بداية دعونا نتّفق أنّ الإنتخابات التّشريعيّة والرّئاسيّة مطلب واستحقاق جماهيري، لكن ما يجري على السّاحة الفلسطينيّة من صراع بين القوى السّياسيّة، والصّراع داخل كلّ قوة لا يبشّر بالخير، ولن يكون في مصلحة الوطن ولا في مصلحة المواطن. ويبدو أنّ القيادات التي انتفخت إلى درجة كبيرة غير مستعدّة للتّخلي عن كبريائها، الذي جعلها تدافع عن مصالحها الشّخصيّة أكثر من دفاعها عن التّنظيم أو الحزب، الذي ينتمي كلّ من المتصارعين عليه.
فالصّراع داخل حركة فتح كونها الحركة الوطنيّة التي تحظى بأوسع تأييد والتفاف جماهيري، وكونها العمود الفقري للحركة الوطنيّة، لن يكون في صالح أيّ من الطّامعين بالمناصب العليا، ولا في صالح الحركة نفسها، وبالتّالي لن يكون في صالح الوطن والشّعب. فأن تخوض فتح الانتخابات التّشريعيّة في ثلاث قوائم، “قائمة اللجنة المركزيّة برئاسة الرّئيس محمود عبّاس، قائمة محمد دحلان، وقائمة مروان البرغوثي ود. ناصر القدوة”، عدا عن قوائم فتحاويّة أخرى ستخوض الإنتخابات كقوائم مستقلّة، وستكون نتئج الإنتخابات إن جرت في التّاريخ المحدّد لها في 22 مايو القادم، خسارة فادحة لحركة فتح، وبعدها ستنشب حرب إعلاميّة بين “الإخوة الألدّاء” ليحمّل كلّ منهم المسؤوليّة لغيره.
والصّراع بين القوى التي تدّعي اليساريّة لا يقلّ خطورة عمّا يجري داخل حركة فتح، فهذه القوى لم تتّفق على قائمة انتخابيّة موحّدة، وغالبيّتها إن لم تكن جميعها لن تحصل على مقعد واحد في المجلس التّشريعيّ، وظهر الصّراع بشكل واضح داخل كلّ تنظيم أيضا، بحيث انسحب البعض منهم من تنظيمه؛ لأنّه لم يتّم ترشيحه في أوائل قائمته التّنظيميّة. وهذا يقودنا إلى سخافة إعلاميّة ردّدها كثير بوصف البعض بأنّه “قائد بحجم الوطن”، دون أن يدركوا مدى إساءتهم للوطن وللشّعب بهذا الوصف، فعن أيّ وطن تحدّثوا ويتحدّثون عن شخص بحجم هذا الوطن؟ وماذا سيصفون مئات آلاف الأشخاص الذين ضحّوا بحياتهم وحرّيّتهم دفاعا عن هذا الوطن؟
وهذا الصّراع يعيدنا إلى خطيئة أوسلو، والتي من خلالها جرى تفريغ الحركة الوطنيّة من مضمونها، وجزء من هذا الصّراع الذي تعاني منه حركة فتح قبل غيرها بدأ منذ أن تحوّلت إلى حزب حاكم، وبدْءِ الصّراع على المناصب الذي خلّف فسادا وظيفيّا عانى الشّعب ولا يزال يعاني من نتائجه الوخيمة.
فهل يدرك “القادة العظام”! من جميع القوى خطورة وعواقب صراعهم حول مقاعد المجلس التّشريعيّ؟ أم أنّنا أمام عمليّة انتحار جماعيّ لهذه التّنظيمات؟ وهل استوعبوا مدى خطورة انشقاق قطاع غزّة عن الضّفة الغربيّة منذ حزيران عام 2007 وحتّى يومنا هذا بعد انتخابات عام 2006 التّشريعيّة؟ وهل سيكتفون بالفشل الذي سيحصدونه من هذه الإنتخابات، أم سيقودون أتباعهم إلى ما هو أسوأ وأمر وأخطر من ذلك؟ وهل هذه الإنشقاقات والصّراعات ناتجة عن قناعات للقائمين عليها أم أنّهم ينفّذون أجندات خارجيّة؟ وإن كانت هذه قناعاتهم فلماذا سكتوا عليها قبل الإعلان عن الإنتخابات؟ ولماذا لم يعملوا على تصحيح الأخطاء من داخل التّنظيم إن كانوا مصلحين حقّا؟ وما مدى مسؤوليّة كلّ منهم عن الأخطاء التي يتحدّثون عنها، خصوصا وأنّهم كانوا يتربّعون على قمّة الهرم التّنظيميّ؟ والحديث يطول؟ وكان الله في عون شعبنا.