وكالات – كتابات :
“العراق” و”سوريا” دولتان منكوبتان بسنوات طويلة من الاحتلال والحروب الأهلية والنوعية (بالوكالة) والصراعات الدولية؛ وهذه حقيقة “سياسية”..
“العراق” و”سوريا” دولتان غنيتان بمواردها ومقدراتها الطبيعية، والتي من أبرزها “الذهب الأسود”، النفط، وغيره من المعادن والثروات؛ وهذه حقيقة اقتصادية..
“العراق” و”سوريا” شعبان يعانيان، اليوم، تحت وطأة الفقر والتشرد والفاقة والحرمان، وهذه حقيقة اجتماعية..
.. وبين الثلاثة حقائق ينجلي الوضع الاقتصادي للدولتين في ظل ما يمران به من أزمات ومحن سياسية وأمنية؛ ومردود ذلك على شعبيهما من تفاقم نسب الفقر والبطالة وتهديد لحياة القاعدة الغالبة لمواطنيهما..
العراق.. نظرة اقتصادية عامة..
اقتصاديًا، فإن “العراق” كانت لديه الفرصة لأن يكون واحدًا من أغنى دول العالم، وأن يصبح مواطنوه من الأعلى دخلاً بين دول المنطقة، والأكثر حظًا في الحصول على كل الخدمات الضرورية من خبز وغذاء وكهرباء ومياه ووقود ومواصلات عامة بالمجان أو على الأقل بسعر مناسب لدخولهم.
لكن عمليًا؛ فإن ذلك البلد النفطي، العائم على آبار في الشمال والجنوب والغرب، بات يعاني الفقر المدقع والبطالة المتفاقمة وانتشار العشوائيات وتدهور البنية التحتية، وأن ملايين الأسر تجد صعوبة في الحصول على وجبة غذاء واحدة في اليوم.
كما أن 10% من العراقيين لا يمتلكون طعامًا يكفيهم، بحسب أرقام “برنامج الأغذية العالمي”، التابع لـ”الأمم المتحدة”، وأن تخفيض قيمة “الدينار” أمام “الدولار” أدى إلى ارتفاع سلة الغذاء، بنسبة 14%، وهو ما أدى إلى تدحرج الملايين من خانة الطبقة الوسطى إلى الطبقة الفقيرة.
بل إن الأرقام الرسمية، الصادرة عن “وزارة التخطيط”، تعترف بارتفاع عدد المواطنين الذين يندرجون تحت بند الفقر المدقع، إلى 11.5 مليون عراقي، إذ إن جائحة (كورونا)؛ والأزمة المالية التي تشهدها البلاد منذ تهاوي أسعار “النفط”، تسببت في دخول أكثر من 1.5 مليون مواطن تحت خط الفقر، ليضاف إلى العدد السابق، البالغ 10 ملايين مواطن.
بل إن “مفوضية حقوق الإنسان” العراقية حذرت، بداية شهر آذار/مارس الجاري، من وجود مخاطر تهدد الأمن الغذائي في البلاد؛ بسبب إجراءات اتخذتها الحكومة، خلال الفترة الأخيرة، من بينها خفض قيمة “الدينار” العراقي أمام “الدولار”.
جنون في أسعار السلع الغذائية..
لم يقف الأمر عند هذا الحال المعيشي المتردي للمواطن، بل وصل به الأمر إلى حد مطالبة ملايين الفقراء والمحتاجين وأصحاب الدخول المحدودة، الحكومة، بعودة نظام الحصة التموينية الشهرية، الذي كان مطبقًا أيام، “صدام حسين”، وحتى قبل الغزو الأميركي للبلاد، عام 2003، بسبب الغلاء الفاحش، خاصة لأسعار المواد الغذائية، وتبني الحكومة سياسة خفض دعم السلع، وكذلك التعويم الجزئي للعُملة المحلية عبر خفض قيمة “الدينار”، بداية من شهر شباط/فبراير الماضي، وهو ما أدى إلى حدوث قفزات في أسعار كل السلع المستوردة.
ثروة نفطية نامية باستمرار..
اقتصاديًا مرة أخرى، يعتبر “العراق”، حاليًا؛ خامس أكبر منتج ومصدر لـ”النفط” في العالم، ويصنف كذلك على أنه ثاني أكبر منتج لـ”النفط”، في “منظمة الدول المصدرة للنفط”، (أوبك)، بعد “السعودية”، بمتوسط إنتاج 4.6 ملايين برميل يوميًا في الظروف العادية، ويعتمد على إيرادات “النفط” لتمويل ما يصل إلى 95% من نفقات الدولة، وهو ما يجعل المواطن والاقتصاد معًا عرضة لأي مخاطر أو تقلبات في أسعار “النفط” عالميًا.
وفي شهر نيسان/إبريل 2019، أعلنت “وكالة الطاقة الدولية” أن “العراق” يسير نحو إنتاج ما يقارب ستة ملايين برميل من “النفط” الخام يوميًا، بحلول عام 2030، ما سيجعله ثالث أكبر مصدر لـ”النفط” عالميًا. كما يمتلك “العراق” مخزونًا، قدره 132 تريليون قدم مكعب من “الغاز”، جرى إحراق 700 مليار قدم مكعب منها، نتيجة ضعف القدرة على استغلاله.
ووفقًا لأرقام “منظمة الدول المصدرة للنفط”، (أوبك)، الصادرة في عام 2010، فإن “العراق” يحتل المرتبة الثالثة عالميًا في المخزون النفطي الثابت القابل للاستخراج، حيث تبلغ احتياطياته النفطية 143.1 مليار برميل، تسبقه “السعودية”؛ بكميات 264.59 مليار برميل، و”فنزويلا” 211.17 مليار برميل، كما يسبق “العراق”، “إيران”، في الاحتياطي، والتي تملك نحو 137 مليار برميل.
ورغم كل هذه الكميات الضخمة من مصادر الطاقة، سواء كانت نفطًا أو غازًا طبيعيًا، فإن “العراق” يستورد نحو 30% من احتياجاته من الطاقة، خاصة الكهرباء والغاز، من “إيران”، ولا يحقّق الإكتفاء الذاتي حتى على مستوى توليد الطاقة الكهربائية، ويجري حاليًا مفاوضات، مع “تركيا”، لاستيراد الكهرباء منها. كذلك يستورد “العراق” نحو 60% من احتياجاته الغذائية، رغم ثروته الزراعية والمائية.
تخمة في الثروات الطبيعية وجوع شعب..
في مقابل تلك التخمة النفطية والزراعية، التي تؤهل أي حكومة لتوفير كل متطلبات الرفاهية والخدمات لمواطنيها، نجد أن الأرقام الحديثة تشير إلى أن معدلات “الفقر”، في “العراق”، وصلت إلى 31.7%، وهو معدل يفوق تلك النسب الموجودة في بلاد عربية أخرى لا تمتلك حتى ربع ثروات “العراق” النفطية وغيرها.
ما الذي أوصل المواطن العراقي، في ذلك البلد النفطي الكبير، إلى تلك الحالة المزرية التي يعاني منها مواطنو دول فقيرة لا تمتلك حكوماتهم ثروات نفطية أو طبيعية أو حتى زراعية ؟
إنه “الفساد” المستشري في كل شرايين الدولة العراقية، والذي دفع الحكومة إلى أن تقترض من الداخل والخارج لسداد الرواتب والإنفاق على بنود الدعم، وربما الإنفاق على الفاسدين أنفسهم.
سوريا.. البحث عن القوت في مكبات النفايات..
في مكب للنفايات، على أطراف مدينة “ديرك”، (المالكية)، في شمال شرق “سوريا”؛ يتجمع النساء والرجال والأطفال وهم منهمكون في البحث عن بقايا طعام يسدون بها جوعهم أو عبوات بلاستيكية لبيعها وثياب لإرتدائها.
عشر سنوات من الأزمة السورية؛ دفعت بالكثير من العائلات للجوء إلى مكبات القمامة بحثًا عن كل ما قد يسد رمقهم ويوفر لهم بعض الأموال في ظل التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد.
تحت ظلال آلات استخراج النفط تبحث يسرى ياسين بيدين عاريتين بين أكوام النفايات عن قطعة طعام صالحة للأكل او قطعة ثياب تقي فيها نفسها من البرد.
تقول “يسرى”: “مع ساعات الصباح الباكر؛ أتوجه كل يوم برفقة أبني، (10 أعوام)، إلى هذا المكب.. ننتظر سيارات القمامة ونبحث بين هذه الأكوام عن كل ما يمكن بيعه من بلاستيك ونحاس، وكثيرًا ما ينتهي اليوم دون أن نجد ما يوفر ثمن ربطة خبز أو وجبة غداء لعائلتي”.
تضيف “يسرى”؛ أنها يوميًا تبحث لأكثر من خمس ساعات، بين القمامة، لتجمع ما قيمته بين 2 إلى 3 آلاف ليرة سورية، (أقل من 1 دولار).
يبحثون عن الطعام فلا يجدون سوى المرض !
على مقربة من “يسرى”؛ تمزق “نجاح” الأكياس بأداة حديدية، بعد أن جرحت يدها، الأسبوع الماضي، وتقول: “كثيرًا ما تُجرح أيدينا ونحن نمزق الأكياس والعلب، وأنا أعاني من مشاكل في الرئة، كسائر من يتواجد هنا، جراء رائحة الدخان المتصاعد من حرق النفايات وأصيب بعضنا بـ (كورونا)، ومع ذلك لا يمكننا التوقف عن العمل.. فهذا مصدر عيشنا الوحيد”.
غمرت السعادة وجه “نجاح”، بعد أن تمكنت من إيجاد دمية صغيرة؛ تقول أنها سوف تأخذها لطفلتها ذات الثلاث سنوات، وتضيف أننا: “نعمل لأجلهم”، في إشارة منها إلى أطفالها الخمس.
في مشهد تراجيدي؛ تتسابق النساء والأطفال خلف سيارات القمامة القادمة إلى المكب، فمن يصل أولاً سوف يحصد الجوائز قبل أقرانه، كما تقول “نجاح”، وهي تحاول الصعود للشاحنة.
أكثر من 9 مليون سوري ينعدم أمنهم الغذائي !
يتخذ الأطفال استراحة صغيرة ويتجمعون حول نار أوقدوها في المكب.. “سامي”، (13 عامًا)، يقول إنه ترك الدراسة حتى يتمكن من العمل إلى جانب أمه؛ ويساعدها في البحث بين القمامة وحين تكون مريضة يأتي لوحده إلى المكب..
ويضيف: “أحب العمل لكن الأمر متعب هنا.. سوف أعمل في الصيف على تعلم مهنة ما، ولكني لا أحب العمل لدى الغرباء، أنهم يتعاملون معنا بقسوة”.
مع بدء الصراع في “سوريا”، عام 2011، شهدت البلاد أسوأ أزماتها الاقتصادية والمعيشية، التي ترافقت مع إنهيار قياس في قيمة “الليرة”، حيث وصل سعر صرف “الدولار” الواحد، مقابل “الليرة” السورية، 3600 ل. س، فيما كان يعادل “الدولار” الواحد أقل من 50 ل. س؛ قبل الأزمة، وتراجعت القدرة الشرائية للسوريين الذين بات الجزء الأكبر منهم يعيش تحت خط الفقر، بحسب تقارير دولية.
وبحسب تقديرات “برنامج الأغذية العالمي”، التابع لـ”الأمم المتحدة”، نحو 9.3 مليون شخص يعانون من إنعدام الأمن الغذائي.