حيثُ مسألة احتلال العراق كانت محسومة مسبقاً وقبل شهورٍ ليست قليلة من موعد الغزو الذي لم يكن محدداً بعد , كانت وزارة الدفاع العراقية ورئاسة الأركان تتدارس سبل عرقلة ومواجهة الهجوم الأنكلو – امريكي المقبل , وكذلك الأمر لقوات الحرس الجمهوري الضاربة , وتقوم بعرض خططها على القيادة العامة للقوات المسلحة , والتي انتهت في حينها تقريباً من وضع خطة دفاعية شمولية ضد القوات المهاجمة , وخصوصاً في المحافظات والعاصمة وضمن الإمكانات العسكرية المتواضعة والمتاحة .. في تلكم الأثناء قدّم أحد الجنرالات من كبار القادة العسكريين خطّةً مغايرة تقتضي بمقاومة الغزو عبر اسلوب ” المقاومة الشعبية ” والكفاح المسلّح , وتوزيع ونشر الفرق والألوية النظامية داخل المدن والأرياف وفي الشوارع والتقاطعات , وادارتها كما في الحرب الفيتنامية السابقة ” التي انتهت اواسط سبعينيات القرن الماضي ” وكان لها اثرها ومفعولها في انتصار الفيتناميين وهزيمة الأمريكان .
خطّة الجنرال العراقي هذه جرى رفضها بالكامل من قبل وزارة الدفاع العراقية , والإصرار على اداء وخوض المعركة بالأساليب النظامية الكلاسيكية , ووفق احدث خطط القتال الحربية المبتكرة والمتطورة < كما حدثَ في معركة المطار التي فشل الأمريكان في احتلاله لمرتين ” قبل استخدامهم لقنابلٍ خاصة استخدمت للمرة الأولى والتي تذيب وتصهر الإنسان والتي لا تزال اسرارها مجهولة لحدّ الآن , وشوهدت بقايا ومخلفات من جنود وضباط القوة العراقية في منطقة المطار , وعجزت الكوادر الطبية العراقية في تفكيك محتوياتها ” , حيث في المعركتين الأولى والثانية التي احتلوا الأمريكان فيها مطار بغداد الدولي وملحقاته , فوجئوا بوحداتٍ من لواء الضفادع البشرية يخرجون لهم من تحت الأرض وازاحوهم عن بكرة ابيهم من الوجود تقريباً .
اين الخلل بين خطة القيادة العسكرية وخطة القائد العسكري العراقي .؟
النقطة الأولى او الأولية أنّ رئاسة الأركان العراقية ومعها قيادة الحرس الجمهوري لم تفكّر اصلاً في محاولة المزج بين كلتا الخطتين , عبر القيام بفرز وتخصيص بعض الوحدات العسكرية النظامية للقيام بمهمة ما يصطلح عليه بِ < حرب العصابات > من داخل المدن فور واثناء دخول قوات الغزو , وإرباك القيادة الأمريكية الميدانية في ايّ منطقةٍ واحياءٍ سكنية وتجارية تدخل فيها الى العاصمة بشكلٍ خاص .
النقطة الثانية الأخرى وهي الأكثر والأشد ستراتيجياً وفاعلية , فإنّ اعداد المنتسبين لحزب البعث ” وفق احصائية الشبكة العنكبوتية ” يبلغ 11 000 000 مليون عنصر بين الأعضاء والمنتسبين الآخرين , ومعظم او الكثير من هؤلاء مدربين ومزوّدين بالأسلحة , لكنّ ما جرى هو ترك تلك الأعداد الكبيرة دونما تخصيص ضباط نظاميين لتوزيعهم الى حظائرٍ وخلايا وادارة عملياتهم القتالية ضد المحتل , حيث جرى الإعتماد على الإجتهادات الشخصية او شبه الشخصية للمسؤولين الحزبيين لتولّي تلك المهام التي لم تنجح او لم تُصار اصلاً والى حدٍ بعيد وليس مطلق .!
في تحليلٍ وتفكيكٍ آخرٍ , ولعلّه الأعنف غرابةً ودهشة , فلم يجرِ الإستفادة من تجربة مشاركة قواطع الجيش الشعبي في معارك الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي , حيث كانت تلك القوات غير النظامية مدرّبة على صنوفٍ محددة من الأسلحة بدءاً من مدافع المورتر – الهاون , الى قاذفات RBG 7 ونزولاً الى الأسلحة المتوسطة الأخرى , والتي اكتسبت خبرة قتالية متميزة في تلك المعارك , لماذا لم تظهر ايّة ادوارٍ ملحوظة وظاهرة لقوات الجيش الشعبي في تلك الحرب .؟ وللحديثِ شؤونٌ وشجونٌ يصعب تفكيكها في المدى المنظور ومهما طالَ واستطال .!
ثُمَّ , وفي الإستحضارات المسبقة والإستعداد لمواجهة هجومٍ دوليٍ على البلاد , كان من المفترض < وبجانب وبموازاة التهيئة الدفاعية النظامية > أن يغدو تعبئة وتسليح شرائح وقطاعات جماهيرية واسعة لمواجهة العدو , وربما بشكلٍ خاص لطلبة الجامعات والمعاهد والكليات وسواهم , وسيّما استقبال المتطوعين ذاتياً للدفاع والقتال ضد المحتل , وتنظيم ادارة شؤونهم العسكرية والفنية , لكنّ لا هذا ولا ذاك لم يحدث .! , وكان لتأثيرات الحصار الإقتصادي الجائع , والحرب النفسية والإعلام , بجانب الإحباط النفسي ادواراً ما في ذلك , لكنّ كلّ ذلك لم يكن مُبرّراً على الإطلاق , وثمنه الحالي بيع الوطن لأعداء الوطن , وبالمجّان .!
ما حدثَ من اضطراباتٍ مروّعة في 14 محافظة إبّانَ حرب 1991 قد يضحى له ما له في انعكاساتٍ متضادة ” وسواءً مبررة او غير مسوغة ” في حرب سنة 2003 , وإذ حدثَ الأسوأ من الأسوأ بعدها , فأي فائدةٌ متأخرة جدا قد يُستفاد منها على المدى البعيد , وايّ فائدةٍ بعدما خسر العراق والعراقيون معظم مقومات الحياة بين الأحياء والأموات .!