17 نوفمبر، 2024 6:37 م
Search
Close this search box.

عمل…ولكن

كنت منشغلا بمكالمة هاتفية حين طلبت الي امي ان امنحها مبلغا من المال ما عرفت سبب احتياجها اليه, ولما كنت مهتما بتلك المكالمة اخرجت ورقة نقدية ذات الخمسة الاف فتناولتها مني واسرعت خارجة الى الباب الخارجي لمنزلنا وكان مواربا فتابعتها بنظري إذ رأيت قريبا من دارنا امرأة ملتفة بعباءتها وتحمل بين يديها كيسا تجمع به ما تجد من قناني فارغة في الحاويات المنتشرة بين المنازل في المنطقة .
هزني المشهد وآلمني ان امرأة بهذا العمر تقوم بهذا العمل …هو عمل وهو كما تقول تلك المرأة يغنيها وان كان قليلا عن ان تمد يدها لأحد…
سألت امي اليس لها ابناء يكفونها ويتكفلون بها قالت :- ان لها ولدا عاجز وبنات صغار تقوم هي بأودهم من خلال هذا العمل وسألت امي ان تسألها عن مكان اقامتها من اجل تقديم ما يمكن ان يقدم من مساعدة فعرفنا انها تسكن في مكان ليس ببعيد .
قررت في نفسي امرا وانتظرت الى يوم استلمت راتبي, مضيت الى السوق واشتريت طعاما وفاكهة وتوجهت الى مسكن تلك المرأة فهالني ما رأيت …هو ليس بمسكن وانما جدران من الصفيح وتنتشر في زواياه اكياس القناني الفارغة .
طرقت الباب فخرج الى شاب عاجز مصاب بمرض الشلل الرعاش سلمت عليه وطلبت اليه مقابلة والدته فخرجت ملتفة بعباءتها عفيفة تملئها العزة والتعفف فدفعت اليها ما اشتريت من طعام وفاكهة مع مبلغا من المال وطلبت اليها ان لا تجهد نفسها بذلك العمل فقالت انني اعمل من اجل ان اوفر الدواء لولدي والعيش الكريم لأسرتي لأنني لا استطيع ان امد يد السؤال ,المطلوب ان اوفر حاجاتنا وثمن الدواء يثقل كاهلي …وتأوهت بحزن .آه لو ان ابني هذا كان متعافيا وبصحة جيدة فما كان ليرضى لي ان اعمل بهذا العمل … شعرت بمرارة كبيرة وخرجت الكلمات من بين شفاهي ..يا أم … اعتبريني ابنك واقبلي مني ان اوفر لك ثمن الدواء والغذاء شهريا واطلب اليك ان تعتبري نفسك في اجازة عمل ,تركت لها رقم الهاتف لتتصل بي عند اي طارئ.
تمنيت لو انني املك مالا غزيرا لطرقت ابواب المحتاجين بابا باب وكنت ساهمت بما استطيع بكل امر يجعل بلدي خاليا من الفقر والعوز. تمنيت لو انني استطيع ان اوفر الدواء الذي يثقل كواهل الاسر الفقيرة واجعل المستشفيات الجهة الوحيدة التي توفره لها من اجل غلق الباب بوجه الفاسدين والمرتشين والمقامرين بقوت ودواء الشعب لوكان الامر بيدي لما تركت مشروعا معطلا من اجل استيعاب الايدي العاملة والمعطلة عن العمل بفعل البطالة وعدم توفير فرص العمل لو …لو…لو .اكرر هذا ولكن ما باليد حيلة .
………………..
حين عدت من هذا المشهد وقبل ان اصل منزلي واجهني مشهد آخر مغاير تماما للأول اذ كان هناك حشد كبير من المركبات قرب منزل احد وجهاء المنطقة وسياسيها وقد ذبحت الذبائح واوقدت نيران القرى لغير مناسبة الا مناسبة التقرب لذوي النفوذ والسلطان بمعنى (دعم سياسي) مغلف بالولائم ………………….!!!!!!
تذكرت قراءة قديمة لاحد الكتاب يقول فيها انه في يوم ما وجد احدهم يشكو البطنة ووجد آخر يتلوى من الجوع …
هنا شبه بين الصورتين ولكن في الصورة المنقولة عن الكاتب هو ان الذي يشكو البطنة فرد والذي يشكو الجوع فرد اما صورة اليوم فهي ان الذي يذبح الذبائح بذخا لأجل دعم سياسي انما استوفى اضعاف ثمنها من قوت الشعب والفقراء في الاعم الاغلب يشكلون النسبة العظمى فيه وهؤلاء هم انفسهم من يرفعون حظوظ المنتخبين وفيهم من يحظى بالدعم السياسي من ذوي النفوذ وما يؤثر في خارطة الانتخاب انهم عما قليل سيتركون كهوفهم المحصنة فتراهم يسعون على الاقدام يطرقون الابواب في كل شارع وزقاق ومنزل ويصورون ما تجود به ايديهم وكأنهم حاتم الطائي قام من الحشر ليبحث عمن يمد له يد العون والمساعدة ولكن شتان …شتان…وهل اكرم حاتم الطائي من اجل نفوذ او سلطان انما هو الطبع والخلال الحسنة والإيثار حيث لاوجود لكاميرا تصوير ولا مايك ينقل الصوت ولا قناة توثق .

أحدث المقالات