمنية تحت أي مسمى كان.
تلك هي العوامل التي تؤثر على تواجه الأنظمة العربية للتحول الديمقراطية الصحيح؛ لذلك لا بد من انتشار الثقافة الديمقراطية داخل المجتمع قبل دخولها المؤسسات العربية، واعتقد أن مشكلتنا مشكلة ثقافية بالدرجة الأولى, ولها مردودات اجتماعية وسياسية، وترسباتها تظهر في النفاق والتبعية والرعوية والانصياع والطاعة العمياء، وغير ذلك.
فعندما خاضت بعض الدول العربية الديمقراطية, بوضعها الحالي، وقعت أزمة الدولة الوطنية بين تياراتها وأحزابها السياسية المتعددة والمختلفة في أيديولوجياتها؛ لأن تلك الديمقراطية أدت إلى إحياء الطائفية والاثنية, وتباعدت الثقة بين طبقات المجتمع، ثم أن الديمقراطية سُحقت ما بين مطرقة الأنظمة، وسندان الإسلاموفوبيا.
بالإضافة إلى انقلاب الانتخابات على أصولها الديمقراطية, لأن فقدان ثقة المجتمع بالتغيير من خلال الانتخابات، يجعل الجماهير تقرر انتزاع حقها بيدها, والقوى التى فقدت ثقتها بالانتخابات قد تبحث عن طرق أخرى, مثل: العنف، والعصيان المدني أو الانقلابات العسكرية.