لم تكن الترامبوية والشعبوية حالة طارئة في الولايات المتحدة الامريكية . ولم يكن ترامب المسؤول الوحيد عن ما حدث وسيحدث فيها ، انما هو نتاج تراكمات سلوكية وانقسامات وتمييز عنصري كان موجودًا قبله ، وجاء ترامب تعبيرا عن هذا الواقع ، ولكنه ساهم بالتأكيد في تعميق هذه الانقسامات داخل المجتمع الامريكي غير المتجانس اصلا . وذلك من خلال فكره اليميني المتطرف وسلوكه الفوضوي ، الذي اجج التوتر العنصري والثقافي في امريكا .
وفي الانتخابات الاخيرة شهدت الولايات المتحدة انقساما حادا في المجتمع ، وظهر جليا ان هذا البلد قد اصبح على حافة الانفجار .
يتم الإعلان مرارا وتكرارا عن زوال الولايات المتحدة نتيجة معطيات مختلفة . ولكننا لم نشهد سابقا مثل هذا الانقسام العميق في المجتمع الامريكي مثلما شهدناه في الانتخابات الاخيرة ، والذي بات يهدد جوهر الديموقراطية الامريكية .
هذه الديموقراطية التي تحاول الولايات المتحدة تصديرها الى العالم باعتبارها نهاية التاريخ .
ان الانقسام الحاد والمتنامي في المجتمع الامريكي يستند على اسس اقتصادية وعنصرية ، فقد بينت الاستطلاعات التي أجراها مركز إديسون للأبحاث أن ترامب احتفظ بتأييد أغلبية قوية من الناخبين البيض تبلغ نحو 55 في المئة ، وان معظم الأمريكيين ليس لديهم ثقة قوية في مستقبل بلادهم ، حيث يعتقد حوالي 60٪ أن بلادهم تسير في الاتجاه الخاطئ .
يضاف الى ذلك ان الولايات المتحدة الامريكية تعاني اكثر من اي بلد آخر من جائحة كورونا ، وهي تتفاعل بشكل كبير مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور مما سيؤدي الى مستقبل كارثي .
ونتيجة لذلك فان دخل الفرد اصبح متدنيا بشكل كبير ، واننا نشهد انهيارا متسارعا للطبقة المتوسطة ، حيث ان اكثر من نصف الشعب الامريكي يمر بضائقة مالية ، سوف تشتد مع تزايد الرهن العقاري والديون المستمرة .
ان تآكل الطبقة الوسطى الأمريكية منذ عام 2008 ، قد ادى إلى زيادة التمييز وعدم المساواة بشكل لا يطاق وتسبب في انقسامات طبقية ، اضافة الى الانقسامات العنصرية .
واصبح 1٪ من الامريكيين يسيطرون على ما يقرب من 40٪ من إجمالي ثروة البلاد .
فجوة الثروة هذه تدل على هشاشة النظام وتذكرنا بانهيار معظم الإمبراطوريات في التاريخ .
ان رئيسا مثل جو بايدن باداءه الرتيب، الذي وصفه ترامب مرارا بـ Sleepy Joe اي النائم ، فإن حكومته ستكون حكومة بلا خارطة طريق سياسية ، ولا أجندة إصلاحية ، ومن المحتمل ألا تكون لديها طاقة تنفيذية فاعلة .
ليس هناك دول عظمى ابدية ، وان أمريكا بوضعها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والصحي الحالي . والديموغرافيا المتنافرة فيها الى حد العنصرية … ستكون أقرب إلى الفناء مما نعتقد .
ان الانهيار المتوقع للولايات المتحدة لا يعني أنها ستموت حالا ، بل ستكون هناك سلسلة من الانتكاسات على مر الأيام .
إن فكرة الانهيار البطيء الذي لا يرحم للنظام الفيدرالي الأمريكي ، حتى انهياره الداخلي ، هي الفرضية التي قدمها كثير من الباحثين الأمريكيين على أنها الأكثر واقعية ، وعلى وجه الخصوص العالم الاستراتيجي بيتر شوارتز العضو السابق في شبكة الاعمال العالمية .
يشرح المؤرخ ألفريد ماكوي سبب اقتراب القوة الأمريكية من نهايتها من خلال رؤيته للنظام العالمي الجديد .
حيث يقر بأن الولايات المتحدة قد وصلت بالفعل إلى نقطة لم تعد فيها القوة العالمية المهيمنة ، مع تقلص حصتها في الاقتصاد العالمي الى حد كبير .
ان هناك تشابه جوهري في البيئة السياسية الحالية للولايات المتحدة وتلك التي كانت سائدة في الاتحاد السوفياتي في فترة ماقبل غورباتشوف .
فهل سيبدأ العد التنازلي لانهيار الولايات المتحدة الامريكية ، وكم سنة نحتاج لنشهد سقوطها المدوي ؟