3 نوفمبر، 2024 12:35 ص
Search
Close this search box.

مُهان حياً كان أو ميتاً …..

مُهان حياً كان أو ميتاً …..

آه على آه على آه ما عدنه حظ وباك والله…. يا عراق يا ملوع المحبين يا ميتم ألاف وملايين… قلبي عليكم يا مساكين كلمن ينوح اليوم بلواه … لا أريد اليوم إن أحزنكم أو أبكيكم باستهلال مقالتي بهذه الكلمات التي استعرتها من أغنية للفنان الكبير كاظم الساهر مع قليلا” من التعديل ولعلي أيضا لا استطيع ذلك لسبب بسيط إن الحزن والبكاء لدى شعبنا العراقي هو ليس حالة طارئة أو استثنائية تمر بالإنسان يوما أو اثنين لتزول بعدها فيرجع الإنسان لممارسة حياته الطبيعية على العكس من ذلك … الحزن والبكاء أصبح جزء من التكوين البيولوجي للإنسان أو الشخصية العراقية لا يستطيع العيش بدونها مثلما لا يستطيع العيش بدون الماء و الهواء أو بدون قلب ينبض في احد أركان قفصه الصدري… حزن ينبض في قلوب العراقيين وبدون هذا الحزن تتوقف قلوبهم وتنتهي حياتهم ….
إحزاننا كثيرة لا تعد ولا تحصى تبدأ بفقدان الأحبة ولا تنتهي بفقدان الكرامة… مهانون في داخل وطن أبصرنا النور لنجد أنفسنا بين ذراعيه الملطخة بالدماء , وطن قام على الثورات والانقلابات والخيانات ولم يقعد بعد على كرسي عاجي سمي بالديمقراطية قيل ومنذ ما يقارب العشر سنوات إن من يجلس عليه سيحقق الحلم الوردي الذي يتمناه الجميع ولكن ؟ ما أشبه اليوم بالأمس … فمن نظام شمولي دكتاتوري إلى أنظمة شمولية دكتاتورية تنتهك حقوق الإنسان وتهين الكرامة الإنسانية في كل شارع وزقاق واستغفال لشعب كامل من قبل ثلة تعرف بالسياسيين على اختلاف مذاهبهم وقومياتهم ودياناتهم وقد قلت أنظمة لان العراق اليوم يحكم بالفعل من أنظمة وليس نظام واحد فكل حزب له طريقته ونظامه وإستراتيجيته التي يريد إن يطبقها بمعزل عن الأحزاب الأخرى… نظامنا اليوم هو ديمقراطي شكلا دكتاتوري في المحتوى .. دكتاتورية واستبداد بالرأي وصراعات حول المغانم والمكاسب ذهب الطاغية لنبتلى بطغاة .. طاغية الأمس كان سني ولكن طغاة اليوم هم السني والشيعي والكردي والقائمة تطول ولكن هؤلاء على رأسها … البعض قد يرى إن هذه التسميات قد تكون مثيرة للبلبلة أو تحرك المشاعر الطائفية ولكنها الحقيقة نظام الأمس كان يحسب على السنة ونظام اليوم يحسب على الشيعة … فأصبحنا طبقا للمعدلة التي ابتكرها ساستنا العظام منقسمين إلى شقين كل يرى الأخر عدوا له وكل يعد العدة لليوم المنشود … شق سني إرهابي وشق شيعي مجوسي أليس هذا ما يحاول ضعاف النفوس إن يروجوه لأنهم يعتاشون على الفرقة ويحتفظون بكراسيهم بعزفهم الكلاسيكي على وتر الطائفية فنرقص له طربا وفرحا … قد يقودنا هذا الأمر إلى تساؤل أين الخطاء فينا أم فيهم الم يكونوا انعكاسا للشعب فنحن من أتينا بهم فمن باب أولى وبحسب مبدأ (شبيه الشيء منجذب إليه ) إن يكون الخلل فينا قبل إن يكون فيهم … لذا فنحن نستحق إهدار الكرامة اليومي ونستحق الانتقاص الذي نتعرض له في كل بقعة من بقاع الوطن ونسحق سلب حقوقنا المشروعة واستخفاف السياسيين بنا وتقليص حريتنا الشخصية … حريتنا في ركوب سيارتنا يوميا لنذهب إلى العمل حريتنا بحق السير في الطرق المغلقة والأماكن المحصنة حريتنا بالعيش بكرامة.. حريتنا في تكريم موتانا … حريتنا في العيش بسلام وود و وئام ….. أهانتنا لم تقتصر على إهدار الكرامة ولم تقتصر على تحولنا إلى أشلاء متناثرة  تغطي أرصفة الشوارع ولم تقتصر على التمثيل بجثث المغدورين الذين تملاء بطونهم بالمتفجرات صدقوني لم تقتصر على ذلك فقط .. اليوم اتضح لي إننا نهان بعد الموت أيضا وكيف ذلك ؟؟!!!
 كنت قد تشرفت اليوم بمرافقة بعض الزملاء في اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى مكان طالما كرهتموه إلا وهو معهد الطب العدلي في بغداد وكان الغرض من الزيارة هو الاطلاع على سير العمل وإعطاء محاضرة من قبل احد إفراد اللجنة لمجموعة من الأطباء والطبيبات الشباب المسئولين والعاملين في مختبر ما يعرف باالانثروبيولوجي وهو مختبر مختص بالتعرف على رفاه ضحايا المقابر الجماعية تم إنشاءه عام 2008 بتمويل من اللجنة الدولية و زود بالأجهزة اللازمة للكشف عن هوية الضحايا عن طريق ال DNA … بعد وصولنا إلى المعهد استُقبلنا من قبل الأطباء الذين سيطلعوننا عن العمل الذي يقومون به وكانوا بصراحة غاية في اللطف والأدب والأخلاق , مجموعة من الشباب الواعي المثقف المتعطش للعلم والمعرفة ,كانوا متحمسين للمحاضرة والتطبيق العملي الذي سيقدم لهم خاصة وان المدربة الأرجنتينية المختصة في هذا المجال لها تجربة سابقة مع هؤلاء الأطباء وهم على علم بمدى خبرتها .. انطلقنا إلى المختبر وكان هناك العديد من الطاولات التي يقارب حجما المتر عرضا والمترين طولا … حتى هذه اللحظة فان الأمور طبيعية ثم جيئ بأكياس سوداء تستخدم لحفظ الجثث كتلك التي تظهر في الأفلام الأجنبية ولكنها كانت غير ممتلئة تماما وكانت تصدر الأصوات وبعد إن تم فتحها تبين أنها رفاه لعسكريين استشهدوا في معارك الفاو وتم دفنهم جماعيا دون إرسال جثثهم إلى ذويهم … في بداية الأمر كنت مستغربا ماذا يفعل هؤلاء القوم أنها مجرد عظام وجماجم فليذهبوا ويدفنوها في اقرب مقبرة … ولكن بعد اقل من نصف ساعة تبين إن هذه العظام تحمل معها قصص كثيرة وتبين إن الكثير منها معلوم الهوية فاغلبهم كانوا يحملون هوياتهم في قماصلهم العسكرية ذات اللون الزيتوني التي يعرفها أغلبكم ومنهم من كتب رسالة لزوجته يوصيها على ابنة ويقول في جزء منها ( ديري بالج على حمودي وبوسيه إلي واني إن شاء الله رأس الشهر نازل) حينا أيقنت أهمية هذا العمل لأهالي الضحايا الذين انتظروا أبنائهم لسنوات طوال في أمل اللقاء بهم … بعد ذلك ذهبنا إنا وزميل لي بمصاحبة إحدى الطبيبات إلى مكتب من المكاتب وفي طريقة العودة إلى المختبر مرة أخرى سلكنا طريقا أخر مختصرا” وليتنا لم نسلكه … كان هذا الطريق يدخلنا في ممر المشرحة الطويل لندخل بعد ذلك إلى المختبر مرة أخرى واعتقد إن أغلبكم قد دخل سابقا هذا الممر ليستلم جثة احد أقاربه أو ذويه وبعد وصولنا إلى باب هذا الممر فتحت الطبيبة الباب فتوقفنا إنا وزميلي … طوووووووووط .. اعتقدت لطبيبة إننا نخشى رؤية الجثث المنتشرة في الممر ولكن لم يكن هذا السبب … كان السبب إننا استنشقنا رائحة نتنة عفنة لم نعرف لها مثيل أبدا .. كنت اكره الجزارين سابقا لوجود رائحة كريهه في محالهم بالإضافة إلى رائحة الدم واللحوم ولكنني اليوم بت اعشقهم بعد ان استنشقت هذه الرائحة الكريه وإنا متأكد جدا إن أقذر و أوسخ مجزرة للخراف أو الدجاج لا يوجد فيها مثل هذه الرائحة يا سبحان الله هكذا نكرم الموتى عاشوا مهانين وماتوا مهانين وتهان جثثهم … استنشقنا بعض الهواء وحبسنا انفاسنا ودخلنا الممر الذي احتوى على أكثر من قاعة لتشريح الجثث … كان الاشخاص الذين يقومون بهذه الامر يخرجون لشرب سيكارة او للاستراحة قليللا وبالحقيقة كانوا اشبه بالجزارين يلبسون صداري سواداء من المطاط وينتعلون الجزمات الطويلة تشبه تلك التي ينتعلها رجال الاطفاء وتلطخ ملابسهم الدماء وتعلوا وجوهم نضرة شاحبة مخيفة … على كل حال اجتزنا هذا الممر ودخلنا المختبر لأشرع بأسلتي عن سبب هذه الرائحة لتكون الإجابة إننا لا نمتلك العدد الكافي من الثلاجات لحفظ جثث الموتى وما يوجد منها قد تبرعت به اللجنة الدولية للصليب الأحمر …. ولكن إلا يوجد تخصيص ؟ طالبنا كثيرا ولكن لم يستجيب احد لنا …. إلا يوجد وزير يزوركم ؟ الوزير وكما قال مدير الطب العدلي سابقا على برنامج كلام ليكس لا يعلم ما يجري ويعتقد إن الطب العدلي ثلاجة فقط وليس مؤسسة او دائرة فيها مختبرات وأقسام ؟ إذا كان الطب العدلي ثلاجة كما يعتقد اطلبوا منه إن يرسل المزيد من الثلاجات ؟ لا احد يهتم أو يكترث طالبنا كثيرا ولم يستجيب احد لنا …… لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ( أسمعت إن ناديت حيا ولكن لا حياء لمن تنادي ) حتى في مماتنا تهان جثثننا وتترك لتتعفن وتصبح جيفة كتلك التي نراها في الشارع لأحد الحيوانات النافقة أجلكم الله فهذا مصيري وهذا مصيركم .. مهانون إحياء كنا او أمواتا” …
www.facebook.com/saiflegal

أحدث المقالات