19 ديسمبر، 2024 1:05 ص

جريمة مقتل خاشقجي: استثمار ممنهج؛ لتبيض الوجه الأمريكي القبيح

جريمة مقتل خاشقجي: استثمار ممنهج؛ لتبيض الوجه الأمريكي القبيح

ان قضية مقتل الصحفي السعودي في قنصلية بلاده في استنبول بطريقة بشعة جدا؛ شغلت في حينها ولم تزل الى الآن؛ تشغل الرأي العام الدولي، والرأي العام الامريكي، والرأي العام العربي، وبالذات، حين أعلن بايدن؛ من ان الولايات المتحدة سوف تتخذ اجراءات حاسمة ضد السعودية على خلفية مقتل خاشقجي. كما وعد اثناء حملته الانتخابية، وايضا، في الايام الاولى لأدارته؛ بنشر تقرير الاستخبارات. وبالفعل تم نشر التقرير الذي اشار بوضوح على علاقة او مسؤولية ولي العهد السعودي بمقتل الصحفي السعودي. اوضح التقرير بان ولي العهد امر باعتقال خاشقجي او قتله. الخارجية السعودية رفضت رفضا كاملا ما جاء في التقرير. لاحقا قامت الولايات المتحدة؛ بإصدار عدد من العقوبات على 76، من السعوديين المقربين من ولي العهد، احمد العسيري، نائب رئيس المخابرات السعودية السابق، والقحطاني، وعدد من قوات التدخل السريع. لكنها لم تصدر اية عقوبات على ولي العهد السعودي. اغنيس المدعية العام لحقوق الانسان في الامم المتحدة ادانت عدم معاقبة ولي العهد، وكذلك فعلت كالامار، المحققة الاممية الخاصة بالقتل خارج القانون. المتحدثة باسم البيت الابيض، جنين ساكي، قالت؛ ان الولايات المتحدة تحتفظ بحق معاقبة ولي العهد السعودي اذا لزم الامر. المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية، قال؛ ان العلاقات مع المملكة لن تتأثر بمقتل الصحفي السعودي، وان العلاقات مع السعودية، اضاف؛ من انها قوية وتاريخية، وان امدادها بالسلاح سوف يستمر تاليا اي ان امريكا سوف تفي بالتزاماتها اتجاه السعودية. ان هذه اللعبة ماهي، وفي جانب منها، هي؛ لإرضاء اقصى اليسار في الحزب الديمقراطي الامريكي، والجل الاكبر من اعضاء الكونجرس الامريكي، والرأي العام الامريكي وبالذات اليسار، بقاعدته الشعبية، وبصحفه ومؤسسات بحوثه ودراساته الاستراتيجية. هذا الجانب من وجهة نظرنا لا يشكل الاهمية الكبرى لهذه الضجة الاعلامية، هناك جانب هو الاهم، في افتعال هذه الضجة؛ لأهداف سياسية اخرى ليس لها علاقة باحترام حياة البشر وحقهم في الرأي والقول الحر. مع العلم ان هذا القتل وبهذه الطريقة البشعة والتي تشمئز منها او يشمئز منها كل ضمير انساني. اذا قلنا بان الولايات المتحدة وهنا نقصد الادارة الامريكية، غايتها؛ هو تثبيت حق احترام اراء الناس واحترام حياتهم وعدم الاعتداء عليها او تصفيتها بهذه الصورة؛ عندها نكون قد خالفنا الحقائق او قفزنا عليها، التي تشير وبوضوح تام؛ من ان الولايات المتحدة وبما في ذلك الادارات الديمقراطية المتعاقبة لم تقم بمعاقبة الدول التي تعتدي على حق البشر بالحياة والعيش بكرامة وحقوقهم في قول ما يريدن او ما يعبر عن رؤيتهم السياسية وغيرها، في دول العالم الثالث، ومنها؛ دول اوطاننا العربية، وبقول اكثر تهذيبا، دول شريكة أو حليفه لها؟!.. وهي دول كثيرة جدا، في الماضي والى الآن، حتى الوقت الحاضر. عليه فان هذه الضجة الهدف والغاية منها هو سياسي بامتياز، ليس لتثبيت او الحد من الاعتداء على حياة البشر، وحرية الكلمة والرأي المخالف. وما يؤكد ما ذهبنا اليه؛ هو الصمت التام في الاسابيع التي اعقبت هذه الضجة الولايات المتحدة تريد ان تضع حدا، للقتال الدائر منذ سنوات في اليمن، وهو الاخر، ليس حبا بالأمن والاستقرار لهذه البلد المنكوب، الذي يرزح الملايين من ابناءه تحت سياط الجوع، ومتاهات التشريد، فيما الاخريين منهم، حياتهم نهبا لقذائف ورصاص وشظايا المدافع والبنادق والصواريخ، بل انه، لأمر اخر، ذات اهمية استراتيجية.. تنفيذا لمخطط تقسيم اليمن الى قسمين، اي اعادته، كما كان قبل التوحيد. من اجل الوصول لهذا الهدف اول ما قامت به هذه الإدارة؛ هو رفع الحوثيين من قائمة المنظمات الارهابية. الولايات المتحدة بهذا الاجراء، تريد ان تفتح طريق التفاوض مع الحوثيين. عليه، فان رفع الحوثيين من قائمة المنظمات الارهابية؛ كان لغاية اخرى،( من وجهة نظرنا المتواضعة؛ لا يمكن النظر اليهم كحركة ارهابية بل ان العكس هو الصحيح..) الا وهي؛ التقسيم كما اسلفنا القول فيه. وثانيا؛ ما يؤكد قولنا هذا، هو، عدم اتخاذ اي موقف لإيقاف هجوم الحوثيون على مأرب، وهي اخر محافظة كانت قبل الوحدة تابعة للشمال، فاذا تم السيطرة عليها يكون الحوثيون قد احكموا سيطرتهم على كامل، دولة شمال اليمن قبل الوحدة. هنا، يكون الامريكيون، قد فتحوا الطريق للتفاوض مع الحوثيين، من خلال او عبر ممثلهم في اليمن، او حتى بواسطة الممثل الاممي لإيجاد حل، أو بعبارة ادق؛ حل امريكي لقضية اليمن. في الجانب الثاني ان انسحاب الامارات من القتال البري، في اليمن لا يمكن ان نفصله عن هذا الاتجاه في السياسية الامريكية الجديدة حول اليمن، بعد ان دربت الانتقالي الجنوبي ومدته بالسلاح، الذي يسيطر تقريبا على اغلب محافظات الجنوب.( قادته اعلنوا استعدادهم، لإقامة علاقة طبيعية مع الكيان الصهيوني) هناك أمر اخر، لا يقل اهمية عن عما سبق القول فيه، الا هو اعادة رسم شكل علاقة مع العربية السعودية، بأفاق ومسارات جديدة مع المحافظة عليها وعلى استراتيجيتها، بتنظيم وضوابط جديدة. المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية، قال في وقت سابق؛ ان الولايات المتحدة بصدد دراسة العلاقة مع السعودية، بوضع مسارات جديدة لها. ان امريكا في سياستها هذه؛ تشكل عامل تدخل في الشأن الداخلي السعودي، وعامل ضغط على مبنيات السياسية السعودية في الداخل وفي المنطقة العربية، وفي الفضاءات الاقليمية، بما فيها العلاقة مع الكيان الصهيوني. ان مطالبة الولايات المتحدة للسعودية باحترام حقوق الانسان امر جدير بالاحترام من حيث المبدأ، لكنه، مشكوك فيه، من حيث النية والهدف. لو كانت النية والهدف الامريكي صادقا وجادا، لكان لأمريكا، في هذه الادارة او في الادارات الديمقراطية السابقة، وفي بقاع كثيرة من كوكب الارض؛ مواقف وسياسات حازمة وحاسمة، بمحاسبة وفرض عقوبات على دول كثيرة تعتدي على حق الانسان في الحياة والكلمة الحرة، في المنطقة العربية، في الوقت الحاضر، وقبل هذا الوقت الحاضر بزمن بعيد، وايضا، في دول الجوار، اي المجاورة للمنطقة العربية، واماكن كثيرة من العالم، ولمحاسبة نفسها، أذ، هي ذاتها، التي اعتدت على البشر في الدول التي غزتها ودمرتها، وزرعت الخراب والدمار فيها، (سواء في ظل الادارة الجمهورية او في ظل الادارة الديمقراطية) واقام ضباطها وجنودها؛ حفلات تعذيب للناس في الدول التي ابتليت باحتلالها، يقشعر لها البدن ويشمئز العقل الانساني من ممارستها، اضافة الى الكيان الصهيوني الذي يقترف الجرائم بحق الفلسطينيين في كل حين وساعة. ان عملية اثارت مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، مع انها، تستحق بجدارة بقوة لجهتي المعيار الانساني والقانوني، حسب ما تقتضي شرعة السماء، وقانون الارض؛ اعادة البحث فيها، ومحاسبة القتلة، على ما اقترفوه من جريمة وحشية بكل المعايير الانسانية، لكن، الهدف الامريكي من اثارتها او اعادة البحث فيها، لم يكن، من اجل احقاق الحق، وانزال القصاص العادل بالمجرمين، بل أنه؛ لغاية مستقبلية اخرى، ليس لها علاقة بالجريمة القتل هذه. جنين ساكي، المتحدثة باسم البيت الابيض، والتي تقول؛ ان العقوبات الامريكية سوف تطال اخرين اذا لزم الامر، وفي مكان اخر، لاحقا، تقول؛ سوف نراقب السلوك السعودي في قضية حقوق الانسان. هذا يعني من وجهة نظرنا، وفي قراءتنا للمشهد القديم الجديد للسياسة الامريكية في منطقتنا العربية؛ ان هناك، في جعبة الادارة الامريكية الحالية؛ مشاريع حلول امريكية للدول العربية التي تلتهب بالحروب والاضطراب والفوضى، بما يتناسب مع الرؤية الاستراتيجية الامريكية للمنطقة العربية في اطار صراع النفوذ بين القوى الدولية العظمى، ثانيا، واولا؛ في اطار التنظيم المستقبلي للعلاقة مع الكيان الصهيوني. كما ان هذه المشاريع لا يمكن فصلها، أو قراءتها بمعزل عن المفاوضات المرتقبة مع ايران في الذي يخص ملف الصفقة النووية واجنحتها.. ان هناك الكثير من المحللين يذهبون في تحليلاتهم؛ الى ان امريكا بصدد او هي في الطريق للخروج من المنطقة العربية؛ هذا القول لا يتسق مع السياسة الاستراتيجية الامريكية، بل ان العكس هو الصحيح من وجهة نظرنا. ان التشريك الامريكي لدول المنطقة العربية في المشاريع الامريكية، ليس بالضرورة يستلزم وجودا عسكريا امريكيا، مع ان امريكا سوف تحتفظ به، بشكل او باخر، وبحجم او باخر، للأمد الضروري، لجعل هذه المشاريع؛ واقعا على الارض.. كما هو حاصل في الوقت الحاضر في سوريا وفي غيرها. صحيح ان الولايات المتحدة؛ سوف تنشغل في مواجهة الصين، لكن هذا هو بالتحديد ما يجعلها، ان لا تسمح لقوى عظمى غيرها، كالصين وروسيا؛ ان تمسكا بخيوط الازمات في المنطقة العربية، مما يزيد حضورهما الاقتصادي والسياسي والتسليحي وغير هذا الكثير في المنطقة العربية وجوارها، بل ان هذا هو ما يدفعها؛ لتزيد من حضورها في المنطقة العربية وجوارها.. امريكا قبل النصف الثاني من ثمانينيات القرن السابق لم يكن لها وجودا عسكريا على الارض في المنطقة العربية الا قاعدة الظهران في السعودية، والاسطول السادس والخامس الامريكي في الخليج والمتوسط، لكن شراكتها ان لم نقل قولا اخر، مع البعض من الدول العربية في الخليج العربي او في غيرها؛ كان وجودا فاعلا وضابطا لشكل العلاقة ونوعها مع القطب السوفيتي، في صراع القطبين في حينها، الى جانب القطب الغربي بصورة شاملة وكلية. ان التغيير الحالي في السياسة الامريكية، ليس في اتجاه السعودية فقط، بل في اتجاه جميع دول المنطقة العربية، وغيرها، وهو اتجاه فرضه عليها، تغير مستوى ونوع وسقف صراع القوى العظمى في العالم، في ظل ثورة الاتصالات والمعلوماتية، وتطور العقل والضمير البشري في الحس كما البارومتري الحساس للظلم وانعدام العدالة. عليه، فهي تريد ان تظهر للرأي العام الامريكي والدولي والعربي؛ بأنها الجهة الدولية العظمى التي تعمل في سياستها من اجل ضمان حقوق الانسان حتى في الدول الشريكة استراتيجيا لها، في التغطية على فعل الفاعل الذي ينتهك تلك الحقوق في كل حين. هذه السياسة لا تنحصر في الديمقراطيين، بل هي سياسة امريكا العميقة. ختاما نقول ان العالم يتطور تطورا مذهلا، في الذي يعني حق البشر في حياة إداميه، تليق بهم كبشر. المؤلم والمؤسف هنا؛ ان الانظمة العربية، لا تحترم تلك الحقوق الا تحت تهديد عصى الجلاد الامريكي، التي يروم بها تبيض وجهه اي الوجه الامريكي الكالح، التي تلطخه دماء الشعوب، وفي مقدمتها؛ دماء الشعوب العربية، وفي اولها؛ دماء الشعب العربي الفلسطيني، بدعمه اللا مشروط للكيان الصهيوني.