خاص: إعداد- سماح عادل
“مبارك ربيع” كاتب مغربي، يعتبر أحد المؤسسين للكتابة الروائية والقصصية بالمغرب.
حياته..
ولد “مبارك ربيع” سنة 1935 بسيدي معاشو، اشتغل بالتعليم الابتدائي من سنة 1952. نال شهادة في الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع سنة 1967، ثم دبلوم الدراسات العليا في علم النفس سنة 1975، وحصل على دكتوراه الدولة سنة 1988.حاليا يعمل قيدوما لكلية الآداب والعلوم الإنسانية، بنمسيك سيدي عثمان، البيضاء. انضم إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1961.
تتنوع الكتابة لديه ما بين القصة القصيرة، الرواية، المقالة الأدبية والبحث في علم النفس والتربية. ساهم منذ نهاية الستينات إلى جانب كل من “عبد المجيد بن جلون وعبد الكريم غلاب ومحمد عز الدين التازي” في إرساء قواعد الكتابة الإبداعية بالمغرب، ورصد تحولات المجتمع المغربي في مناهضته للاستعمار الفرنسي، وتحولات المجتمع العربي وتوجهاته القومية.
أعماله..
صدرت له لحد الآن عشر روايات هي: «الطيبون» 1972، «رفقة السلاح والقمر» 1976، «الريح الشتوية» 1977، «بدر زمانه» 1983، «برج السعود» 1990، «من جبالنا» 1998، ثلاثية «درب السلطان» 1999، و«أيام جبلية» 2003. وصدرت له خمس مجاميع قصصية هي: «سيدنا قدر» 1969، «دم ودخان» 1975، «رحلة الحب والحصاد» 1983، «البلوري المكسور» 1996 و«من غرب لشرق» 2002.
غرب المتوسط..
في حوار معه يقول “مبارك ربيع” عن رواية “غرب المتوسط”: “ليس من عادتي أن أضع تواريخ مضبوطة، لبداية الكتابة أو الانتهاء منها؛ لكن يمكن تقدير ذلك بمؤشرات، تجعلني أقدر أنني بدأت كتابة الرواية مع بدايات 2016، وانتهيت منها أواخر 2017 بما يشكل قرابة سنتين؛ ويدخل ذلك ضمن معدل الفترة التي أستغرقها عادة في كتابة رواياتي غير المجزأة، وهي مدة ما بين سنتين إلى ثلاث، أو أكثر في حالات استثنائية.
أما بخصوص الإلهام لكتابة هذه الرواية، فأقول إنني منذ سنوات وفكرة تراودني، من قبيل “آخر مهاجر”، بما يعني الفكرة عن شخص يعتبر نفسه، أو يعتبر بكيفية ما، كآخر مهاجر، أو آخر محاول الهجرة إلى أوربا، وذلك بغض النظر عن الكيفية التي يمكن أن يتحقق بها ذلك روائياً؛ الإلهام يأتي إذن، من واقع ما نراه ونعيشه اليوم، في المغرب على الخصوص، وفي البلدان المغاربية عموماً، من أمواج الهجرة من إفريقيا بالذات، كما من غيرها، بقصد العبور إلى “الجنة” الأوروبية الموعودة الموهومة، وما يتولد عبر ذلك من تجارب وعلاقات ومعاناة”.
تجاهل النقد..
وفي حوار ثان مع «الشرق الأوسط» أجرته “سعيدة شريف” يقول “مبارك ربيع” عن تجاهل النقد لأعماله رغم احتفاءه بأعماله الأولى: “لا أدري وهذه ليست مشكلتي، فما دمت أكتب فدوري يتوقف عند الكتابة والنشر. ولكن إذا ما حاولت التفسير فذلك برأيي يرجع إلى أن الساحة الثقافية بالمغرب يشوبها نوع من الخلل والفراغات، وهذا أمر غير عادي. على العموم هذه الظاهرة غير سليمة ولا تقف عند اسم بعينه، ففي الوقت الذي يجب أن يقوم فيه المهنيون بعملهم من أجل التعريف بالأعمال الإبداعية نجدهم يتخلون عن هذا الدور ليظل المجال بالنسبة للصحافة الثقافية المكتوبة مفتوحا أمام بعض الانتقائيات والزمالات غير المهنية البتة”.
وعن إدراج أعماله الإبداعية الأولى في المقررات الدراسية بالمغرب وهل كان عاملا حاسما في انتشارها يقول: “إذا كان المقصود الدراسات التي تكتب على هامش الكتاب المقرر في الدراسة، فهذا ليس هو الاهتمام المطلوب لأنه اهتمام بيداغوجي، ولكن يمكن القول إن رواياتي الأولى إذا كانت قد حظيت بالاهتمام فلأنها قد فرضت نفسها قبل أن يولى لها هذا الاهتمام. فأول رواية لي وهي «الطيبون» حازت جائزة لها أهميتها الكبرى في ذلك الوقت، وكذلك رواية «رفقة السلاح والقمر» وهذه كلها روايات لقيت إقبالا كبيرا من طرف القراء في المغرب والعالم العربي في وقت واسع من المنافسة وفي وقت كان يتعذر فيه الحصول على مثل هذا النوع من التقييمات”.
وعن تميز أعماله الإبداعية بتنوع المضامين وتعدد الرؤى، مع الاحتفاظ بخصوصيتها كإبداع مغربي: “أولا لا أنكر أنني منشغل بما يهم مجتمعي المغربي والعربي وما فيه من شرائح متعددة، وليس الموضوع هو الذي يجعل الرواية رواية، بل روائيتها وبناؤها الفني. الروائي يمكن أن يكتب في أي موضوع بشرط أن يتفاعل معه. فروائية الرواية هي الأهم وليس الموضوع لأنه يأتي بدرجات بعد البناء الفني ولا يمكنه لوحده أن يصنع عملا روائيا. صحيح أن أعمالي تعرف تنوعا في الموضوعات، وقد انتبه إلى ذلك كبار المفكرين المغاربة ونوهوا به واعتبروه دلالة على تعمق التفاعل بيني وبين الفن الروائي.
بالنسبة لي المسألة طبيعية فأنا أتفاعل مع الموضوع وأشرع في الكتابة. وأنا أخلص لهذا الأمر سواء كان الموضوع تخييليا صرفا أو يمزج بين التخييل والواقع. المهم بالنسبة لي هو أن يكون هذا التفاعل بيني وبين الموضوع الذي أشتغل عليه، لأنني أكتب رواية قبل أي شيء. فليس الأداء الموضوعاتي هو همي وشاغلي في الكتابة الروائية”.
وعن الفضاءات التي كتب عنها: “فعلا كتبت عن فضاءات متعددة ومن بينها القرية، فأصولي من العالم القروي ومن الدار البيضاء وجزء منها من الرباط. فالفضاءات التي كتبت عنها هي فضاءات عرفتها بشكل جيد وخبرتها، ولكن أيضا هناك فضاءات عربية مثلا في رواية «رفقة السلاح والقمر» التي أتحدث فيها عن دمشق والقاهرة وبيروت إلى جانب الرباط والدار البيضاء والقصيبة.
فتأثيث الفضاء الروائي ليس معادلة محسومة مسبقا، بل هي أمور تفرض نفسها مع العمل أو مع التخطيط له ولكن ليس بشكل تعسفي وهذا هو أهم شيء. فحينما أكتب عن مدينة معينة أكتب بطلاقة وعفوية فكرية وروائية، وهو نفس الشيء حينما أكتب عن عالم قروي أو عالم مخضرم. فالمسألة فيها جزء من الجانب الذاتي ولكن الجانب الفني هو الذي يفرض نفسه”.
أناة بالغة..
وعن الكتابة الروائية وهل هي بالنسبة لك عملية شاقة ومتعبة: “أنا تحدثت عن الرواية مقارنة مع عمل آخر وهو العمل العلمي وأنا باحث في علم النفس ولدي أبحاث عديدة في هذا المجال، الذي من الممكن أن أستمر فيه لساعات طويلة من دون توقف. أما فيما يتعلق بالرواية والقصة فأنا أحتاج للتوقف ولا أستطيع أن استمر طويلا، ولدي تفسير لذلك يخصني وهو أن الإبداع الروائي هو تجربة في اللامتناهي تتطلب نوعا من التعامل يخرج عن التعسف والحسم السريع في المواقف أو الشخوص والجمالية، ولذلك فأنا أكتب بأناة بالغة وأكاد أقول إنه لا توجد كلمة في قصصي لم أضعها إلا بعد اقتناع بأهميتها، ولا يوجد في عباراتي شيء من مجرد إفراغ الشحنة بأي طريقة لأملأ الفراغ. ولذلك فأنا لست محترفا للكتابات الموجودة في الساحة، ولكني أكتب إن صح التعبير بضمير روائي وقصصي”.
التحليل النفسي..
وفي حوار مع صحيفة “الزمان” أجراه “لحسن وريغ” يقول “مبارك ربيع” عن التحليل النفسي للشخصيات الذي يحتل مكانة بارزة وأساسية في بناء الأحداث الواقعية والتخييلية في رواياته: “أود هنا أن أذكر وأذكّر بمقطع نقدي هام كنت أصدّر به الطبعات الأولى، من روايتي الأولى في النشر وهي الطيبون، وذلك من حديث للناقد التونسي الكبير توفيق بكار، وذلك على إثر فوز هذه الرواية بجائزة المغرب العربي للرواية والقصة سنة 1971 التي نظمتها وزارة الثقافة التونسية إذ ذاك، وكان الدكتور توفيق بكار رئيس لجنة التحكيم، قد قال ضمن حديثه ذاك، إن ما أثاره ونال إعجابه في الرواية لا مجرد موضوعها أو مضمونها فحسب، بل ما تبين عنه بوجه خاص من قدرة على التحليل النفساني للشخصيات؛ وهذا يدل على وجود هذا الطابع في كتابتي منذ البداية، وقد تأكد التعبير عن ذلك عبر عدة نقاد، وفي مناسبات عدة، إذ يقال إنني لا أصف الشخصيات، وإنما أحللها عبر ما هي فيه من سياق ومواقف.
لا أنفي هذا الطابع، ولكن أؤكد أنه ليس المقصود، ولا هو في ذاته ما يمكن أن يجعل الرواية رواية، من وجهة نظري، إذ لا بد من تكامله في سياق تفاعلي إبداعي، مع غيره من مكونات الرواية، وهو على كل حال يصدر عفوا، ويمكن القول إنني كتبت كثيراً في مجال القصة والرواية قبل أن أتخصص في علم النفس، وأضيف إلى ذلك أن قراءة الأعمال الروائية العظيمة عالمياً وإنسانياً، من قبيل الإخوة كرامازوف، الشيخ والبحر، الإلياذة والأوديسة، أيام العرب…
تجعلنا نسبح في عالم نفساني للشخصيات والمواقف والمشاهد، إذا ما كان لها استعداد لكشف ذلك أو انكشافه لنا، وليس من الضروري في كتاب هذه الآثار أن يكونوا من المتخصصين في علم النفس، بل إن الإبداع السردي في بعض ما ذكر، وفي الكثير من الروائع العالمية، مكتوب قبل اكتشاف علم النفس وقبل الاعتراف به كعلم من العلوم؛ والمعاصرون من كبار الروائيين غير متخصصين في علم النفس، بل بعضهم متخصص في علوم رياضية وطبيعية، لا علاقة لها بالأدب عامة والإبداع خاصة، بمعنى أن التخصص في كل النفس أو غيره من العلوم ليس ضرورياً في كتابة الرواية، كما أن علماء النفس الأقحاح في مراحلهم التطبيقية ومقتضيات منهجيتهم العلمية، غالباً ما يرجعون إلى الأدب السردي يتخذون منه النماذج الحية لتصوير الظواهر النفسية، وهذا الأمر يتماشى مع السنن المعلوم في اكنشاف الظواهر والقوانين الطبيعية، إذ الظواهر والقوانين موجودة في الطبيعة الكونية والبشرية، ومختلف المناهج بانتسابها إلى علم من العلوم، إنما تكتشف تلك الظواهر في سياقها الأصلي، من ثم تستنتج قوانينها.
الطابع النفساني في روايتي يأتي في سياقه الإبداعي على نحو تلقائي، فإذا كان يمثل ضريبة التخصص، فهي من النوع الإبداعي الإنساني الجميل، وليس من طينة تلك الضرائب الأخرى، وقانا الله وإياكم وزرها”.
الربيع العربي..
وعن هل يفكر في عمل روائي يستلهم أحداثه وشخصياته من الربيع العربي يقول: “عادة لا أتحدث عن روايتي بأي شكل من الأشكال إلا بعد ظهورها، كما أنني لا أشتغل بالإكراه، ولا أومن بعمل يأتي لمجرد استجابة ظرفية لحدث بعينه، إذا لم يتحقق شرط الإبداعية، ومنه صدور العمل بما تحتمله وتتأسس عليه العفوية القصدية الروائية، وهو ما يحقق في النهاية روائية الرواية، لا مجرد مواكبة لما جري ويجري.
ولا أخفي تفاعلي الإيجابي مع روح الربيع العربي ، كمنجز وأفق للتطور والتطوير، فقد قطع هذا الحراك أشواطاً بالتحول العربي المنشود، وخرج بهذه المنطقة الحيوية من فترة العطالة والركود، المؤسسة على نظم الحكم الشمولية والاستبداد والفساد، ليضعها على الطريق السالك نحو التحول الذي عجزت عن صنعه أو الدفع في طريقه الصحيح، النخب التقليدية السياسية بكافة أطيافها، وكذا العسكرية بكل كوارثها، فهذا الربيع العربي متميز حقاً في نمطه الثوري، وأصبح وهو لم يكتمل بعد، نموذجاً يحتذى في التعبير عن روح التحول والتغيير، بطرق شعبية سلمية حضارية بالأساس، رغم عوامل الانحراف التي تنالها أو نالت منها، لتجعلها اقتتالا وحروباً كارثية على الشعوب، بقدر ما هي مدرة للأرباح والأدوار بكل أشكالها، لسماسرة الحروب من الأشخاص والهيئات والدول. من الطبيعي في هذه الأحوال، أن تترجم مثل هذه المشاعر في باطن الروائي إلى ما يوحي بعمل ينتسب بطريقته الإبداعية الخاصة إلى روح الربيع العربي ، وهو ما يأخذ من اهتمامي فعلا، لكني أؤكد من وجهة نظر خاصة، أن العمل الروائي ليس وليد اللحظة والآن والمواكبة، بل هو نتيجة التروي والاستيعاب، وجدية جهد على طريق البناء والتركيب”.