«من رواية قنابل الثقوب السوداء»
أجلس مؤيدُ بروفيسور بيتر ليتدبرا أمر الحصار، فقد بدأ رجال الاتّحاد يتساقطون مِن الإعياء في الأنفاق بسبب اضمحلال وسائل الإعاشة ولاسيما بعد أن باعت الأنظمة العربية قضيتهم برمتها وسلمتها لإسرائيل على طبق من فضة.
قال مؤيد يائسًا: «ألا يوجد مخرج يا أبتِ من هذه الكارثة؟»
ردّ بيتر: «للرب الأمر من قبل ومن بعد، لعنة الرب على رئيسنا؛ فقد باعكم، أما أنا، فأنت تعلم أني اشتريتكم.» سكت هنيهة ثم قال والدمع ينهمر من عينيه: «ولا حيلة لي يا ولدي، لا حيلة لي على أمريكا كلها.» صمتٌ لازمه بكاء متقطع وهو يمسح دموعه بأنامل يده من جانبي وجهه.
– «هون عليك يا أبت، هون عليك.»
– «أعلم أن اتحاد المقاومة ينهار، اسمع، سأقترح اقتراحًا، سمعتُ عن ابن فطين -فهمان- بأنّه اخترع خلية صمامية باتت الوسيلة الفعالة في إطفاء الحرائق، اذهب إليه، اذهب لعله يجد حلاً علميًا لفك هذا الحصار.»
– «أو تظن ذلك؟»
– «أنا كعالم في الفيزياء الطبية أقول لك من الممكن أن يكون لديه حل.»
– «أتظن أنه قد يصنع لنا سلاحًا نقهر به عدونا؟»
– «نعم.»
قال مؤيد بلهفة:«سأسافر سويسرا غدًا.»
– «لقد تركها، تركها وذهب إلى مصادمي سيرن.»
– «سأذهب إليه.»
– «اذهب إليه، واعلم أن الله لو مد في أجلي فسترى ويرى هذا العالم أينشتاين الثاني.»
– «ألهذا الحد وصل ابن فطين؟»
– «نعم، بدايته خلية صمامية، ونهايته قد تكون قنبلة ثقب أسود، اذهب إليه يا ولدي.»
***
الرئيس مهديّ جالس في مكتبه مع نائبه يتبادلان الحديث عما آلت إليه الثورات العربية من دمار، ثُمّ تطرّق الحديثُ عن الشأن الفلسطينيّ، وأبدى مهدي تعاونه معهم. ثم تبادلا الحديث عن الشأن المصري، وفيما قاله الرئيس: «كلّفْ رئيس مخابراتنا بالتّحرّي عن حادثة فندق هيلتون طابا والتي اُغتيل فيها عالم الروبوت المصريّ، أريد حقّه.»
قال النائب: «سمعا وطاعة سيادة الرئيس.»
استطرد الرئيس كلامه السابق: «قل له ألّا يغيب فتى جنيف -فهمان- عن عينيه، عليه بإحكامْ المراقبة عليه حتى لا يمسه أحد بسوء، أريد تقريرًا مفصلا عنه لحظة بلحظة.»
سكت وهو يهز رأسه وهو يقول بتأثر: «فالأمور تسير إلى منعطفٍ ملتهبٍ، والموساد يضرب بكلّ قوّته الآن، ولا يرحم حتى الرضيع الذي يلقم ثدي أمّه، لا أريد حادثة فندق جديدة (يقصد الخوف من اغتيال فهمان كما اغتيل العالم المصري).»
– «سأجعله يخبرك بالنفس الذي يتنفسه.»
– «وائتني بتقرير ملف المياه أولاً بأول.»
وقبل أن ينصرف النائب دخل وزير المخابرات المصريّ عليهما متصنّعًا الفزع والجهل وقال: «إنّ الشعب المصريَّ يتظاهر بسبب الجفاف الذي ضرب كافة أنحاء البلاد.»
هبَّ مهديّ منتفضًا وقال: «وأين كنت أنت؟ أين كنت أنتَ؟ ثورة!» ثمّ صرخ في النائب: «صلني بوزير الطاقة المائيّة ووزير التكنولوجيا.»
وانعقدَ الاجتماع، وقد حضره أيضًا رئيس الوكالة الفضائية، فقال وزير التكنولوجيا: «أنت تعلم سيادتكم أين ذهب ماء النيل، وطوال القرون الفائتة ومصر تعاني من نقص المياه.»
فردَّ مهديّ: «دعك من النيل، فهو صنيع من قبلي ولا أملك حيلة إزائه.»
سكت وهو ينظر إلى الجميع: «كان يجب عليكم توخي الحذر مِن البداية، خبراء الأرصاد قالوا منذ شهور أنّ المطر لن ينزل هذا العام، والمسح الجيولوجيّ أخبركم أنّ المياه تحت الأرض لن تكفي حاجة الشعب مِن الشرب.»
ثمّ نظر إلى رئيس المخابرات خاصة وأومأ بسبابته: «وكان يجب على هذا أن يخبرني بوجود بوادر ثورة حتى أتدارك الأمر، والآن، ماذا عساي أن أفعل؟» أطرق رئيس المخابرات ولم ينبس بكلمة.
قال وزير الطاقة المائيّة: «لابدّ من التوسّع في تحليّة مياه البحار، والكشف عن الآبار بالأقمار الصناعيّة، وعملية مسح شامل لكلّ أرضين مصر.»
ردّ مهديّ معنفًا: «ما شأني أنا بغدًا، إنما أريد حلاً الآن، أريد سقاء أبنائي الآن، الآن، وأقسم بالله سوف أحرمكم مِن الماء وأعطيه لهم.»
رمقه الجميع وهم يوارون أبصارهم عنه خشية كشفهم.
فشعر مهديّ باعتراضهم فقال محذرًا: «لا توارونِ أبصاركم عنّي، أنا لن أتركَ شعبي يموت عطشًا وأنتم تملكون داخل قصوركم وفيللكم حمامات سباحة، سوف أرسلهم إليها، ولو وصلوا إليكم فلن يتركوا فى حماماتكم قطرة ماء؛ فجوالينهم أكثر عددًا من نجوم السماء.»
نجوم السماء، نجوم السماء، تمتم وزير التكنولوجيا بها، ثمّ هبّ فجأة قائلاً: «عندي اقتراح.»
قال مهديّ :«اتفضلْ.»
– «نلقي بمادة يوديد الفضة على السحاب؛ فنحفّزها لتنزل على الأرض؛ فيشرب الناس ويحتفلون بنجاتهم بعدها.»
– «كيف؟ لم أسمع بذلك من قبل، بين لي.»
– «هي عملية تلقيح للسحب، فالمنطقة المرادة للتلقيح لابدّ فيها مِن تحويل بخار الماء الخفيف السابح في السماء إلى قطرات ثلج جافة متكسّرة الأجنحة، أىْ ثقيلة، فتنزل على هيئة أمطار، ولا يتمّ ذلك إلّا في وجود درجة حرارة منخفضة.»
– «وكيف تحوّل بخار الماء إلى ثلج جاف لتتكسّر أجنحته فيهوى صريعًا بعدما كان طيرًا خفّاقًا يحلّق في أعالي السحاب؟»
– «لحسن الحظ أنّ الجوّ بارد هذا اليوم، لكنّ البخار يحتاج إلى عملية التلقيح كما ذكرتُ، وهنا يأتي دور يوديد الفضة، حيث يساعد تراكم قطرات الماء على سطحها في تشكيل كريستالات مِن الثلج ما تلبث أن يزداد حجمها لتهبط باتجاه منطقة حدّ الانصهار ويحدث المطر، ولكن توجد مشكلة …»
– «ما هي؟»
هنا تدخل وزير التكنولوجيا ليثبت وجوده على الرغم من أن المسألة برمتها تخص وزير الطاقة المائية فقال: «لابدّ مِن رصد طبيعة السحب، فالسحب الركاميّة هي السحب المناسبة لعملية الاستمطار، وهنا يأتي دور الأقمار الصناعيّة ورداراتها، ممكن سيادتكم تكلّفوا وكالة الفضاء المصريّة بتوجيه الأقمار على السحب المعلقة في الماء لدراسة طبيعتها.»
نظرَ مهديّ إلى مدير الوكالة الفضائيّة المصريّة وأمره بإصدار أمر لتوجيه الأقمار لأداء عملية قياس طبيعة السحب، ثمّ نظرَ إلى أحد الوزيرين وأمرهما بالاستئناف.
تكلم وزير الطاقة المائية: «إذا جاءتنا النتيجة إيجابيّة يأتي هنا دور الطائرات.»
قال مهدي مقاطعًا: «وتحمل الطائراتُ يوديد الفضة وترميها على المنطقة السحابيّة فتتلقّح وتسقط الأمطار.»
– «بالضبط، لكنْ لابدّ من مواصفات خاصة للطائرة.»
أشار مهديّ بكفّ يده ليكمل .
– «نريد طائرات بمحركيْن، وهناك مولدان ليوديد الفضة يوضع كلُّ مولّد تحت جناحي الطائرة، ويوجد مع سائق الطائرة مهندس متخصص يرصد إحداثيات الموقع الذي سيرمي فيه مادة يوديد الفضّة مِن خلال المولّدين.»
وعلى الفور، أمر مهدي على الهاتف وزير الطيران بتجهيز الطائرات المعنية. وانفضَّ المجلس.
ولم يمر سوى يوم واحد إلا والطائرات تسبح في السماء، وأنزلت السحاب؛ فابتسمتْ شفاه المعتصمين المتشققة، فشربوا واستحموا وكبّروا، وتلاعبوا وتراشقوا بحبيبات الثلج.
وقد نزل مع الثلج رسائل تهنئة من الرئيس مهديّ إليهم ونصها: «لا يعطش مصريّ أبدًا ورجال القوّات المسلّحة فيها، هذا واجبنا» وهذه العبارة أثلجتْ صدورهم قبل حلقوهم، وآوتهم قبل خيامهم.
ملأوا جوالينهم، واغتسلوا بعد طول انتظار، ثم ما لبثوا أن ذهبوا إلى خيامهم داعين للرئيس بالتوفيق والسداد.